أولى

لبنان على عتبة إطاحة الانتخابات: ما التحديات والتداعيات؟

 د. عصام نعمان*

الكلّ في لبنان يدعو الى إجراء الانتخابات في موعدها: الرؤساء والوزراء والنواب وزعماء الأحزاب والتكتلات البرلمانية والنقابات المهنية والعمالية. كذلك الخارج المعني بلبنان: الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، إيران، الأمم المتحدة، البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. كلّ هؤلاء يدعون ويحثون الأطراف اللبنانيين على إجراء الانتخابات في موعدها، وبعضهم يحذّر من مغبة إرجائها او إلغائها.

مع ذلك، يبدو لبنان على عتبة الإطاحة بالانتخابات المقرّر إجراؤها في منتصف شهر أيار/ مايو المقبل. رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قال لصحيفة «الأخبار» إنه يخشى ألّا تجري لأن لا مال لدى وزارة الداخلية لإجرائها، لا في الداخل ولا في الخارج، حيث ينتشر ألوف اللبنانيين في شتى الدول. قال أكثر من ذلك: ليس لدينا مال لإجراء الانتخابات ولا لأيّ أمر آخر!

مجموعة الدعم الدوليّة من أجل لبنان لاحظت تباطؤ السلطات اللبنانية المختصة في التحضير للانتخابات فخصّصت اجتماعها الأخير وبيانها العلني للتنبيه الى ضرورة إتمام التحضيرات الفنية والإدارية وتخصيص الموارد اللازمة لإجراء الانتخابات داخل لبنان وفي الخارج، ودعت جميع الأطراف السياسية الى الانخراط بشكل مسؤول وبنّاء في العملية الانتخابية والالتزام بإجرائها بطريقة سلميّة. بيان المجموعة الدوليّة شكّل تحذيراً ضمنياً من مواقف وتطوّرات تنطوي على معطيات لدى البعثات الديبلوماسيّة لدولها في لبنان حول اضطرابات تهدف الى إطاحة الانتخابات.

في الواقع، ثمة مواقف وتطوّرات قد تنتهي، بقصد او بلا قصد، الى تأجيل الانتخابات. فقد أصدر وزير الداخلية بسام المولوي قراراً بمنع إقامة مهرجان للمعارضة البحرينية في ضاحية بيروت الجنوبية، الأمر الذي دعا حزب الله الى الإعلان، بلسان النائب حسن فضل الله، بأنه سيرعى مهرجان المعارضة البحرينية وذلك باستضافته في «قاعة الرسالات» التي يملكها. فهل يجرؤ وزير الداخلية على منع المهرجان بالقوة؟

التوتر المتزايدة فعاليته بين المكوّنات السياسية لحكومة نجيب ميقاتي ازداد حدّةً بالخلافات المتفجّرة في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء. فقد اعترض وزراء حزب الله وحركة أمل على إعلان الرئيس ميقاتي إقرار مشروع الموازنة للعام 2022 من دون التصويت عليه، كما اعترضوا على تعيينات أعضاء عسكريين في المجلس الأعلى للدفاع من خارج جدول الأعمال ومن دون التوافق عليها مسبقاً بين الأطراف السياسية المعنية بها. فهل تتفجّر هذه الخلافات في مجلس النواب وتحول دون إقرار مشروع الموازنة؟

 فوق ذلك، قد تتفجّر خلافات ربما أكثر حدّةً بين المكوّنات السياسية للمنظومة الحاكمة حيال الموقف المُراد اعتماده من مسألة ترسيم حدود لبنان البحرية الجنوبية والمشروع الذي سيتقدّم به بعد عودته من «اسرائيل» الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين الداعي الى تقاسم عائدات النفط والغاز الناجمة عن عمليات استخراجهما من المنطقة البحرية المتنازع عليها بين لبنان والكيان الصهيوني.

غير أنّ العامل الأكثر فعالية وخطورة في الصراع الدائر بين الأطراف السياسية المتصارعة هو ما يتردّد عن اتجاه الفريق المتحالف منها مع دول الغرب الى التراجع عن التمسك بإجراء الانتخابات بعدما لاحظ تطوّرين لافتين: الأول تراجع عدد مؤيديه بحسب استطلاعات رأي أجريت مؤخراً ما يؤدي الى تقليص عدد مقاعده في البرلمان المقبل. الثاني عودة الوفاق الى أطراف التحالف الثلاثي الحاكم (التيار الوطني الحر وحركة امل وحزب الله وحلفاؤهم) ما يمكّنه من الاحتفاظ بالأكثرية النيابية وبالتالي باليد العليا في مراكز السلطة. هذا التطور قد يحمل خصوم التحالف الثلاثي والقوى الخارجية الداعمة لهم الى افتعال حوادث أمنية يكون من شأنها، بالإضافة الى المعوّقات السياسية والمالية والأمنية سالفة الذكر، حمْل الفريقين المتصارعين بين أهل القرار لديهما على تأجيل الانتخابات تفادياً للفتنة.

لتأجيل هذا الاستحقاق الدستوري والسياسي تداعيات جمّة، بعضها شديد الخطورة. ذلك انّ الأطراف السياسية المتصارعة قد تتعثر في التوافق على التمديد لمجلس النواب الحالي ما يؤدي الى احتمال بالغ الخطورة هو نشوء فراغ سياسي ناجم عن عدم وجود مجلس نيابي لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد بعد انتهاء ولاية الرئيس عون في أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، حتى لو أمكن التوافق على التمديد لمجلس النواب الحالي، فإنّ حال الصراعات السياسية والأمنية التي تلفّ لبنان ودول الإقليم المحيطة ناهيك عن صراعات الدول الكبرى في ساحاتها قد تجعل انتخاب رئيس جديد أمراً صعباً إنْ لم يكن مستحيلاً.

الى ذلك كله، ثمّة خطر ماثل لعله الأشدّ ضرراً وتداعيات هو استشراء فوضى عارمة تعمّ البلاد برمّتها ما يؤدّي بالضرورة الى تفاقم حال الانهيار الاقتصادي والمالي وتهالك ما تبقّى من هيكلية الدولة المتداعية. هذه الحال قد تؤدّي بدورها الى وضعٍ من التقسيم الفعلي غير المقونن. فالأحزاب الأقوى شعبياً وأمنياً في بعض المناطق ستحرص على أن تكون لها اليد العليا فيها الأمر الذي سيفرز كيانات حكم ذاتيّ متنافسة على السلطة والمغانم في طول البلاد وعرضها.

كيف يمكن تفادي هذه النهاية المحزنة؟

إنّ الجميع، مواطنين ومسؤولين، لا سيما الوطنيين الملتزمين قولاً وفعلاً، مطالبون، أولاً، بأن يعوا تحديات هذه المرحلة الخطيرة وتداعياتها وأن ينهضوا، ثانياً، الى مواجهتها بالفكر والعمل موحدين لابتداع الرؤى والمناهج والآليات والوسائل الكفيلة بإخراج البلاد والعباد من حال الانحطاط والتشرذم والتصارع الى حال الوفاق والنهوض والارتقاء. ثم أنه يجدر بالحزب او الجبهة السياسية الأقوى منفردةً بين أحزاب وتكتلات أخرى في المجتمع اللبناني التعددي بأن تكون له او لها مبادرة جادة في سبيل بناء حركة شعبية جامعة عابرة للمناطق والمذاهب والمشارب تقود بنَفَس طويل عملية الصعود من قعر الانحطاط الى سفح جبل الوحدة والنهضة والإنماء والإبداع الحضاري.

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى