الوطن

الاعتداءات «الإسرائيلية» على سورية: الانتظار المرّ…

} عامر نعيم الياس

منذ بداية الحرب على سورية والاعتداءات الإسرائيلية مستمرة على البلاد ضمن تكتيك معركة بين حروب، وقد يرى البعض أنّ الحديث عن هذه الاعتداءات بات أمراً مكرّراً لا طائل منه، لكن المخطط الذي يرسم للمنطقة وطبيعة الصراع تجعل من الضرورة إعادة قراءة المشهد العام عند كلّ مرة يحصل فيها تطوّرٌ ما يلقي بظلاله على شكل توازن القوى في المنطقة، فلماذا الاعتداءات الإسرائيلية على سورية مختلفة هذه المرة؟

ينطلق الاختلاف من عاملين:

العامل الأول: التبنّي الإسرائيلي الواضح والعلني والفوري للاعتداء الذي حصل على ليلة 18/11/2020 وهو أمر نادر الحدوث خلال السنوات العشر المنصرمة من تاريخ الحرب على سورية.

العامل الثاني، تخوّف تل أبيب من سياسات إدارة بايدن، والعمل على استغلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب التي تنتهي في منتصف شهر كانون الثاني من العام المقبل.

العامل لثاني هو عامل مشترك بين كل الأطراف في سورية مع اختلاف طبيعة الفعل وردّ الفعل، فالقلق الإسرائيلي من التغييرات المحتملة في السياسة الخارجية الأميركية، وتشديد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على العلاقة المميّزة مع الرئيس الحالي ترامب، يدفع الكيان الصهيوني إلى تكثيف اعتداءاته خلال الشهرين المقبلين والعمل على تكريس عدة أمور:

الأول، إعادة صياغة قواعد اللعبة بين الكيان الصهيوني ومحور المقاومة وضرب الخطوط الحمر التي كانت سائدة خلال السنوات السابقة، خاصةً لجهة نوعية المناطق المستهدفة، أو لجهة إيقاع خسائر بشرية في صفوف القوات العاملة تحت إمرة محور المقاومة.

الثاني، العمل من خلال هذه المعادلة الجديدة التي تحاول «إسرائيل» صياغتها على تكبيل أيّ جهدٍ أو توجهٍ لدى إدارة جو بايدن لوقف العمليات الإسرائيلية في سورية على قاعدة التهدئة في المنطقة ومحاولة العودة إلى العملية التفاوضية التي تحتاج إلى بوادر حسن نية من واشنطن أولاً.

الثالث، فصل ملف العمليات العسكرية «الإسرائيلية» عن السياسة الأميركية المقبلة في المنطقة بسكل تامّ، ومن هنا يأتي التركيز الإسرائيلي على الدور الإيراني في سورية وتعويمه في هذه الفترة، فضلاً عن إثارة ملف تصنيع الصواريخ الدقيقة من جانب حزب الله في لبنان، والتي تفتح بدورها الباب على احتمال شنّ ضربة إسرئيلية خاطفة على لبنان.

الرابع، منع أيّ عملية لتطوير قدرات الجيش العربي السوري عبر استمرار الضغط عليه، واستغلال هذا الضغط في حملة إعلامية تركّز على عجز الدولة السورية عن الردّ أولاً، وعن مواجهة حلفائها ثانياً، ما يساهم في تشتيت الرأي العام السوري واستمرار الانقسام الذي يخدم الأهداف «الإسرائيلية» في سورية.

في المقابل، فإنّ ما يصطلح على وصفه بالصبر الاستراتيجي هو سيد الموقف لدى محور المقاومة عملاً بالقاعدة الصحيحة التي تقول إنّ الضربات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت سورية لم تغيّر في الوضعية الاستراتيجية والميدانية لمحور المقاومة، بل على العكس تكثّف التعاون بين أطراف محور المقاومة، كما بسطت الدولة السورية سيطرتها على العديد من المناطق التي كانت خارج سيطرتها على الرغم من الادّعاء «الإسرائيلي» بتحقيق نجاحات عسكرية، لكن هذا الصبر ومنذ شهرين تحوّل إلى انتظارٍ مرٍّ لنتائج السباق الانتخابي إلى البيت الأبيض، واليوم إلى رهانٍ على عدم التشويش على منح ترامب حجةً للتصعيد في المنطقة وتكبيل إدارة بايدن المقبلة أكثر فأكثر بأمرٍ واقع جديد يحدّ من قدرته على التحرك، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يمكن لترامب قلب الطاولة في المنطقة ومنح الضوء الأخضر لقواته أو للكيان الصهيوني بشنّ حرب تهدّد بانفجار الأوضاع لأسباب داخلية أميركية، وأخرى تتعلق بطبيعة التوازنات في المنطقة عموماً وفي سورية خصوصاً.

ومع ذلك فإنّ انتظار سياسات إدارة بايدن وعدم الانجرار إلى مواجهة بتوقيت «إسرائيلي» يمكن أن ينجح في حال منع «إسرائيل» من تغيير قواعد اللعبة القائمة في المنطقة وسورية، أما إذا تمادت تل أبيب وأنتجت قواعد لعبة مختلفة فإنها ستحقق هدفها بتكبيل جهود إدارة بايدن، وهنا لا نتحدّث عن تغيير في أهداف السياسة الأميركية في المنطقة، بل تغيير وسائل تحقيق هذه الأهداف، فبايدن لن يتخلى عن «إسرائيل».

ومع الاحتمال الضعيف للحرب في المنطقة، أو محاولة التغيير الشامل للوضع الميداني، فإنّ الاعتداءات العسكرية «الإسرائيلية» ستشهد تصاعداً خلال الشهرين المقبلين، وهذا ما يزيد من التوتر والضغط على محور المقاومة الذي يراقب وينتظر بايدن كما تراقبه تل أبيب… 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى