الاستراتيجية الأميركية لإدارة بايدن في سورية…
} د. ميادة ابراهيم رزوق
يمثل الأمن القومي لكيان الاحتلال الصهيوني خطاً أحمر في الاستراتيجيات الأميركية ولمختلف الإدارات جمهورية كانت أم ديمقراطية، إلا أنّ هناك بعض التفاصيل التي قد تنعكس على آليات العمل بين إدارة وأخرى.
في الدائرة الفلسطينية سعى الديمقراطيون جاهدين منذ إدارة كارتر لتبني معاهدات السلام بين العرب وكيان الاحتلال الصهيوني، فتبنّت الإدارات الديمقراطية حلّ الدولتين ودعمته في إدارات كلينتون وأوباما، ويبدو أنّ إدارة بايدن ستتبع النهج ذاته، وهذا ما نقرأه في تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي قال «إنّ التسوية الوحيدة القابلة للاستمرار في ذلك النزاع هي «حلّ الدولتين» وأنها السبيل لضمان مستقبل (إسرائيل) كدولة ديمقراطية مع إعطاء الفلسطينيين حقوقهم»، وهذا ما سينعكس على العديد من ملفات المنطقة بما فيها الملف اليمني والملف الليبي وملفات أخرى تتضمّن الانتخابات القادمة في كيان العدو الصهيوني.
وبالانتقال إلى الدائرة السورية التي هي محور مقالنا هذا، ووفقاً لتصريحات بلينكن فإنّ بايدن سيحتفظ بوجود عسكري أميركي شمال شرق سورية لدعم مشاريع «قسد» وتأمين حقول النفط، وللضغط على النظام السوري للقبول ببناء الكيان الكردي الانفصالي، والتخلي عن العلاقة مع طهران، وبالعودة إلى تاريخ الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن يتضح أنه هو من قاد مشروع تفتيت العراق عام ٢٠٠٣، وهو من اقترح عام ٢٠٠٦ دولة كردية على الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا، وبالتالي لن تبدّل واشنطن من نهجها تجاه سورية سعياً للتفاوض بالعودة إلى الوضع ما قبل عام ٢٠١١ لضمان أمن الكيان الصهيوني الذي يعيش أزمته الوجودية بالإضافة إلى مجموعة من الأزمات الداخلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعجزه عن خوض الحروب الخاطفة والسريعة، ولذلك ستواصل واشنطن سياستها الظالمة باستمرار تعزيز التواجد غير الشرعي لقواتها في قاعدة التنف جنوب سورية، والشمال الشرقي السوري، وسندان ومطرقة الأدوات والكيانات الوظيفية لخدمة أجندتها، وبشكل أساسي الاحتلال التركي ومرتزقته من مجاميع العصابات الإرهابية، وقوات سورية الديمقراطية الانفصالية «قسد»، وبؤر داعش الكامنة والخاملة في البادية السورية التي يجري تنشيطها حسب الطلب تكريساً للفوضى وإمعان الحصار الاقتصادي وقطع الشريان البري التجاري بين العراق وسورية ولبنان، لزيادة معاناة سورية المعيشية والاقتصادية بسرقة النفط وحرق محاصيل القمح والشعير وحرمانها من ثرواتها بالتزامن مع حصارها الجائر وفق العقوبات الاقتصادية الأميركية أحادية الجانب وقانون «قيصر» الذي تفرضه على الشعب السوري لمنعه من الحصول على حوامل الطاقة والمواد الغذائية والأدوية وإعاقة إعادة إعمار ما دمّره الإرهاب الذي دعمه الغرب لتدمير البنية التحتية في سورية، ليصرخ الاقتصاد السوري بما يزعزع الاستقرار الاجتماعي ويؤدّي إلى سقوط الدولة السورية، أو الإذعان للشروط الأميركية بما يخدم أمن الكيان الصهيوني.
وبتفنيد ما سبق، وبعد فشل الخطة – أ– بتدمير الدولة الوطنية السورية عبر الجيش البديل الأميركي المتمثل بـ «داعش»، تتلخص الاستراتيجية الأميركية بالانتقال للخطة – ب– التي تعتمد على استنزاف مدروس بالضغط الاقتصادي والدبلوماسي وحتى العسكري لتعطيل كلّ جهود سيادة الدولة السورية على كامل جغرافيتها وعودة الجيش السوري إلى الحدود السورية، والخروج من آثار الحرب عن طريق ما يلي:
أولاً: إعادة هيكلة تنظيم «داعش» الإرهابي من الناحية العسكرية متبعاً أسلوب حرب العصابات بما يتناسب مع فقدان هؤلاء الإرهابيين القدرة على التمركز والسيطرة، والاعتماد على العمل الاستخباري ومناطق البادية الممتدة بين أرياف محافظة الرقة وحماة وحمص ودير الزور مستقوياً بقدرة عناصره على الانتشار والتخفي ضمن الطبيعة الجغرافية للبادية السورية المترامية الأطراف والمتصلة مع الحدود العراقية والأردنية والتركية لاستهداف الطرق الرئيسية لنقل البضائع، وصهاريج النفط، وحافلات نقل أفراد قوات الجيش العربي السوري وحلفائه، وتقطيع الطرق الحيوية الرابطة بين المحافظات وجعلها مناطق خطرة في إطار حرب استنزاف تحاول إرباك تحركات القوافل العسكرية والمدنيين والنشاط الاقتصادي في ظلّ جبهات لا تزال مفتوحة وتهديدات تركية للعدوان على عين عيسى، وحصار اقتصادي أميركي على سورية لا يقلّ ضراوة عن الحرب التقليدية للتوظيف كورقة سياسية عسكرية في معارك الابتزاز والنفوذ.
ثانياً: دعم ثنائية الاحتلال التركي وميليشيا «قسد» بأدوار متبادلة تتلخص أهدافها بتغيير ديموغرافي لمنطقة شمال وشمال شرق سورية عبر مسلسل تكرار قطع المياه من قبل الاحتلال التركي واستخدام سلاح العطش لتهديد حياة مليون مواطن سوري بمحافظة الحسكة، وما سبقه من تهجير سكان منطقة عفرين ومناطق أخرى في الشمال السوري حيث وطأت أقدام المحتلّ التركي ومجاميع إرهابيّي الفصائل المسلحة التابعة له، بالإضافة إلى انتهاكات مستمرّة تمارسها ميليشيا «قسد» بحق الأهالي وحصارهم والتضييق عليهم بمنع دخول المواد التموينية وصهاريج الماء والوقود، وتهريب القمح الذي يزرع في مناطق سيطرتها إلى خارج سورية عبر كردستان العراق عبر وسطاء مما يخلق أزمة طحين، وعرقلة وصول الطلاب إلى المدارس التابعة للدولة السورية، واعتقال العديد من الشباب حتى معلمي المدارس للتجنيد الإجباري، ومخالفات السيارات التي تحمل أرقاماً غير الأرقام التي أقرّتها «قسد».
ثالثاً: الإجراء الأميركي بضمّ (إسرائيل) إلى عمليات القيادة المركزية الأميركية «سينتكوم» في إطار تشكيل نظام أمني استخباري شرق أوسطي تتكامل مهامه مع بؤر داعش الكامنة باستهداف وإشغال قوات الجيش السوري وحلفائه وخلط الأوراق لعرقلة فتح الطريق بين سورية والعراق وما يحمله من إنعاش الاقتصاد السوري، وتواصل بري مهمّ بين الدول الثلاث سورية – العراق– إيران.
رابعاً: الاستيلاء على أكثر من ٧٠٪ من مصادر الطاقة في سورية من خلال سيطرة «قسد» المدعومة من قوات الاحتلال الأميركي على أهمّ حقول النفط والغاز في شرق سورية، وأبرزها حقل العمر النفطي الذي هو أكبر الحقول النفطية السورية مساحة وانتاجاً، وحقل التنك أحد أكبر الحقول بعد حقل العمر ويقع في بادية الشعيطات بريف دير الزور الشرقي، بالإضافة إلى حقل كونيكو للغاز وفيه أكبر معمل لمعالجة الغاز في سورية وإنتاج الطاقة الكهربائية ويقع في ريف دير الزور الشمالي، وحقول الرميلان النفطية والجبسة الغازية بمحافظة الحسكة وفيها محطة لتوليد الطاقة الكهربائية باستخدام الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى حقول نفط الجبسة وكبيبة وتشرين، والتي تمثل بمجموعها ثلث مصادر الطاقة في سورية، ليبلغ الإنتاج الذي تسيطر عليه ميليشيا «قسد» نحو ٣٥ ألف برميل يومياً، كما يتمّ ضخ مئات البراميل من النفط الخام المسروق يومياً عبر أنابيب تمّ مدّها من الأراضي السورية في منطقة سيمالكا عبر مياه نهر دجلة إلى الأراضي العراقية بعد نقلها بالصهاريج من حقل كراتشوك شمال شرق مدينة الرميلان، وما سبق ذلك في شهر آب من العام المنصرم من إبرام ما تسمّى بالإدارة الذاتية الكردية (قسد) اتفاقاً بشأن تطوير واستثمار حقول النفط السوري مع شركة (ديلتا كريسنت انيرجي) الأميركية التي حصلت على استثناء من وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين، باعتبار أنّ قطاع النفط ومؤسسات سورية كثيرة خاضعة لحظر أميركي بموجب (قانون قيصر)، حيث يتضمّن الاتفاق تأسيس مصفاتي نفط متنقلتين شرق الفرات تنتجان حوالي 20 ألف برميل يومياً، مما أدّى إلى انخفاض إنتاج النفط السوري إلى أقلّ من ١٠ آلاف برميل يومياً في عام ٢٠١٦ وارتفع حتى ٢٤ ألف برميل يومياً في عام ٢٠٢٠ بعد أن بلغ حوالي ٣٨٥ ألف برميل يومياً قبل بدء الحرب على سورية مطلع عام ٢٠١١، حيث كان يشكل إنتاج النفط نحو ٢٤٪ من الناتج المحلي الإجمالي، و ٢٥٪ من عائدات الموازنة، و ٤٪ من عائدات التصدير.
ورغم اشتداد صعوبة الأوضاع المعيشية على الشعب السوري، فمن المؤكد أنّ سورية التي قاتلت وصمدت وانتصرت، واستطاعت أن تتجاوز أبعاد الحرب الإرهابية الدولية عليها قادرة بمعادلة الصمود تلك أن تتخطى أيّ عقبة بوحدة قيادتها وشعبها وجيشها، ليكون هناك حراك حقيقي في الجوانب الداخلية بخطط حكومية تعمل على الاستفادة القصوى من مقدراتها الذاتية وتنميتها وتطويرها، بالإضافة للتعاون مع الحلفاء لبناء منظومة إقليمية أمنية سياسية عسكرية اقتصادية بين دول وقوى محور المقاومة تشكل نواة صلبة لحالة من التشبيك تدخل المنطقة بأكملها في معادلة واسعة من المصالح المشتركة تجعلها لاعباً مهماً في المعادلات الدولية الاقتصادية والسياسية.
وأخيراً قد تكون معركة الجيش السوري وحلفائه في إدلب من بعد إنهاء حالة الاضطراب الأمني في درعا في الجنوب السوري هي الحلقة التي تؤدّي إلى انعطافة في مفاوضات تسرع خروج المحتلّ الأميركي من المنطقة والجلوس على طاولة التسويات الكبرى.