الوطن

الانتخابات الرئاسيّة السوريّة إرادة شعبيّة تنتصر

سماهر الخطيب

منذ أن أعلن مجلس الشعب السوري عن موعد الانتخابات الرئاسيّة السوريّة في يوم الأحد السادس والعشرين من أيار، وبدأ مع هذا الإعلان فتح باب الترشح ولمدة عشرة أيام من تاريخ الإعلان حتى أقفل الباب على 51 مرشحاً ثمّ أعلنت المحكمة الدستورية العليا يوم 3 أيار 2021 عن قبول ثلاثة مرشحين هم عبد الله سلوم عبد الله وبشار حافظ الأسد ومحمود أحمد مرعي ورفض باقي الطلبات لعدم استيفائها الشروط الدستوريّة والقانونيّة. وتختص المحكمة الدستورية العليا بفحص طلبات المرشحين ومدى توافر الشروط المطلوبة لصحة وقبول ترشيحهم، ثم تعلن القائمة النهائيّة لمن قبل ترشحهم.

ومع الإشارة إلى أن موعد الانتخابات للسوريين «في السفارات في الخارج» يبدأ في 20 أيار فقد بدأت الجاليات السورية في المغتربات بالمهرجانات التنظيمية والتحضيرية لهذا الاستحقاق الثاني من نوعه خلال فترة الحرب التي ناهزت عشر سنوات ونيّفاً ضدّ سورية.

ومع توقعات بفوز الرئيس الحالي والمرشح للاستحقاق الرئاسي الدكتور بشار الأسد ستقام الانتخابات الرئاسية بموجب الدستور، الذي تم الاستفتاء عليه في 2012، ووفقاً للمادة 88 من الدستور، الرئيس لا يمكن أن ينتخب لأكثر من ولايتين كل منها من سبع سنوات. وتوضّح المادة 155 أن هذه المواد لا تنطبق على الرئيس الحالي إلا اعتباراً من انتخابات 2014.

فيما لم تسفر اجتماعات اللجنة الدستوريّة، والتي تضمّ ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة برعاية الأمم المتحدة، عن أية نتيجة. حيث عملت المعارضة والقوى الإقليمية والدولية المؤيدة والداعمة لها، كل ما في وسعهما خلال عام 2020 على أن تنهي اللجنة الدستورية السورية، عملها بالاتفاق على دستور جديد أو تعديل بعض مواد دستور 2012 والمعمول به حالياً فى سورية، وذلك أملاً في أن تجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى ظل نظام دستوري وانتخابي وفق أهواء المعارضة وداعميها الدوليين والإقليميين.

ولكن عدم توافر مرونة كافية لدى المعارضة ورفض الدولة السورية للإملاءات الخارجية وإصرارها على تطبيق الإرادة السورية بحرفيتها وعدم التدخل بشؤونها الداخلية وجعل الحوار سورياً – سورياً، جعل التعديل الدستوري المرغوب فيه من قبل أطراف المعارضة وداعميها بعيد المنال إلى جانب ما حققته الدولة السورية من انتصارات على الأرض، وهو ما جعلها تزداد تشدداً مما حال دون التوصل إلى اتفاق طوال اجتماعات اللجنة الدستورية، مع الاقتراب من عام 2021 الذى يحل~ فيه موعد الانتخابات الرئاسية السورية.

وتحققت الإرادة السورية مع الإعلان عن قرار إجراء الانتخابات الرئاسية فى 26 أيار 2021، وفتح باب الترشيح في الفترة من 19 إلى 28 نيسان. وقد توافد المرشحون على تقديم طلبات ترشيحهم والتى بلغ عددها 51 مرشحاً، وكان الرئيس بشار الأسد ترتيبه السادس في أولوية التقديم.

ويتعيّن على المرشح أن يحصل على تأييد 35 عضواً من أعضاء البرلمان على الأقل حتى يقبل ترشحه، وإجمالي أعضاء البرلمان 250 عضواً، ومنهم 167 عضواً من حزب البعث العربي الاشتراكي، و13 من الجبهة الوطنية التقدميّة، و70 عضواً مستقلاً. وقد حصل الرئيس بشار الأسد على تأييد 180 عضواً من إجمالي الأعضاء ويشترط أن يؤيد عضو البرلمان مرشحاً واحداً فقط. ويتضح من عدد النواب المؤيدين لترشيح الرئيس بشار الأسد، أنه سيكون في مقدمة المرشحين وأن لديه فرصة شبه مؤكدة بإعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات.

ويلاحظ أنّ الانتخابات الرئاسية السورية التي أجريت في عام 2014 تمّت فى ظلّ ظروف بالغة الصعوبة حيث كانت المنظمات الإرهابية والمنظمات المسلحة المدعومة من قوى إقليمية ودولية، تسيطر على أكثر من نصف الأراضي السورية، وكانت الأوضاع الاقتصادية سيئة والجيش السوري يواجه موقفاً بالغ الصعوبة فى مواجهة حرب استنزاف غير نظامية، ولم تكن روسيا قد تدخلت بعد عسكرياً لدعم الدولة السورية إلى جانب إيران والقوى الرديفة المتمثلة بحزب الله اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي والحشد الشعبي. وبالرغم من ذلك فقد حصل الرئيس بشار الأسد على 88% من إجمالي أصوات الناخبات والناخبين الذين تمكنوا من الإدلاء بأصواتهم في المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة.

أما هذه المرة فإنّ الانتخابات الرئاسية تجري فى ظل ظروف أفضل بكثير عن سابقتها، فقد تراجع موقف المعارضة ولم تعد بالقوة نفسها التي كانت عليها، بل باتت مشتتة ومتقاتلة مع بعضها البعض، كما استطاعت الدولة السورية استرداد السيطرة على معظم الأراضي السورية وإعادة الحياة إلى مدنها وقراها في تأكيد على الإرادة الشعبية بالحياة تحت كنف الدولة السورية.

وعلى صعيد الدول الإقليمية والعربية فقد شهدت تحولاً في المواقف تجاه الدولة السورية والموقف من الرئيس الأسد بدأت تلك المواقف بالتبدل والتغير مع زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى سورية عام 2017 تلاها فتح السفارة الإماراتيّة في دمشق عام 2018 من ثم السفارة البحرينية إلى الزيارة السعودية التي كشف عنها مؤخراً والدعوات العربية لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية..

أما على الصعيد الدولي فثمة عوامل أخرى لا شك في أن لها تأثيراً على الحرب المستمرة ضدّ سورية منذ عشر سنوات. ومن هذه العوامل المتغيرات الإقليمية والدولية وانتهاج الإدارة الأميركية الجديدة مداخل مختلفة لسياستها في المنطقة، حيث تبدو أنها تسعى لتسوية الأزمات في المنطقة ابتداء بالأزمة الليبية، والأزمة اليمنية، والمقاربة مع إيران من أجل التوصل إلى صيغة لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران وما سيكون لذلك من تداعيات إيجابية على موقف إيران في كل من الأزمة اليمنية والأزمة السورية. هذا إلى جانب حالة التوتر في العلاقات بين واشنطن وتركيا واختلاف موقفهما من مطالب الأكراد السوريين.

وفي ردود الأفعال الدولية حول التطورات الحاصلة في سورية عقد مجلس الأمن للأمم المتحدة اجتماعاً يوم 28 نيسان 2021 بحث خلاله التطورات السورية والانتخابات الرئاسية السورية، وقد تحدث مندوبو كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وأكدوا أنهم لن يعترفوا بنتائج الانتخابات الرئاسية السورية بزعم عدم مشروعيتها وهو ما صرف لأجله الكثير من خزائن الأموال والسلاح حتى لا تكون سورية دولة ذات سيادة فيما سقطت رهاناتهم عند أول استحقاق رئاسي خلال الحرب على سورية وهو يتوالى بالسقوط اليوم عند الاستحقاق الثاني الذي يؤكد خلاله السوريون على إرادتهم الحرة وتأكيدهم على مشروعية وشرعية قيادتهم ومؤسساتهم الدستورية.

أما الموقف الروسي فكان موقفاً مختلفاً عن نظرائه الغربيين سواء أثناء مناقشات مجلس الأمن، أو من خلال بيان أصدرته وزارة الخارجية الروسية، حيث دافعت عن شرعية الانتخابات الرئاسية السورية، فاعتبرتها تمثل شأناً داخلياً سورياً يتوافق بالكامل مع الدستور السوري لعام 2012 والقوانين المحلية، وأن هذا لا يتناقض بأي شكل من الأشكال مع قرار مجلس الأمن 2254 وغيره من القرارات الدولية التي تخدم سيادة سورية.

وبالتالي فإن التصريحات التي تنطلق من عدة عواصم كأنقرة التي أعلنت رفضها للانتخابات الرئاسية السورية وكأنها شأن تركي ومن دون أي حق تدخلت في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، في حين تمثل تصريحاتها جزءاً من حملة الضغط السياسي الواضح على سورية، ومحاولة جديدة للتدخل فى الشؤون الداخلية لسورية، إذ لا يحق لأحد أن يملي على السوريين والسوريات التوقيت والظروف الواجب توفرها لاختيار رئيس لدولتهم.

في حين غلب الصمت الرسمي على أغلبية العواصم العربية والتي اكتفت بالتغطية الإعلامية لمجريات الاستعداد للانتخابات الرئاسية السورية وآراء الأطراف السورية المختلفة بشأنها والقوى الإقليمية والدولية في صورة تقارير إخبارية في معظمها ما عدا قليل من التعليقات. كما تواترت أنباء عن اتصالات عديدة بين أنظمة عربية والدولة السورية بعد توقفها لسنوات.

وتحرص الدولة السورية والشعب السوري على اكتمال مسار الانتخابات الرئاسية من دون اعتبار لأية اعتراضات خارجية، طالما أن الشعب هو مصدر السلطات وهو مصدر القرار كما تتخذ الدولة السورية جميع الاحتياطات الأمنية لتأمين العملية الانتخابية من أية أعمال عنف أو إرهاب قدر الإمكان بما لا يؤثر على هذا المسار.

وتشير التوقعات إلى فوز الرئيس بشار الأسد فى هذه الانتخابات بدرجة عالية. وهو الأمر الذى يطرح بعض البدائل بالنسبة للأزمة السورية التي ناهزت العشر سنوات ومن هذه البدائل تراجع الأطراف الإقليمية والدولية الضالعة في الأزمة السورية عن مواقفها والتوجه نحو الدفع الإيجابي لتسوية الأزمة في إطار وحدة سورية وسيادتها وسلامة أراضيها، مع استمرار الدولة السورية بجميع مؤسساتها بالسير في اتجاه تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية توظف لصالح الشعب السوري والإرادة السورية.

وتلك الإرادة السورية اليوم تقول بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في وقتها وتترجم الأقوال لأفعال من دون أن تعير انتباهاً لما يدور حولها من خزعبلات تقول بعدم دستورية هذه الانتخابات فقد كشف زيف قائلها وسقط القناع عن مروّجها وسورية اليوم تنتخب وتنهي عشر سنوات عجافاً بإرادة  قالت وفعلت وصمدت وانتصرت ليخضرّ ربيعها وتبرعم أيامها وتجني ثمار ما زرعت من تجلّد وصبر بفرج النصر والحق المبين.

سورية تنتخب وهي محميّة بقدرة إلهيّة تجسّدت بثالوث الشعب والجيش والقيادة وهي اليوم تؤكد أنّها إعجاز لن يقدر المعتدي على فك طلاسيمه. فالحياة وقفة عزٍّ فقط وأبناؤها أثبتوا أنّ لهم في العزّ وقفات وأنهم للحياة أبناء وأنّ لسورية مصلحة تعلو على كل المصالح وأنّ عند سورية تنتهي كل غاية.. وهم اليوم يجسّدون إرادتهم وغايتهم ومصلحتهم بسيادة سورية واستقلالها وحريتها وإعلاء كلمتها على العالم أجمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى