أولى

الصيغة السياسيّة اللبنانيّة تبحث عن رأس!

} د.وفيق إبراهيم

الموضوع ليس بسيطاً على الإطلاق، فهناك صراع حاد بين قوى سياسية اساسية داخلية مدعومة من الخارج بشكل يوحي أن هناك رفضاً للادارة السياسية الداخلية، مقابل صعوبة في الانفراد بصيغة سياسية وحيدة.

وهذا يؤدي الى هذا التدهور الخطير الذي أطاح السلطة السياسية اللبنانية وما تنتجه من مياه وكهرباء وأمن واقتصاد، كل شيء تقريباً حتى أصبحت البلاد خراباً لا تلوي على شيء وتترقّب مَن يقذفها في الهاوية السحيقة.

وهذا يبدو في صراعات سياسيّة واقتصاديّة بين الأميركيين والسعوديين وحزب الله والتيار الوطني الحر وحزب القوات وحزب المستقبل يعبرون عن واقع تطوّر الصيغة اللبنانيّة وقوى الإسناد الخارجيّة لها.

وهذا سببه ازدياد أهمية لبنان في الإقليم بسبب الدور الذي يؤديه حزب الله، فهناك قوى خارجية تريد القضاء عليه وهم الأميركيون والفرنسيون والسعوديون بشكل أساسي ومعهم حزب القوات وتنظيم المستقبل.

وهناك قلة من قوى السياسة في سورية وإيران وبعض أحزاب لبنان من المؤيدين للحزب بضراوة وتدخل روسيا تدريجياً على خط المؤيدين، ما يجعل المشهد حامياً جداً. وهذا يتمظهر بالشكل المحزن الذي عليه لبنان من استعداد لانهيار كبير للكيان السياسي من دون مقاومة فعليّة لا من الداخل ولا من الخارج.

لا بدّ من الإشارة الى ان لبنان ومنذ تأسيسه في العشرينيات شكلت الكنيسة المارونية القوة السياسية الأساسية فيه، ورعت انتقال السلطة فيه من سياسي ماروني الى آخر بهيمنة كاملة، وكانت تتصرّف وكأن لبنان ملك صرف لها تنتقي قياداته بتصرف وحريات واسعة بالتعاون مع الهيمنة الفرنسية الكاملة.

وظلّ الوضع على هذا النحو حتى تاريخ الصعود الأميركي من جهة والناصرية من جهة ثانية، فاحتمت معادلة بكركي – فرنسا بالأميركيين ما أدى الى ان حماية لبنان. فأصبحت من بكركي الكنيسة المارونية في الداخل ومعها الأميركيون والفرنسيون في وقت واحد مقابل أدوار درزية وسنية وشيعية تحتمي بمصر (صائب سلام – كمال جنبلاط). هذا التطور البسيط ارتقى مع الدور الفلسطيني في لبنان الذي أتاح للقوى السياسية الإسلامية التهام قسم من السياسة الداخلية (الطائف) وأفقاً نحو صراعات سياسية داخلية وخارجية جعلت لبنان ساحة كبيرة لصراعات الإقليم، خصوصاً مع نجاح حزب الله بتشكيل مقاومة شديدة النجاح.

منذ الطائف وحتى اليوم هو تاريخ صراعات بين قوى خارجيّة على مواضيع إقليمية، كما انه قسم من صراعات داخلية على الصيغة، فأصبح الموارنة والسنة والشيعة على قدر من المساواة تجيز بدء الصراعات الداخلية العميقة، لكن الخلل انفجر عندما بدأت قوى الخارج بتأمين حمايات لقواها المذهبية في الداخل أميركا وفرنسا (رؤساء الجمهوريات) نبيه بري (إيران) ورؤساء الحكومات (السعودية) وأميركا وفرنسا.

وكان أي خلل في هذه المعادلة يؤدي الى توتر داخلي خطير حتى بدا وكأن الخارج السياسي من القوى الساحقة الماحقة التي تفرض القوى الداخلية اللبنانية شرط الانحناء أمامها ونصب علاقات دائمة معها حتى تتمسّك بمواقفها، فمن يتصوّر أن إيران ليست موافقة على نبيه بري رئيساً دائماً للمجلس النيابي مقابل تأييد بري الدائم للتغطية السياسية الداخلية لحزب الله. أليست تجربة سعد الحريري ماثلة للأعين، فحين رفضه الدعم السياسي السعودي لم يتمكّن من تشكيل حكومة لبنانية وهو الذي يسيطر على عديد نواب أمّنه له حزب الله وحركة أمل أكثر من المطلوب.

إذا كانت هذه المعادلة الخارجية هي السارية المفعول، فلماذا تصاب بعطل حالي في محركاتها اللبنانية؟

الإجابة واضحة وتتعلق بصراعات القوى الخارجية المتولاة شؤون لبنان، فالأميركيون والفرنسيون والسعوديون توصلوا الى قناعة راسخة مفادها أن أي قوة يختارونها لرئاسة الجمهورية والحكومة لن تكون أقوى من حزب الله، ولن تتمكن من ممارسة سلطات في الداخل اللبناني إلا بموافقته المسبقة.

فيتبين على الفور أن الحزب مشاكس للقوى الثلاثية الأميركية الفرنسية السعودية في الإقليم ومعرقل لدورها في حماية «اسرائيل» ودعم التحالف الخليجي الاسرائيلي.

كما أنه يهمش أدوارها وأدوار حلفائها اللبنانيين في الداخل اللبناني، لذلك يجب الانتهاء منه لإراحة وضع التحالف الثلاثي وحركته الإسرائيلية، وتزداد القوى اللبنانية المؤيدة لهم إمساكاً بلبنان، فهل ينجحون؟ الحزب منتبه لحركتهم ويعمل مع تحالفاته على تعطيل الإلغام بعقل وتبصّر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى