أولى

عروبة نصر أكتوبر (تشرين) 1973… وقمة التضامن العربي

 د. جمال زهران

لا شك أنّ حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، هي الحرب التي تمثل النقطة البيضاء التي محت سواد نكسة يونيو (حزيران) 1967، عبر حرب استنزاف استمرت ثلاث سنوات (1967 – 1970). فقد تحقق الانتصار العربي في هذه الحرب على الجبهتين المصرية والسورية في آن واحد.

فعلى الجبهة السورية، تمّ تحرير القنيطرة ورفع فيها العلم السوري، وتحرير جبل الشيخ وهما تحت السيطرة السورية حتى الآن. وعلى الجبهة المصرية فقد تحقق عبور قناة السويس كأكبر مانع مائي في التاريخ العسكري، وتم تحطيم خط بارليف الحصين، وهو أكبر خط دفاعي بعد خط «ماجينو» الفرنسي، وتم استخدام ماكينات ضغط المياه التي انطلقت لتدمير الساتر الرملي أمام الخط الدفاعي الصهيوني، وفتح ثغرات (فتحات) في الساتر الترابي لاقتحام خط بارليف وتدميره، فضلاً عن وضع خطة خداع استراتيجية، لم يستطع العدو الصهيوني اكتشافها أو فهم ما يحدث. تلك الخطة التي تدرّس في الأكاديميات العسكرية العالمية وأصبحت مرجعية في إعداد خطط الحروب والخداع الاستراتيجي.

ولذلك فإنّ إعلام الصهاينة، وزعماء الصهاينة، دائماً ما يقولون: لقد فاجأنا الجيش المصري! وكأنهم يريدون القول بأنه كان من الواجب أن نبلغهم أو نستأذنهم لإعلان الحرب! وتناسوا أنّ الحرب أساساً هي خدعة!! فالإنجاز العسكري على الجبهتين المصرية والسورية، كبير ومتميّز، أطاح بكلّ ما كان العدو يصوّره بأنه الدولة أو القوة التي لا تقهر!! ويكفي للتدليل على ذلك، بأنّ العدو الصهيوني كان يصدر صورة، أنّ عبور قناة السويس مستحيل، فقد وضع مواسير متصلة بخزانات النابالم الحارقة، تفتح صنابيرها عند بدء أي عبور لقناة السويس، وأن خسائر العبور الأولية بحسب تقديرهم هي قتل 10 آلاف جندي مصري)! والذي حدث في الواقع، أن خطة مصر العسكرية في هذا الصدد، على مستويين، هما، الأول: عبور قوات خاصة للعمل خلف العدو، لغلق صنابير مواسير النابالم، بالتالي شلّ حركتها، مع حراستها حتى إتمام العبور المصري للقناة بأمان. والثاني: تشغيل ماكينات ضخ المياه لفتح الثغرات في الساتر الرملي لتمكين القوات التي تعبر القناة من الدخول لسيناء والتقدّم بحسب الخطة الموضوعة. وهو الأمر الذي نجح نجاحاً ساحقاً. ولتأكيد هذا النجاح، أن ما كان مأمولاً ومقدّراً لدى الصهاينة بأنّ العبور يكلف الجيش المصري 10 آلاف قتيل (شهيد)، إلا أن الواقع الفعلي أنّ شهداء العبور، لم يتخط عددهم الـ 250 شهيداً. وقد تمّ العبور بنجاح منقطع النظير.

وفي الوقت الذي تمّ فيه رفع العلم المصري على أرض سيناء بعد العبور، في نفس الوقت الذي تم فيه رفع العلم السوري على أرض جبل الشيخ بعد تحرير القنيطرة. ولو سارت الأمور طبقاً لما هو مخطط لتحررت سيناء كاملة وعلى الأقلّ حتى المضايق، وكذلك تحرر الجولان كاملاً. وهو تأكيد لمقولة عبد الناصر، «ما أخذ بالقوة لا يُستردّ بغير القوة»، تلك هي الحقيقة التي يحاول أهل كامب ديفيد والانبطاحيون محوها، تأكيداً للتبعية وحباً في المشروع الأميركي الصهيوني، الذي كان من نتاجه خروج مصر من معادلة القوة، وترك سورية وحيدة تقاوم. وللتذكر، فإنّ ما حدث على الجبهة المصرية، من اختراق الجيش الصهيوني ـ بفعل فاعل ـ عبر «ثغرة الدفرسوار»، فقد حدث ذات الاختراق على الجبهة السورية عبر ثغرة «عسعس»! الأمر الذي يؤكد الاضطراب في إدارة المعركة نتيجة عدم رغبة السادات بعد إتمام العبور بنجاح، في الاستمرار في الحرب وفتح القنوات الدبلوماسية مع أميركا، من دون التشاور مع سورية! ومن المعروف أيضاً وهو دقيق للغاية، أن موعد الحرب في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، في تمام الساعة (2.05) ظهراً، لم يكن يعرفه إلا ثلاثة من القادة هم السادات ـ حافظ الأسد ـ ياسر عرفات)، إلا أنّ التخطيط المشترك لم يستمرّ بكلّ أسف!

أما عن عروبة الحرب والنصر في أكتوبر ـ يمكن القول: إنّ الحرب في أكتوبر (تشرين) 1973، لم تكن مجرد مصرية/ سورية، إلا من حيث النواحي العسكرية والاستعداد وتحديد موعد البداية، بينما كانت الحرب عربية بشكل كامل، بل إن قمة التضامن العربي تبلورت في حرب عربية شاملة ضد الكيان الصهيوني ومن يساندها. حيث تمت تعبئة كل ما هو متاح من الموارد، في خدمة الحرب التي بادرت بها مصر وسورية في تنسيق عسكري غير مسبوق.

فقد شاركت غالبية الدول العربية بقوات عسكرية مقاتلة في الجبهة الشمالية (سورية)، وكذلك في الجبهة الجنوبية (مصر): فقد تم رصد اشتراك قوات عراقية ولبنانية وأردنية على الجبهة السورية، بينما اشتركت قوات من السودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب واليمن وبعض الدول الخليجية وبشكل محدود.

وتمّ رصد مساعدات جزائرية وليبية تمثلت في دفع قيمة معدات عسكرية (دبابات وغيرها) فوراً، وتسليمها للقيادة العسكرية أثناء الحرب، حيث تم شراؤها من الاتحاد السوفياتي فوراً. فقد كان هواري بومدين ومعمر القذافي (رئيسا الجزائر وليبيا)، خير داعمين لمصر أساساً بشكل واضح ومباشر للجوار الجغرافي، وكذلك سورية.

فضلاً عن التوظيف السياسي لسلاح البترول، الذي بدأت فكرته من الجزائر، ثم أيدتها الإمارات واضطرت السعودية إلى التأييد خجلاً، ثم بقية دول الخليج، وهو الأمر الذي كان له الأثر البالغ في تحويل الرأي العام العالمي لتأييد ودعم القضية الفلسطينية واسترداد الحقوق العربية وجلاء الكيان الصهيوني عن الأراضي المحتلة في يونيو 1967. ولهذا السلاح قصة مفصلة، سبق أن كتبت عنه من قبل.

وختاماً أريد أن أقول إنّ حرب أكتوبر والنصر الذي حققته، لم يكن مصرياً/ سورياً، فحسب، بل كان عروبياً من المحيط إلى الخليج، بل مثل قمة التضامن العربي في لحظة تاريخية غير مسبوقة. ولكن هذا التضامن بدأ يتراجع بتراجع مصر عن الدور القيادي، وبفك عرى التنسيق مع الجبهة الشمالية (سورية)! ولهذا الأمر أحاديث أخرى مقبلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى