أولى

مازوت المقاومة

كشف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن تحمل المقاومة مبلغ عشرة ملايين دولار أميركي كبدل لدعم كميات المازوت التي تم توفيرها عبر سفن كسر الحصار، لمدة شهرين، سواء بصيغة هبات لمستشفيات ودور عجزة وأيتام وسواها من المؤسسات الإنسانية، أو ما تم بيعه دون سعر الكلفة للأفران ومولدات توزيع الكهرباء وسواها من المؤسسات التجارية المرتبطة ببيع سلع حيوية للناس وللفقراء منهم خصوصاً.

هذه التجربة التي ستتواصل بشكل جديد مع تأمين المازوت المدعوم للمنازل الواقعة على ارتفاع 500 متر وما فوق في مواجهة فصل الشتاء، تقول أشياء جديدة وغير مسبوقة في العمل السياسي في لبنان.

نسمع يومياً عن دول غنية وكبرى تقدم هبات بآلاف الدولارات لا بملايينها تقدم للجيش أو مؤسسات لها صلة بحياة الناس ويباهي أصحابها ويقومون بتصوير الإعلانات وتدبيج الخطابات ويتلقون الثناء والشكر، بينما نحن هنا أمام مبالغ ضخمة بالقياس لما نرى ونسمع يقدمها حزب واحد من دون أن يقدم لنا مشهد التباهي ولا محاولة استخدام الناس المستفيدة كأدوات للإعلان السياسي، ولا تحويل منصة المساهمة والمساعدة إلى منبر للدعاية، فلم يسمع اللبنانيون إلا مرة واحدة بهذا الرقم من خلال كلمة السيد نصرالله، ولولا كشفه عنه لبقي الأمر طي الكتمان.

الأمر لا يعود إلى حجم إمكانات حزب الله الكبيرة بالقياس لسواه، فالأحزاب الكبرى بلا استثناء وجمعيات المجتمع المدني تلقت بالتوازي مئات ملايين الدولارات، بل مليارات الدولارات، المخصصة لخدمة الناس، كما صرح السعوديون وكما صرح الأميركيون، كل عما دفعه منفرداً، بينما أنفق حزب الله من الأموال المخصصة لمقاومته، لكن اللبنانيين لم يشهدوا معالجة لملف واحد كملف المازوت الذي تعامل معه حزب الله، ولو تضامن منافسو حزب الله  كأحزاب وجمعيات مجتمع مدني لحل ملف الدواء مثلاً لشهدنا له حلولاً نوعية يراها الناس ويحسون بها، وكل كلفة دعم الدواء لا تزيد على ثلاثين مليون دولار شهرياً، وليحتلفوا بالانجاز، ويبدو أنه لهذا بقي حديث هؤلاء الخصوم للحزب عن الإنفاق على الشأن الإنساني محاطاً بالغموض لأن أصحابه كما قال الممولون استولوا على الأموال لحساباتهم كأشخاص ولم ينفقوا منها إلا النزر اليسير.

ما فعله حزب الله جديد أيضاً لجهة تجربة الأحزاب مع منطق المساعدات الإنسانية لجهة تعميم الفائدة بصورة عابرة للطوائف والمناطق، علماً أن بين منافسيه وخصومه أحزاباً وجميعات يقدمون أنفسهم بتركيبة متعددة طائفياً، بخلاف الحزب الذي يقوم على عقيدة دينية وينحصر بنيانه التنظيمي في بيئة واحدة، فقد وضع الحزب معايير لتحديد شرائح المستفيدين والتزمها بمعزل عن الهوية المناطقية والطائفية والحزبية.

يستحق حزب الله التحية والتشجيع والإكبار على نشر هذه الروحية في العمل السياسي ورفع سقف التحدي أمام الجميع، بمثل ما فعل في مقاومته للاحتلال ولاحقاً في مواجهته للإرهاب، وبالمثل تجب مساءلة الأحزاب والجمعيات عن ما تلقت من أموال وكيف أنفقتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى