الطريق إلى الدولة مدني…
جابر جابر
«الدين للحياة ولتشريف الحياة وليست الحياة للدين وتشريف الدين».
على شفير المفارقات لا تتواءم التراتيل والصلوات، إذ لا تهمّ التلاوات تجويداً أو ركوعاً سجوداً أو ابتهالاً…
لا تهمّ الجبب والطقوس،
لا يهمّ البخور والمناولات، إذ في صلب كلّ ذرّة من أنفاس إما يتجسّدُ الحقّ اكتمالاً والخير يقيناً والجمال ابتهالاً أو أن ينوء الحقّ ليستحيل رداء لا أكثر يختبئ وراءه الزيف فيقلّ الخير ويذوي…
أخبرني بين الكاهن الذي عرّفَه، وبين من باع القضية بالفضة؟
الأول شهد على اغتيال أنطون سعادة،
إستمع إليه، عَرَفه وعرّفه،
وعلم أنّ الباطل إعدام أمل أمّة للنهوض من ذلّها إلى عزّها، فتمنى لو خبّأه في جبّته في إنجيله،
فمَن أَعلى شعار الحقّ إيماناً ويقيناً يعرف أنّ الحق جهاراً،
عزّ مواطن وعزّ أرض يحفظ له كرامة الحياة.
والأخير… متآمر ليس إلّا،
أبت قروش الذلّ إلا أن تكشف أن الجبّة وشاح،
تغتني بالقيمة التي يمثلها مرتديها، وتعرّيه في غياب القيمة.
المشكلة في حقيقتها هي التي أشار إليها أنطون سعادة، ودعا لاعتمادها لننجو بالوطن والأمة وننهض،
ألا وهي:
«فصل الدين عن الدولة»
تطالعك المراجع الدينية دوماً، واليوم الكنيسة، بفتوى الاعتراض على تطبيق القانون اللبناني على أحد كهنة الكنيسة إلا بعد مراجعة الكنيسة…
ويرفض راعيها التعرّض للكاهن واستجوابه ومصادرة أمواله والمساعدات التي نقلها من الأراضي المحتلة، مشيراً إلى الأراضي المحتلة بـ «دولة إسرائيل!»
مضيفاً أنّ العمل الكنسي الديني يهتمّ بالإنسان والدين والأسرة والمجتمع والدولة،
وأنّ الخيار الذي يحث الدولة على اعتماده هو الحياد الإيجابي واللامركزية…
ويتحدث عن قيامة لبنان، أيّ قيامة تلك التي تتحكم الطوائف فيها ببراثنها؟
وتفصّل فيها الطوائف قوانين متلائمة تغض فيها الطرف حيناً، وتستفحل في التجييش أحياناً بشكل يلائم رأي الطائفة بشعار الدّين وأبناء الطائفة «إنْ لاءمت أهواءهم المصلحية الكبرى للمرجعية الطائفية وأهوائها وارتباطاتها!»
في الدول الناهضة قانون جلي يسري على كلّ المواطنين سواسية…
في الدول السيّدة سيادة القانون والدستور تحكم وتحدّد العدوّ من غير العدو، وتصنف العمالة من غير العمالة.
في الدول السيّدة لا يتجرأ مرجع مهما علا شأنه سياسياً أو دينياً أو غيره أن يخالف مسلمات دستور البلاد، إذ بغير ذلك يصبح الدستور والقانون وجهة نظر ليس إلا…
في الدول الناهضة لا تقيم المراجع الدينية تجييشاً وتحريضاً لرعاياها ضدّ أجهزة الدولة في مواضيع بالغة الوضوح،
وتقرّر وتمنع وتملي على الدولة ما تفعل!
هذا وأكثر يكون في الدول الناهضة، لا في دول المزارع الطوائفية المتناحرة…
شتّان بين الدين والطوائف،
فما نراه مجرّد استغلال الدين في خدمة فتاوى الطائفة،
فتعلو مصلحة الطائفة على مصلحة الوطن، وتتسلل مرجعيات الطوائف من إقليمية ودولية لتملي مطالبها، لتصبح البلاد ساحاً لعراك الخارج،
فيما رعاة الطوائف في الداخل يلبّون ويذعنون ويخالفون ويتراشقون ويتقاتلون باسم «الدين»!
لا خلاص للبنان إلا بالذهاب إلى الدولة المدنية،
دولة القانون والمؤسّسات، حيث كلّ اللبنانيين سواسية أمام قانون يحميهم وينهيهم ويعاقبهم.
أما الدين فتبقى تلك المساحة التي يسلّم فيها المرء لخالقه بالطريقة التي يشاء والكتاب الذي يشاء فيمارس طقوسه الرّوحية اذ يكفل له القانون ذلك، أما الدولة فلا شأن للدّين ورجال الدّين بها على الإطلاق.
طريق النهوض واضحة، وطريق المزارع واضحة،
ما نحن فيه اليوم نتيجة حكم المزارع…
فانهضوا باتجاه الدولة المدنية القانونية، السيّدة بكلّ معنى الكلمة…