أخيرة

دبوس

لبنان يا أخضر حلو

 

يعلم تماماً هؤلاء المساكين أنّ فرصتهم للعبور متضائلة، فمركب لا تتجاوز طاقته الثلاثين شخصاً يُحشر فيه ثلاثة أو أربعة أضعاف ما يمكنه حمله ليمخر عباب واحد من أكبر البحار في العالم هو ضرب من المغامرة، والخطر يكاد يكون فادحاً، ولكنهم يتقمّصون المجازفة، ويركبون المخاطرة لعلّ وعسى

فالألم والتهاوي والانحدار وضيق ذات اليد والعوَز وشحّ كلّ شيء جعل من الحياة جحيماً لا يُطاق، وأصبحت المغادرة الى موطئ آخر يلعقون فيه شيئاً من الكرامة وراحة البال والطمأنينة على ما هو آتٍ من الأيام، وإلا فلتكن المغادرة الى عليائه فنريح ونرتاح، ونقع إلى رحمة الله حيث العدالة المطلقة وحيث الأمر برمّته بيد الله

كفى بك داءً أن ترى الموت راحة

وحسب المنايا ان يكنّ أمانيا

لبنان الذي كان أيقونة الشرق الأوسط، بجبله وبشواطئه، وبسهوله، وبدماثة أهله وأريحيتهم، تعابثت به يد صانعي الظلام وأذنابهم في الداخل، ليحيلوا نهاره إلى ليل، وليحيلوا فرحه الى أحزان، وليحيلوا ثراءه الى فاقة، لمجرد أنه صرخ ذات مرة بأنّ الظلم يجب أن يتوقف، وبأنّ الحق يجب ان يُعاد الى أصحابه، وبأنّ أولئك الذين انتزعت منهم الأرض وكتب عليهم التشرّد واللجوء والعنت، يجب ان يعودوا الى ديارهم، ويجب ان يُعاد الحق الى أصحاب الحق، ويجب أن يُزهق الباطل ويستتبّ العدل

عوقب لبنان الحب والحياة، بأن قام الوحش وأزلامه في الداخل بزرع الكراهية والموت في كلّ أركانه، وعبثت يد الشر في لقمة عيش الناس وفي حبة دوائهم وفي كلّ مقومات الحياة، فأحالت نهارهم الى ظلام، وجعلت فرحهم تعاسة، وحوّلت يسرهم الى عسر، فطفق الناس يلتقطون أية سانحة للخلاص، ولو كان ذلك محفوفاً بكلّ أنواع الخطر، وكلّ صنوف المعاناة، تلك هي الحال في لبنان المقاومة

سميح التايه

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى