أولى

متى يحين دور البلد؟

بشارة مرهج *
كما يبدو، أقله حتى الآن، فإنّ الصراع على السلطة بين القوى السياسية ـ المُشكِّلة لمجلس النواب ـ هو أهمّ من ملء الشغور الرئاسي، وتشكيل حكومة جديدة، ومتابعة الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة. مع التأكيد بأنّ هذه الإصلاحات التي لا بديل منها للخروج من المأزق الذي يطحن الأفراد والعائلات اللبنانية، هي شرط لبنان على نفسه ومؤسّساته قبل أن تكون طلبات متكرّرة من الهيئات الدولية والعربية التي تربط ما بين الإصلاحات والانفتاح على لبنان، على اعتبار أنّ أحداً ليس مستعداً للتسليف أو الاستثمار إلا إذا كان متأكداً من أنّ البلاد تخضع لحكم الدستور والقانون ليضمن سلامة أمواله خاصة في هذه المرحلة التي تتسم بتفشي الأزمات الاقتصادية في العالم وعجز العديد من الدول والمؤسسات المانحة عن تقديم الهبات والمساعدات دونما مقابل كما كان يجري في السابق.
ومن هنا فإنّ التأخير في إعادة انتظام السلطة ليس مسألة سياسية فحسب، وإنما هو مسألة اقتصادية أيضاً تتجلى انعكاساتها في شلّ الاقتصاد والإدارة والقضاء مع ما يعنيه ذلك من عرقلة لعملية الإنتاج وانتفاء الثقة بالمسؤول اللبناني الذي يماطل ويتحايل ويتعهّد ولا يفي.
وفي ظلّ هذا الاحتدام السياسي يتخطى الدولار الأميركي عتبة الـ 42 الف ل.ل. في الأسواق اللبنانية، وتنعدم الخدمات، وتطوف المياه الآسنة في الطرقات، وتتراكم النفايات، وتتعطل مصالح الناس حيث العديد من المؤسسات مقفلة أو مضربة بوجه من يريد أن يدفع ما عليه إلى صناديق الدولة، دون أن تجد حكومة تصريف الأعمال وقتاً لبحث هذه الأمور وسواها بجدية وتعمّق نسبة لما تقتضيه الأحوال من استنفار ومبادرة.
ومقابل هذا الشلل الحكومي والقضائي يهتزّ حبل الأمن في أكثر من منطقة وتتكاثر الجرائم المشهودة وينتشر التطرف ويمعن أهل الحظوة والاحتكار، داخل السلطة وخارجها، في استنزاف الاحتياطي الإلزامي ورفع الرسوم والضرائب ومضاعفة الأسعار غير عابئين بصحة المواطن وحقوقه وقدرته على الدفع بعد أن صودرت أمواله بالهندسات المالية المضادة التي «أبتكرها» البنك المركزي من خلال تعاميمه الفوقية ومنصاته التمييزية وقراراته الهمايونية التي تصبّ لصالح الشبكة الحاكمة الواسعة التي ينتمي إليها والتي تشاركه نظرته السلبية إلى القوانين الإصلاحية التي يبحثها مجلس النواب، فضلاً عن التدقيق الجنائي المحاسبي الذي يُحاصر ويُعطل بألف وسيلة ووسيلة لتغطية المخالفات التي يضجّ بها ملف البنك المركزي والقطاع المصرفي عموماً، حتى لا ننسى لجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة الواقعين، كما المجلس المركزي، تحت سلطة الحاكم كأمر واقع لا تناقشه الحكومة ولا يبحث فيه مجلس النواب، خاصة لجنة المال والموازنة العامة التي تتباهى بأنها تؤدي أعمالها في الدائرة التي رسمتها لنفسها، في حين تجري كلّ الأعمال المهمة خارج هذه الدائرة دون رقابة قانونية، وفي حين يرفض الحاكم بأمره تلبية دعواتها المتكرّرة له لحضور جلساتها والردّ على أسئلتها بما يطعن في الصميم جوهر العمل النيابي وسلطة المجلس النيابي الذي يستدعي الوزراء والحكومة للمساءلة والمحاسبة وصولاً الى نزع الثقة عنهم وعنها.
إنّ القوى الحريصة على استمرارية الدولة وإنقاذها وتطوير مؤسّساتها المتهالكة مدعوة اليوم للسعي الجدي لمعالجة الأزمة السياسية المتفاقمة قبل أن تتطاير شظاياها وتتحوّل الى استقطابات طائفية حادة شهد مثلها لبنان بالأمس وتضرّر منها حتى العظم دون أن تنجح في حلّ أيّ مشكلة إلا في تعريض لبنان وشعبه للخطر الشديد.
لقد وصلتنا الرسالة بأنّ لكلّ طائفة حقوقاً ينبغي المحافظة عليها وفاقاً لنظام الحصص الذي ابتدعه المتسلطون على «الطائف»، ولكن للمرء أن يتساءل في خضمّ الأزمة التي تهجّر اللبنانيين وتذيقهم مرارة الجوع والعذاب أين حقوق لبنان وأين حقوق دولته التي تنتظر اندفاع البعض لإنقاذها كما يندفعون لإنقاذ مصالحهم الفئوية والشخصية؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى