أولى

القيَم الإنسانية والعولمة (4)

‭}‬ مأمون ملاعب
يتميّز الإنسان بعقله وبطبيعة وجوده الاجتماعي الذي أوجد الحضارات الإنسانية. المجتمع له خصائصه ومميزاته وشروط استمراره، هو ليس عشوائياً بل نتيجة تنسيق بين عناصره وبيئته، وأهمّ حاجته القيم التي يحملها والنظام الذي يحكمه، حتى القبيلة وفي عصر التخلّف لها قيَمها ونظامها. بعض القيم تمتدّ إلى كلّ المجتمعات وبعضها يبقى ميزة خاصة في كل منها. المجتمع القوي يصنع دولته ويقدّم للإنسانية ثقافته وقيمه ويحاول أحياناً فرضها بينما يتلقى المجتمع الضعيف ثقافات الآخرين دون أن يعني ذلك إلغاء ثقافته أو قيَمه.
لا يمكن أن تكون في العالم قيم جامعة موحّدة إلا في الحدّ الأدنى نظرياً. اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/1948 على أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم وينص على الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية الأساسية التي ينبغي أن يتمتع بها جميع البشر. ليست العبرة في ما كتب أو قيل.
العبرة في كيف تنفذ! هل الدول صاحبة الإعلان ملتزمة به داخلياً على الأقلّ ومن ثم خارجياً؟ هل تملك الأمم المتحدة سلطة تسمح لها بفرض قراراتها؟ بل هل لديها أيّ صلاحيات فعلية؟
كيف للشعب الفلسطيني المهجّر من وطنه والموزع شتاتاً أن يحصل على حقوقه المنصوص عنها في الإعلان؟ مَن هي الجهة المسؤولة عن تأمين تلك الحقوق؟ الأمم المتحدة نفسها اعترفت بدولة «إسرائيل» مما يعني أنها تنكّرت لحقوق الشعب الفلسطيني بل قامت بعدوان عليه وتنكّرت لإعلانها.
المفارقة أنّ الاتحاد السوفياتي كان أوّل المعترفين بدولة قامت على اغتصاب أرض شعب ظلمته القوى الكبرى المنتصرة في الحربين العالميتين.
حالات الاستعمار المتعدّدة من قبل الغرب عموماً جعلت حركات التحرر والتغيير المضادة تتخذ اليسار الاشتراكي فكانت مرحلة الستينيات والسبعينيات عصره الذهبي.
فلسطين وحدها لم تصنّف أرضاً محتلة لا من اليمين ولا من اليسار. الولايات المتحدة رعت ودعمت وموّلت وسلحت العدو «الإسرائيلي»، فمن الطبيعي أن تلجأ كلّ من مصر وسورية إلى الاتحاد السوفياتي الذي لم يؤمّن التوازن الاستراتيجي يوماً. و»إسرائيل» لم تنضمّ إلى الحلف الأطلسي رغم كلّ الدعم الغربي! بقيت صديقة المعسكرين. حقّ تقرير المصير لا ينطبق على الشعب الفلسطيني، ينطبق على البلقان من أجل تقسيم يوغوسلافيا. ينطبق على أكراد العراق. من أجل تقسيمه، وعلى أكراد سورية في محاولتهم للانفصال، فهل ينطبق على أكراد تركيا؟ ربما في حال خرجت تركيا من الأطلسي إلى جهة مضادة.
ما أن تفكّك الاتحاد السوفياتي حتى كشرت الولايات المتحدة عن أنيابها في محاولة قضم دول حلف وارسو بل جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. فهل كلّ ذلك بغاية نشر الديمقراطية والليبرالية؟
لا يمكن النعاج أن تقيم معاهدة صداقة مع الذئاب مهما رفعت من شعارات السلام والصداقة. لأن الذئاب لا ترتدع إلا خوفاً من الأقوى.
لقد أدركت الجمهورية الإسلامية في إيران ذلك فعملت على تحصين نفسها بتراكم القوة. نفضت روسيا مع بوتين مسيرة الانحلال ووقفت تدافع عن وجودها بالقوة وعن استعادة دورها، والتحقت معها الصين بعدما أدركت أنّ القوة الاقتصادية وحدها لا تسمح لها بدور في معترك الأمم.
كان لا بدّ من المواجهة بدءاً من التحرر من الدولار مروراً بتحطيم المؤسسات الدولية المسيطر عليها أطلسياً مثل المحاكم الدولية. قال بوتين: ما قيمة العالم بدون روسيا. ومن حقّ أيّ شعب أن يتمثل بذلك.
صحيح أنّ الاتصالات والإنترنت والتقدّم التكنولوجي جعل الأرض قرية، وصحيح أنّ الشركات المتعددة الجنسيات عبرت الحواجز والحدود، لكن العولمة لم تلغِ القوميات ولم تغيّر القيَم ولا يوجد بين الدول إلا المصالح. الشعب الذي يتخلى عن مصلحته والذي لا يصارع من أجل حقوقه مصيره الإخفاق وربما الزوال..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى