أخيرة

دبوس

الأدوات…

لم تكد الحرب السوفياتية ضدّ “الجهاديين” في أفغانستان تضع أوزارها، ولم تمض هنيهات من الزمن على صمت قعقعة السلاح في كابل بين قوات موسكو التي عبرت الحدود شمالاً، وبين “مجاهدي” زبيغنيو بريزينسكي وبندر بن سلطان غب الطلب، والذين تمّ اصطناعهم لإلحاق الهزيمة بالجيش الأحمر، لم يكد يطرأ ذلك، حتى بدأت ماكينة الاستراتيجيا الأميركية في مبنى “سي أي آي” وملحقاتها في التخطيط للتخلص من هؤلاء المقاتلين الذين بذلوا الدم “في سبيل الله” ـ كما أوحي لهم ـ نيابة عن أصحاب الدم الأزرق، الذي لا يُبذل في سبيل أحد، ولا في سبيل أية قضية…
لقد كان المطلب الملحّ بعد أداء المهمة هو، التلاشي، الأنغلوساكسوني بطبيعته الجينية “مستعمِل” او “مستخدِم”، بالانجليزي User، يستعملك او يستخدمك لتحقيق أهداف بعينها، ثم حينما تنتهي هذه الحاجة، لسبب او لآخر، فإنه يريدك ساعتئذٍ ان تتلاشى!
هكذا تعامل مع أسامة بن لادن وقاعدته، فحينما احتاجه لتوجيه ضربة ضدّ الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، كان يقبّل عجيزته في الصباح وفي الظهيرة وفي المساء، ولمّا انقضى الأمر أصبح على بن لادن وقاعدته ان يتلاشيا، ولعلّ هذا هو السبب الأول الذي أفضى بـ ابن لادن لتوجيه تلك الضربة في 11 أيلول 2001…
هكذا يتعامل هذا الأنغلوساكسوني المفعم بالفلسفة النفعية الآنية مع أدواته، البارحة فقط ألقي بالفنزويلي غوايدو إلى مزبلة التاريخ، قبل ذلك كان الشاه، وكان حسني مبارك، ثم زين العابدين بن علي، “ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت سراباً” هكذا تمتم شاه إيران لزوجته فرح ديبا، والأسى يقطر من قلبه، بينما كانت طائرته تحوم فوق ميامي في سماء فلوريدا، انتظاراً لإذنٍ من الرئيس الأميركي للهبوط لمدة ساعتين للتزوّد بالوقود، ومن ثمّ المغادرة!
“اللي متغطّي بأميركا عريان”، هذا ما قاله حسني مبارك بمزيج من المرارة والشعور بالخذلان حينما أدرك انّ عليه ان يغادر، برغبة أميركية هذه المرة، هذا ما حدث لهذه الأدوات، وهي من العيار الثقيل، في مرحلة التحوّلات التاريخية التي تتلاحق الآن، والتحالفات المستجدة والاستدارات التي تترى تباعاً، أين تقف الأدوات ذات العيار الأخف، والتي ظنّت ببلاهة انّ الأمر قد استتبّ لها، اين يقف الآن “الحكيم” جعجع، والذي اعتقد انّ علاقته بالحكمة هي كمثل علاقتي باللغة الفييتنامية، اين يقف؟ وكيف يفكر أبو محمد الجولاني، ما الدور الذي ينتظر المجلس الرئاسي اليمني الموضوع بإرادة سعودية أميركية لعبور مرحلة معينة؟ ماذا سيفعل أيتام أميركا والسعودية من أمثال جنبلاط والسنيورة والجميّل وغيرهم كثر؟ ماذا ستفعل سلطة أوسلو وقد فقدت مبرّر وجودها؟ أين سيفضي الأمر بالبرهان ودقلو؟ نصيحة خالصة الى هذه الأدوات، تحسّسوا رؤوسكم كلّ صباح، فالمتغيّرات تتسارع…
سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى