أخيرة

أنقذوا فلسطين من معتقل غزّةَ – أريحا*

} الياس عشّي

كيف يمكنك أن تتخلى، هكذا وفجأة، عن أجمل ما تحمله الذاكرة من سنوات النضال؟

كيف يمكنك أن تدفن، هكذا وفجأة، كلّ الأحلام، وكلّ الحجارة، وكلّ فلسطين، وكلّ العيون والسواعد، في مِساحة جغرافية معتقلة بين غزّةَ وأريحا؟

بل كيف يمكنك أن تفسّر كلّ ما كتبناه، وما قلناه، وما قرأناه، وما سمعناه، على مدى (سبعين) عاماً من عمر «الملحمة الفلسطينية»؟

***

يمكنك أن تفهم كيف الأحلام تنمو، وتكبر، ويصير لها جناحان،

أمّا أن يصغر الحلم …

أن يموت الحلم …

أن تعيش بدون حلم …

أن يصادر الكبار أحلامك ويذبحوك على قارعة الطريق،

فهذا لا يمكن أن تفهمه أبداً !

***

وبين هذا وذاك أبقى ذلك الإنسان المتعلّق بأرضه، المتشبّث بمبادئه، اللاهث وراء الوطن، الساكن في ذاكرة الناس والأشياء،

وبين هذا وذاك أكبر، فيصبح لسنوات العمر طعمٌ، ويصبح للحبر الذي اغتسلت كلماتي به نكهةُ البراءة والبطولة والرسالة،

وبين هذا وذاك تغامر، وتقاتل، وقد تموت، ولكنك تبقى في ذاكرة التراب، والمطر، والعشب، وأشجار البرتقال، وكروم الزيتون، وكنيسة القيامة، والمسجد الأقصى.

***

الآن… وقد انتهى كلّ شيء،

وصارت فلسطينُ معتقلةً في غزّةَ وأريحا …

الآن… يجب أن نبدأ من جديد،

الآن… بدأ النضال !

 *نشر هذا المقال بتاريخ 11 تشرين الأوّل 1993، وصدر في كتاب «وطن للبيع… فمن يشتري؟» سنة 1994.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى