أولى

فات الأوان أيها المرتعبون من النزوح السوري!

‭}‬ د. عدنان منصور*
ليس هناك من استخفاف، وعدم مسؤولية، ولا مبالاة، تجاه قضايا وطنية وأمنية وسيادية حساسة وخطيرة للغاية، كالتي يمارسها قادة الحكم في لبنان، وهم يظنّون أنفسهم أنهم بارعون بالمراوغة، والمماطلة، والتسويف، وتقطيع الوقت.
منذ اندلاع الأحداث في سورية عام 2011، بدأنا نحذّر من مخاطر النزوح السوري الذي بدأ يتدفق على لبنان، نتيجة للأعمال الإرهابية التي تقوم بها المجموعات المسلحة ضدّ الدولة والنظام في سورية.
نزوح أراده بعض الحمقى المعادين، والحاقدين على سورية ورئيسها، أن يستغلوا هذا النزوح ويشجّعوه بوسائلهم الخاصة، وبإشارات وتوجيهات من الغرب، والذي يُصرّ اليوم على إبقاء النازحين في لبنان، وجعله مقرّ لجوء لأيّ نازح أتى من دولة تشهد نزاعات مسلحة.
لقد عمل هؤلاء الأغبياء نكاية بمصالح لبنان وأنفسهم، وهم يستثمرون النزوح، لتجييش المواقف، وصبّ الاتهامات على سورية ورئيسها، من خلال حملة سياسية، وإعلامية، ودبلوماسية مركّزة، تنال من سمعة النظام، وقيادته، وتشوّه صورته أمام العالم كله.
بهذا الأسلوب تعاطى حكام لبنان مع مشكلة النزوح السوري. أما اليوم وبعد أن وقعت الواقعة، أصبح الجميع غيارى يتباكون على الوطن، والكلّ يحذر، وينبّه من مخاطر النزوح!
هنا يُطرح السؤال: هل هذا النزوح حصل فجأة، أم أنه تراكم مع الأيام على مرأى من الجميع؟! ما الذي فعلته الحكومات المتعاقبة لوقف النزوح، والتنسيق مع سورية؟! بكلّ حماقة وغرور، وعدم مبالاة أدار معظم «المسؤولين» منذ بداية الأحداث ظهورهم لسورية، لأنهم ـ ونقولها بصراحة ـ كانوا على قناعة تامة بقرب سقوط النظام سريعاً، استناداً الى ما كانت تنقله لهم، وتروّجه علانية الدول الغربية المعادية لسورية، والتي كانت تعمل بكلّ قدراتها على تقويض النظام.
لقد ظنّ الانتهازيون، والذين كانوا يتسكّعون على أبواب دمشق لنيل بركتها، أنه بعد سقوط النظام السوري، سيقومون «بتسوية» أوضاعهم مع نظام جديد يغازلونه، ويتماشون مع مواقفه وسياساته.
لقد سقطت رهانات الكثيرين لجهة الإطاحة بالنظام واستبداله، منهم من رهن شاربه، ومنهم من رهن عقله، ومنهم من ظلّ بحماقته ينتظر، فيما بقيت الحكومات اللبنانية المتعاقبة وللأسف الشديد على مسافة من سورية، تتعامل معها بخفة وفتور، متجاهلة الاتفاقيات الثنائية الموقعة، والعلاقات والروابط التاريخية المتميّزة، وإنْ كانت تصريحات بعض المسؤولين الشكليّة تطلق من آن الى آخر، والتي لم يكن هدفها إلا ذرّ الرماد في العيون.
فجأة حرّك تدفق النزوح نخوة الحكومة وهاجس رئيسها! فهل توقف يوماً النزوح إلى لبنان منذ عام 2011 وحتى اللحظة؟! وما الذي كان يفعله المسؤولون لمواجهة هذه المشكلة التي يصفونها اليوم على أنها تهديد وجودي للبنان؟! هل من رئيس حكومة تولى الوزارة منذ عام 2011 كلّف نفسه القيام بزيارة رسمية، او زيارة مجاملة إلى سورية للبحث معها في المواضيع المهمة التي ترتبط بأمن واستقرار البلدين الشقيقين، والقضايا المشتركة، والمسائل التي تحتاج الى حلول بناءة سريعة؟! لماذا كلّ هذا الحقد والاستخفاف؟! أهكذا تعالج القضايا الحساسة بين الأشقاء، وبين الدول؟!
هل يجرؤ أحد من كبار المسؤولين الذين تولوا الحكم في لبنان منذ عام 2011، أن يقول لنا بكلّ شجاعة الرجال، وبكلّ صدق، الأسباب التي منعتهم من القيام بزيارة سورية ولقاء رئيسها، في الوقت الذي كانت أقدامهم السريعة تهرول لتطأ أراضي دول عديدة!
أيها السادة…
حتى اللحظة لم تتعلّموا الدرس جيداً. ما زلتم حتى الآن تعالجون مسألة النزوح بخجل، وبرفع العتب، لأنّ ضغوط دول غربية عليكم كبيرة، لإبقاء النازحين في لبنان، والوضع على حاله، وأنتم بكلّ تأكيد ليس في نيتكم او إمكانكم ان تغضبوا هذه الدول وتقولوا لها لا…! لأنكم تأخذون بالاعتبار غضبها عليكم، وسطوتها وعقوباتها الجاهزة من جهة، والحفاظ على مصالحكم الشخصية – وهي الأهم – من جهة أخرى. لذلك أنتم تعالجون مسألة النزوح مع سورية اليوم، من خلال وفد يرئسه وزير الخارجية!
ما الذي منع قادة الحكم في لبنان على مدى 12 عاماً من القيام بزيارة الى سورية، وهي الممرّ البري الإلزامي، والشريان الحيوي لصادرات لبنان إلى دول المنطقة؟!
الذين يصدحون ويتكلّمون اليوم عن الخطر الوجوديّ جراء النزوح، هم الذين كانوا يهاجمون سورية ورئيسها، و»يرحبون» بالنازحين، ليس حبّاً فيهم، وإنما لدعم مواقفهم من خلال تشهيرهم بالنظام السوري، إرضاء لتوجيهات وتعليمات دول غريبة معينة.
يا سادة الحكم!
سياساتكم الكيدية الحمقى، واستخفافكم بأمن واستقرار الوطن، ومستقبل شعبه، أوصلنا الى ذروة الحالة المتفجرة التي وصلنا اليها اليوم. إذ تعاطيتم منذ اليوم الأول مع مشكلة النزوح باستخفاف وعدم الجدية في اتخاذ القرارات. فغرق البلد ليس فقط بالنزوح السوريّ، وإنما أيضاً بعشرات آلاف المقيمين بصورة غير شرعية، يحملون جنسيات أجنبية مختلفة، جراء سياساتكم العقيمة، وإهمالكم، ومماطلتكم المتعمّدة وأنتم تتعاطون مع الوقائع والأحداث، ما أدّى الى فشلكم في إيجاد الحلول لمشاكل البلد المستعصية.
يا سادة الحكم!
مشكة النازحين لا تحلّ من خلال زيارة وزراء، إنما تحلّ من خلال الثقة والنيات الطيبة، والشفافية، والمسؤولية العالية، والجدية في معالجة الأمور الحساسة.
موضوع النازحين يجب أن يُعالَج على أعلى المستويات الرسمية في البلدين. وما دام لبنان المعني الأول بالأمر، وبما انّ مركز رئيس الجمهورية لا زال شاغراً، فعلى رئيس الحكومة – على الأقلّ – ان يأخذ المبادرة في أسرع وقت للقيام بزيارة رسمية الى دمشق لوضع خريطة طريق لعودة النازحين الى بلدهم، لأنّ وضع النازحين في لبنان بمثابة قنبلة موقوتة، قابلة للانفجار في أيّ وقت، وتشكل خطراً مباشراً على الأمن القومي والاستقرار لكلّ من سورية ولبنان.
لعلّ زيارة وزير الخارجية عبد الله ابو حبيب الرسمية، قد تفلح لإزالة الغبار الثقيل الذي حجب الرؤية عن عيون مسؤولينا لوقت ليس بقصير.
أمام عجز الدولة المستمر، وغياب الإجراءات الحاسمة حيال النزوح، وتخبّط مواقف المسؤولين،
وتقاعسهم، وعدم وجود آلية عملية لوقفه، نقول لهم بكلّ ألم: لقد فات الأوان. وما يواجهه لبنان اليوم من تهديد لوجوده، إنما كان بسببكم، ونتيجة سياساتكم، ورهاناتكم الحمقاء التي لم تفسح المجال للحلّ السليم. فالذي قضى على عملة وطن، وقوّض اقتصاده، ونهب شعبه، لن تضيره في العمق مشكلة النازحين. لذلك سيظلّ حكام لبنان يحذرون، ينذرون، يتناولون موضوع النازحين، بعد سنة، بعد عشر سنوات، بعد أمد طويل لا أحد يعلم مداه. لذلك نقول بكلّ أسف وألم كبيرين:
يا زعماء لبنان وحكامه! إذا كانت الحمية والنخوة قد دبّت فجأة فيكم اليوم لمعالجة مسألة النزوح، فإننا نقول لكم بكلّ مرارة وألم كبيرين: لقد فات الأوان!
إنّ مسألة النازحين خرجت عن إطارها المحلي، حيث كان تعاطيكم المشبوه معها، منذ البداية، العلة والسبب كي تأخذ في ما بعد، بعداً إقليمياً ودولياً.
الآن فقط تستيقظون، وتنبّهون، وتحذرون!
ليتكم تأخذون العبرة من الآخرين. عندما بدأت أفواج النازحين من فرنسا وألمانيا تدخل الى سويسرا هرباً من المعارك الدائرة أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد أن بدأت أعدادهم تشكل عبئاً ثقيلاً لا تستطيع سويسرا تحمّله، وتفادياً للأخطار، أقفلت سويسرا حدودها امام النازحين، مطلقة عبارة: «المركب الممتلئ بعدد ركابه».
أيها السادة! لقد امتلأ المركب اللبناني، أمام أعينكم بعدد ركابه من النازحين وفاض على الجميع منذ سنوات، وأنتم تتفرّجون، وتراهنون، وتقامرون، وتتبارون بالخطب والمواعظ، فيما لبنان يغرق بهدوء في المستنقع، أمام بصيرتكم العمياء الغائبة عما يجري على الساحة.
يا زعماء لبنان!
قولوا لنا، كيف ستعالجون خطر النزوح اليوم، وأنتم تستغيثون، وتطلقون الصيحة، وتحذرون من الخطر الذي يهدّد وجود لبنان؟! تريدون حلاً للنزوح؟ كيف ومتى؟ بعد أن فات الأوان، وأثبتم للعالم كله، أنه بسياساتكم الرعناء، لا تؤتمنون على سيادة وطن، ومصالح شعبه، ولا على أمنه القومي!

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى