أسابيع التفاوض فوق الصفيح الساخن
ناصر قنديل
لم يصدر عبثاً كلام وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن عن فرصة اتفاق حول غزة، في تقييم أصدره بعد لقائه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو كان مخصصاً للبحث في نص الرد الذي أعدّته حركة حماس على مسودة مشروع صفقة الهدنة وتبادل الأسرى التي أقرّت في اجتماع باريس لقادة مخابرات أميركا ومصر وقطر و»إسرائيل». وبلينكن لا يحتاج إلى إعلان لإثبات أنه يفاوض بالنيابة عن حكومة الاحتلال من موقع التزام أميركا عموماً بالمصالح الإسرائيلية، والتزام إدارة الرئيس جو بايدن خصوصاً بكونه صهيونياً، إضافة إلى إعلان بلينكن نفسه يوم وصوله الى لقاء التضامن مع حكومة الاحتلال أنه يأتي بصفته يهودياً أولاً، وهو بإشارته إلى وجود فرصة اتفاق إنما يكشف أولاً، حقيقة أن الخروج من الحرب بذاته بات يشكل هدفاً أميركياً وإسرائيلياً في ضوء الفشل المتمادي الذي لحق بالحرب التي وضعوا ثقلهم لربحها وانتهت بهزيمة غير قابلة للإنكار ولا للإصلاح.
الحقيقة الثانية التي يكشفها كلام بلينكن عن فرصة اتفاق، هي أن السقف الذي يتضمنه ردّ حماس يمكن أن يشكل أساساً للاتفاق، لكن المصلحة الأميركية الإسرائيلية ليست بقبوله ومنح حماس مكاسب يمكن تخفيض سقفها عبر التفاوض. والتفاوض ليس مجرد تبادل أوراق، بل ضغوط ونار واغتيالات وحروب صغيرة، لأن مجرد التيقن من أن الأمور ذاهبة إلى الحل، يحرّر القيادتين الأميركية والإسرائيلية من أن تؤدي أي عمليات تصعيد أمني او عسكري الى الانزلاق نحو مواجهة تخرج عن السيطرة، وربما تأخذ المنطقة إلى الحرب الإقليمية، لأن القدرة على الإعلان الدراماتيكي عن تحقيق أي تقدّم في المفاوضات يتكفل بلجم أي تدهور ينجم عن خطوات تصعيدية ميدانية.
ما تشهده الجبهات اللبنانية والعراقية واليمنية، هو هذا النوع من التصعيد الذي سوف يزداد خلال المدة المفترضة للتفاوض، والتي سوف تستمرّ لأسابيع، يجب عدم استبعاد أن تشهد أعمالاً عسكرية وأمنية من الجانب الأميركي والإسرائيلي، قد تبدو متهوّرة من وجهة نظر قياس المرحلة السابقة التي كانت الحرب خلالها مفتوحة على مخاطر الانزلاق الى حرب كبرى بسبب خطوة غير محسوبة، وسوف يستنفد الأميركي والإسرائيلي كل بنك الأهداف الأمنيّ، خصوصاً الموجود لدى أجهزة المخابرات ضد قوى المقاومة، لأن إلحاق الأذى بالبنى القيادية والبنى التحتية لقوى المقاومة مكاسب استراتيجية في حرب طويلة لن تنتهي بإعلان وقف الحرب على غزة. وفي هذا السياق تندرج العمليات التي شهدناها في لبنان والعراق واليمن.
بالمقابل سوف تكون قوى المقاومة أيضاً متحرّرة من حسابات رد الفعل بالمثل، وسوف تختار أهدافاً من النوع الذي لا يمكن تعويض خسارته أو يحتاج مثل هذا التعويض إلى جهود كبيرة ووقت طويل، وسوف تنفذ أعمالاً حربية تضع الأميركي والاسرائيلي أمام تحدي عامل الوقت، بسبب الإحراج الذي تمثله هذه العمليات الحربية، حيث يكون عليه إما التسريع بالاتفاق حول حرب غزة، أو الذهاب الى درجة أعلى من التصعيد لا مصلحة له بها. وبالنسبة للأميركي سوف يكون الإحراج على جبهتي اليمن والعراق عامل ضغط لتسريع اتفاق غزة من جهة، وتسريع برامج الانسحاب من المنطقة من جهة أخرى.
كلما اقتربنا من الاتفاق سوف نشهد سقفاً أعلى للتصعيد، ولذلك فإن قوى المقاومة تستحق في هذه المرحلة الاصطفاف خلفها وتقديم الدعم السياسي والشعبي لمواقفها، ولذلك يجب توقع تحرّك الجبهات الداخلية المناوئة في ساحاتها للتشكيك بصواب خياراتها، ومحاولة النيل من مصداقيتها.