أولى

على أبواب رفح…

‬ سعادة مصطفى أرشيد*

منذ ساعات الحرب الأولى في السابع من تشرين الأول الماضي حرص الإسرائيلي على دفع مجموعات السكان في غزة على الهجرة جنوباً مرحلة إثر مرحلة. وبعضهم هاجر داخل فلسطين للمرة الخامسة أو السادسة وصولاً إلى أدنى نقطة في جنوب القطاع وهي مدينة رفح التي لا يوجد بعدها من مفر أو مكان للهجرة إلا ساحل البحر الضيق أو صحراء سيناء الواسعة التي تحكمها مصر وتتسيّد عليها سيادة ظاهريّة منقوصة في واقع الأمر. في حين كل الأماكن التي يمكن ان يتوجه اللاجئون وأهالي غزة من اللاجئين إليها مغلقة بحديد ونار الجيش الاسرائيلي؛ الأمر الذي أشعل ضوءاً أحمر لمصر وكان رئيسها قد أعلن في بداية الأزمة أنه ليس ضد عملية تهجير أهالي غزة وإنما عن الخوف من أن تكون الهجرة إلى سيناء. فالاعتراض هو على مكان التهجير فقط مقترحاً نقل سكان غزة إلى صحراء النقب.
كان مخطط التهجير حاضراً دائماً في العقل السياسي والأمن الإسرائيلي. وقد تمّ تداول هذه المسألة علناً أثناء الحرب الحالية، وإن كان الاسرائيلي الرسمي ينفيها بين حين وآخر إلا أنها كانت واضحة بجلاء باعتبارها أحد أهم وأخطر أهداف مشروع الفكرة والدولة. وبالتالي فهي من أهداف الحرب المضمرة التي يريد الإسرائيلي تحقيقها وإن تُعلم نتائجها عن نفسها.
الاسرائيلي يحاول البحث عن نصر لا يستطيعه في ميدان القتال برغم استعماله أقصى ما لديه لا بل ما لدى العالم من ادوات القتل والهدم والدمار دون أن تظهر على المقاومة إشارات ضعف او قبول او استسلام وإنما كان واضحاً في الأسبوع الماضي عكس ذلك؛ الأمر الذي ظهر جلياً في رد المقاومة على اتفاق الإطار في باريس ذلك الرد الذي جاء واضحاً ويؤكد على مطالب المقاومة التي أعلنتها في بداية الحرب.
بالتالي فإن خيارات مليون ونصف مليون فلسطيني في رفح قد أصبحت محدودة؛ إما الموت وإما الهجرة إلى سيناء وإما التجمع على ساحل البحر، مع التذكير بأن المصادر الأممية تقول إن في كل كيلو متر مربع في رفح يعيش 27 ألف انسان، أما في حال تجمعهم في ساحل البحر الضيق فقد يصل العدد الى 50 ألف إنسان في كل كيلو متر مربع. وهو أمر يصعب حتى على الخيال الجامح تصوّره.
في الأسبوع الماضي صدر عن الإسرائيلي ما يفيد بأن الإعداد للعملية العسكرية في رفح هو أمر مؤكد وقد اتخذ القرار بتنفيذها، فيما صدر تحذير صريح ومباشر من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش تحدّث فيه عن المخاطر الكبيرة لهذه العملية التي لن تطال نتائجها طرفي القتال فقط، حسب قوله، وإنما المنطقة بأسرها وإنها بوابة لدخول العالم في حالة من الفوضى. فيما الأخبار تأتي من مصر بشكل مقتضب من الجانب الرسمي، وتوكل الحكومة المصرية لذبابها الإلكتروني التصريحات الغريبة منها ما صدر عن مَن وصف نفسه بشيخ مشايخ سيناء الذي حذّر بذبح أي فلسطيني يهاجر الى سيناء، فيما وجّه اعلامي شهير (أحمد موسى) تحذيراً للفلسطينيين قائلاً الحدود خط حمر وينصح بعدم تجربة تجاوز الحدود، وإلا فإن من يفعل ذلك (حنفرمه) أي سيتمّ فرمه.
تفيد الأخبار المعلنة عن زيارة وفد أمني إسرائيلي للقاهرة يضمّ رئيس جهاز الموساد وأنه اجتمع مع وزير المخابرات المصري للتباحث في العملية العسكرية في رفح. وتسرّبت أنباء تقول إن رئيس الموساد قد شرح لمضيفه دقة الوضع في «إسرائيل» وعن أهمية هذه العملية وضروراتها للأمن القومي لديهم وأن لا بد منها، ومن استعمال منطقة صلاح الدين (معبر فيلادلفيا)، محذراً أن جيشهم سيقوم بالعملية، وافقت مصر أم رفضت.
وفي التسريبات أن الرئيس المصري وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة قد عقد اجتماعاً إثر زيارة الوفد (الإسرائيلي) ضم وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان الفريق أسامة عسكر ووزير المخابرات وآخرين لمناقشة الموضوع، وأن الآراء قد انقسمت داخل الاجتماع بين السيسي ووزرائه من جانب الذين يرون أن لا بدّ من معالجة الأمر بالسياسة والدبلوماسية وبتهديدات من وزن تعليق العمل باتفاقية السلام، وبين الفريق أسامة عسكر ومعه مجموعة الجيش المصري الذي يرى أنه إذا أقدم (الإسرائيلي) على هذه الخطوة فلا بدّ من إلغاء معاهدة السلام بالكامل والدخول في الحرب.
عملية رفح مقبلة وقريبة، وها نحن نرى بداياتها وهي ليست من أجل الضغط على المفاوض الفلسطيني فقط، فهذا على أهميته يأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة، وانما الهدف هو تحقيق شيء من النصر بتهجير الفلسطينيين الى سيناء ومنها الى أرجاء العالم.
واشنطن من ناحيتها ليست ضد عملية عسكرية في رفح والتي يعرف الجميع أن هدفها هو التهجير والبحث عن صورة نصر يمكن تسويقه بما يحفظ للغرب و»إسرائيل» بعض ماء الوجه وإن كانت تتمنى على الإسرائيلي أن يكون على قدر من اللطف مع المدنيين، وهو الموقف الذي تتخذه رام الله، فليس في تصريحات وزير الخارجية ما هو ضد العملية العسكرية وإنما يكتفي بالمطالبة بفتح ممرات إنسانية للمهاجرين المحتملين في حال ارتفع منسوب الهجوم العسكري.
نتمنى أن تكون الاخبار الواردة من مصر بما يتعلق بالفريق أسامة عسكر صحيحة، وليس من الضروري ان تكون حباً بفلسطين أو دفاعاً عن غزة وأهلها، فلتكن من أجل مصر وأمنها.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى