أولى

الوساطة غير النزيهة من أسلحة الحرب…

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
أنتجت حرب تشرين الأولى عام 1973 انتصاراً عسكرياً مدوياً على دولة الاحتلال، ولكنها تحوّلت الى كارثة سياسية مع خروج مصر من ساحة الصراع وعقدها سلاماً مع دولة الاحتلال. ومنذ ذلك الحين أخذت أحوال العالم العربي بالتراجع والتردي البطيء حيناً والمتسارع حيناً آخر.
هذا التردّي أصبح مكشوفاً وظاهراً للعيان بشكل غير مسبوق مع حرب السابع من تشرين أو حرب تشرين الثانية، إذ تحدثت الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية الملتزمة بخيار المقاومة عن غياب العالم العربي، وهو غياب وإن بدا في أجواء المعركة غياباً عن فلسطين إلا أنه أيضاً غياب عن مسائل الأمن القومي حتى في داخل الحدود الضيقة لتلك الدول.
لكن الحقيقة تقول ما هو أكثر من ذلك إذ كشفت حرب تشرين الثانية أن العالم العربي ليس غائباً عما يجري في غزة وإنما حاضر بقوة، لكن حضوره في معظمه هو في بذل الجهد والعمل لصالح الخندق الآخر المعادي بما يجعله شريكاً كاملاً للاحتلال في الحرب على غزة والجرائم التي ترتكب بحق غزة.
تأخذ هذه المشاركة أشكالاً متنوعة منها المشاركة في الحصار الظالم في مرحلة ما قبل الحرب ومنها في منع إدخال المساعدات الغذائية والطبية لغزة، وصولاً الى سرقتها وبيعها خارج غزة ومنها سيارات الإسعاف التي تبرّعت بها دولة الكويت، وهم بذلك يحرمون أهل غزة الذين يعانون من أهوال المجاعة من الغذاء، وذلك لفك تحالفهم مع المقاومة، وتأخذ هذه المشاركة شكل تحديد نوع المساعدات وكمياتها التي تسقط في المظلات بعضها في البحر وبعضها داخل مناطق 48 وبعضها على رؤوس أهل غزة المنتظرين بتلهّف لقتلهم، فيما ما يصل لا يتعدى وجبة للإفطار والغداء. كل ذلك في وقت يجمع العالم فيه على ضرورة إدخال المساعدات الغذائية والطبية ويضغط باتجاه التوقف عن استهداف المدنيين بالقتل وبالتجويع. وتحظر دولة الاحتلال اشتمال المساعدات على أي شيء له علاقة بالإيواء من خيم وفراش وتلتزم تلك الدول بالحظر الذي تفرضه دولة الاحتلال. وتأخذ هذه المشاركة في أحيان أخرى أشكالاً إعلامية مسمومة تحرّض على المقاومة وتتهمها بالعبثيّة وتحملها مسؤولية ما يجري من قتل وهدم ودمار وجوع فيما تبرّئ الاحتلال من جرائمه.
لكن أقبح أشكال الحضور العربي هذا يتمثل بالوساطة غير النزيهة بين المقاومة والاحتلال، حيث يفترض أصلاً في الوسيط أن يكون محايداً وإن كان من انحياز للوسيط العربي فإن الطبيعي والمنطقي أن يكون منحازاً للطرف الفلسطيني أو حتى للطرف الذي يتضوّر جوعاً ويرتجف برداً ومرضاً لحرمانه من الغذاء والمسكن والدواء.
وفق مصادر صحافية لبنانية محترمة يقول قائد في المقاومة إنه يفضل لو أن جهة أجنبية هي التي تقوم بدور الوسيط مع الاحتلال ومع الولايات المتحدة. ويميّز القيادي بين الدور القطري والدور المصري باعتبار القطريين أكثر لطفاً وتهذيباً ولكنهم في نهاية المطاف جميعهم يمارسون الضغط الفعلي على المقاومة، فيما يبدون تفهماً وقبولاً لمطالب (إسرائيل) وكلاهما لا يخرج عن الرؤية الأميركية التي تحمّل الفلسطيني مسؤولية عدم التوصّل الى اتفاق الهدنة.
من جانب أخر يدّعي برك دافيد محرّر الشؤون العربية في موقع أخبار «والا» العبريّ أن مسؤولين كباراً في حكومة نتنياهو قد أخذوا يلاحظون تغيّراً في موقف قيادة حركة حماس، وذلك نحو القبول بالهدنة بما سوف يسمح بمفاوضات حول صفقة التبادل. ويعزو برك دافيد ذلك إلى الضغوط الكبيرة التي تمارسها قطر على ضيوفها من قادة حركة حماس وإلى ضغوط مصر التي تملك أوراقاً مهمة وفّرتها لها الجغرافيا.
هذا ما وصل إليه الحال العربي، في حين تًبدي دول تبعد عن غزة آلاف الكيلومترات مواقف مغايرة بانحيازها الكامل للحق الفلسطيني، كما هي حال البرازيل، ورفض ما تمارسه دولة الاحتلال من إبادة جماعية، كما هي حال دولة جنوب أفريقيا.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى