أولى

ثلاثة حقوق لا تقبل المساومة: الأرض والأسرى والإعمار

‬ د. عصام نعمان*

المقاومة في فلسطين هي طليعة الشعب وقائدة جهاده في سبيل تحرير الأرض والأسرى وإعادة الإعمار.
الأرضُ تحتلّها “إسرائيل”، وعشرات آلاف الأسرى تحتجزهم “إسرائيل”، والدمار الهائل أنزلته “إسرائيل” بكلّ مناطق وأنحاء قطاع غزة للحؤول دون إعادة إعماره لأنها تريده أن يبقى أرضاً يباباً غير قابلة للعيش والسكن.
لا يغيب عن المقاومة الارتباط العضوي بين الأرض والأسرى والإعمار. لذا حاولت في المفاوضات التي جرت وتعثرت في الدوحة أن توازن في المداولات بين متطلّبات تحرير الأرض وإطلاق الأسرى على نحوٍ يخدم كِلتا القضيتين ويؤدي تالياً، من خلال العمل الجهادي والعمل السياسي، الى تحرير الأرض بالتزامن مع تحرير الأسرى وصولاً، بعد تحريرهما، الى البدء بمشروع عملاق للإعمار والتنمية.
“إسرائيل” لا يهمّها من كلّ هذه القضايا والمشاكل والتحديات إلاّ إطلاق أسراها. ومع تعثر المفاوضات بسبب تعنّت “إسرائيل” نرى كبار الصهاينة في كلّ أنحاء العالم، لا سيما في الولايات المتحدة يحاولون مساعدتها في المفاوضات لتمكين حكومة بنيامين نتنياهو من استعادة كلّ أسراها أو معظمهم مقابل إطلاق عدد محدود من آلاف الأسرى الفلسطينيين المحتجزين لديها والتظاهر بقبول سحب قواتها من المدن والبلدات الفلسطينية الى مواقع قريبة من السياج الحدودي في الأرض المحتلة.
في هذا الإطار طلبت القاهرة عقد اجتماع متابعة مع “إسرائيل” لاستئناف الجهود بغية التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى. مصدران مصريان كشفا أنّ مسؤولين مصريين وإسرائيليين وأميركيين عقدوا اجتماعات وجاهية وعن بُعد سعياً للحصول على تنازلات تكسر الجمود في المفاوضات الدائرة منذ أشهر للتوصل الى هدنة في الحرب بين “إسرائيل” وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” وحلفائها التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
المقاومة لا تعارض المفاوضات، لكنها تبدو حذرة جداً مما تطرحه خلالها “إسرائيل” والولايات المتحدة. فقد بات واضحاً أنّ المقاومة لا تواجه “إسرائيل” فقط بل الولايات المتحدة أيضاً التي لا تكتفي بدعم الكيان الصهيوني بمليارات الدولارات وبكميات هائلة من الأسلحة الثقيلة والمتطورة بل تقوم فوق ذلك بالضغط على حلفائها وبعض الدول الصديقة لها في الغرب لتوجيه نداء لـِ “حماس” يدعو لإطلاق سراح جميع الرهائن لديها كسبيل لإنهاء الأزمة، دونما إشارة الى آلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
في تسويقه للنداء ادّعى البيت الأبيض الأميركي أنّ “الاتفاق المطروح على الطاولة لإطلاق سراح الرهائن سيسمح بوقف فوريّ ومطوّل لإطلاق النار في غزة (…) ويسهّل زيادة إيصال المساعدات الإنسانية الأساسية الى جميع أنحاء القطاع”.
قادة المقاومة وسائر أوساط الشعب الفلسطينيّ يدركون خطورة الركون الى مثل هذه الأقوال والوعود. فقد عانوا وما زالوا من نتائج الركون الى وعود “إسرائيل” العرقوبيّة. ذلك أنّ “إسرائيل” لم تكتفِ سنة 1948 بما أعطاها قرار التقسيم الأمميّ من أرض فلسطين، بل سارعت الى احتلال أجزاء من القسم المخصّص للعرب الفلسطينيين. ثم ما لبثت أن سيطرت بموجب اتفاقات أوسلو سنة 1993 على كل ما تبقى للعرب في فلسطين، أيّ على أجزاء من الضفة الغربية والجليل والنقب ومن ثم على القدس الشريف، وباشرت في كلّ هذه المناطق عملية استيطان واسعة.
إلى ذلك، تحاول “إسرائيل” حالياً منع قيام سلطة فلسطينية في قطاع غزة بعد تدميره وتهجير معظم سكانه وذلك بمحاولة وضعه تحت وصاية دولية وإقامة إدارة أممية يكون للكيان الصهيوني حضور فيها.
أياً تكن المقترحات الجديدة التي يعدّها أركان المخابرات المصريون والأميركيون والإسرائيليون، يجب ألاّ تغيب عن أذهان قادة المقاومة الفلسطينية الحقائق والوقائع والمحاذير الآتية:
ـ الأرض وتحرير الأرض والوجود في الأرض شروطٌ وجوبية للإفادة منها في كل الوجوه الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. لذا تحرير الأرض هدف أساس وعالٍ في جهاد المقاومة وفي نضال النهضويّين من أبناء الوطن.
ـ الأرض اليوم في أيدي الصهاينة، وبالتالي لا مجال لأهل الأرض الفلسطينيين للإفادة منها في أيّ وجه مفيد.
ـ إطلاق الأسرى الإسرائيليين لا يؤدي بالضرورة الى انسحاب “إسرائيل” من قطاع غزة. ذلك أنّ لـِ “إسرائيل” مطامع ومخططات أخرى تعتزم تنفيذها ما يدفعها الى الامتناع عن الانسحاب من قطاع غزة إلاّ تقسيطاً وعلى دفعات، الأمر الذي يعرقل استخلاص القطاع من الاحتلال وإقامة إدارة فلسطينية فيه.
ـ الأسرى الإسرائيليون ورقة بالغة الأهميّة في يد المقاومة ويجب الاحتفاظ بها واستخدامها بذكاءٍ وروية وبالتالي عدم إطلاقهم إلا مقابل انسحاب كل القوات الإسرائيلية من القطاع وإطلاق جميع الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية.
ـ يجب ألاّ ينسى قادة المقاومة انه مقابل إطلاق الأسير الإسرائيلي شاليط وحده في الماضي القريب أطلقت “إسرائيل” آلاف الأسرى الفلسطينيين لديها وكان بينهم يحيى السنوار. لذلك يجب الإصرار على أن يُطلق كلّ الأسرى الفلسطينيين لدى “إسرائيل” مقابل الأسرى الإسرائيليين لدى “حماس”.
ـ يجب الإصرار على أن تبقى إدارة قطاع غزة بأيدي الفلسطينيين وحدهم. واذا اقتضى الأمر وجود قوة للأمم المتحدة فيه خلال مرحلة انتقالية، فيجب ان تكون مكوّنة من جنود دول مستقلة ومحايدة ولا تنتسب إلى دول الغرب الأطلسي او تنصاع لها.
ـ صحيح أنّ الولايات المتحدة تقود الغرب كله في دعم “إسرائيل” بمواجهة دول عالم العرب وعالم الإسلام، لكن قدرتها على الفعل تراجعت لعوامل عدّة لعلّ أكثرها لافتاً للنظر ومؤثراً في الوقت الحاضر هو ثورة طلاب الجامعات في كلّ الولايات الأميركية وانتقال شرارتها الى كندا شمالاً والمكسيك جنوباً، والى بريطانيا وفرنسا والمانيا وإيطاليا ودول أخرى في سائر أنحاء العالم؛ الأمر الذي يحدّ من نفوذ أميركا ومن قدرتها على فرض سياستها على دول الجنوب الضعيفة نسبياً.
عسى أن تضع المقاومة كلّ هذه الحقائق والوقائع والمحاذير في حسبانها وأن تستخدمها على نحوٍ يخدم أهداف المقاومة الثلاثة غير القابلة للمساومة بتحرير واستخلاص حقوق الشعب الفلسطينيّ: الأرض والأسرى والإعمار.

*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى