حزب الله إرهابياً: أبو الغيط ونخب الانتخاب
روزانا رمّال
حركة جديدة تتصاعد في الأراضي المحتلة أسست لتيار يَعدُ بالمزيد لما من شأنه أن يضع مصير الكيان على المحك فـ»إسرائيل» ترى نفسها اليوم أمام ولادة سرية لقيادة انتفاضة حقيقية من دون أن تصل إلى مفاتيحها التي لطالما اعتمدت عليها في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع القوى الفلسطينية للتوصل إلى هدنات متعددة.
مع صعود منسوب القلق «الإسرائيلي» بعد توقيع الاتفاق النووي الغربي مع طهران، وما من شأنه أن يرفع سقف احتمالات تمرير فرص ثمينة للشبان المنتفضين في الأراضي المحتلة ازداد قلق تل أبيب من مغبة استغلال حزب الله للصعود الإيراني وتوظيفه تصعيداً في إعادة التسلح وتدريب فصائل فلسطينية في الداخل، إضافة إلى تطوير الإعداد تحضيراً لأي حرب جديدة مقبلة.
من هنا تقدّمت التصرفات الهستيرية «الإسرائيلية» في الأشهر التي أعقبت الحراك الفلسطيني الشاب على شكل اقتحامات للمسجد الأقصى واستفزاز الفلسطينيين وطرد عائلات المشاركين في الانتفاضة، إضافة إلى مساعي تطبيق سياسة الاستيطان التعسفية، كل هذا جعل من المحافل الدولية تتحرك بشكل لافت من دون مراعاة حساسية الموقع «الإسرائيلي» الذي ساد لعقود ودون السعي لتفادي الانتقاد للسياسات «الإسرائيلية» فالاتحاد الأوروبي وبرلمانه ومعهما منظمات حقوقية بدأوا برفع الصوت بوجه تل أبيب بعدما كانت الأمم المتحدة قد أقرت عبر الجمعية العامة الاعتراف بفلسطين دولة مراقبة.
ليس غريباً اليوم، أن يتم إعلان حزب الله في جامعة الدول العربية منظمة إرهابية، وهو ما جهدت لتصل إليه «إسرائيل» منذ أكثر من عقد من الزمن، حيث واظبت على تأجيج الفتن وتوريط القوى المقاومة بها حتى وقعت خلافات بين بعضها، وشغلت الآخرين في حروب مصيرية طويلة تعرف قيادة المقاومة في لبنان، أنها محاكة بيد «إسرائيلية» تستفيد من مفاعيلها تدريجياً بزرع الخلافات بدقة.
مع انتخاب الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط وزير خارجية مصر السابق، جاء إعلان وزراء الخارجية العرب، باستثناء لبنان والعراق وتحفظ الجزائر حزب الله منظمة إرهابية، بعدما كانت قد مهدت السعودية لذلك بقرار مماثل من مجلس التعاون الخليجي.
حزب الله نفسه الذي كان قد حصل على ترحيب ومباركة الجامعة العربية بمسمّيات مثل المقاومة اللبنانية في بيانات عدة إبان تحرير عام 2000 تتم تسميته إرهابياً، مع انتخاب أحمد أبو الغيط المرشح المصري الذي جهدت السعودية لإقناع بعض المتحفظين مثل قطر على وصوله، وتواصلت مع لبنان عبر قنوات ديبلوماسية مصرية لضمان تصويته لمصلحته استطاعت إيصاله إلى الأمانة العامة وقبض الثمن سلفاً بتسمية حزب الله إرهابياً.
تتكشف هنا أسماء لكبار شخصيات مرحلة «مبارك» الذين لا يزالون حاضرين، وهم بمعظمهم حسب التقارير المتعددة، التي رفعتها منظمات حقوقية مصرية في معرض محاسبتهم بعد الثورة لهم تاريخ من التعاون والتواصل المنتج مع «إسرائيل» وساهموا بما فيه الكفاية في ملفات فساد عدة. أحمد أبو الغيط واحد من أولئك الذين لعبوا دوراً أساسياً في معارك مفصلية دبلوماسية عربية كان بينها على الصعيد اللبناني إيصال الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان إلى سدة الرئاسة بعد استعصائها. ويفيد الذكر هنا أن انتخاب الرئيس ميشال سليمان جاء ثمرة طرح اللواء عمر سليمان وهو رئيس الاستخبارات المصري السابق الذي رشح سليمان منذ أن كان قائداً للجيش اللبناني ليخلف العماد اميل لحود.
رجل الاستخبارات الأول في مصر، وهو الرجل الأخطر في حقبة مبارك، كان واحداً من أكثر القادة الأمنيين تنسيقاً مع السلطات «الإسرائيلية»، وكانت له أدوار استخدمت داخل مصر وخارجها وصرفت بين التعاون الخبيث بين الحكومتين، خصوصاً في ما يخص حركات المقاومة، حيث عملت المخابرات المصرية حينها على تطويق عملها وتحركاتها في مصر. ويذكر بهذا الإطار لبنانياً ما قيل عن خلايا لحزب الله أبرزه ما عرف بخلية سامي شهاب الذي اعتقل في ذلك الوقت وتحرر بعد الثورة وغيره.
القرار العربي الخطير يؤسس بعد حزب الله الذي لا يبدو شديد التأثر بما تعتبره أجواؤه تحصيل حاصل أو متوقعاً بعد القرار الخليجي، للتمهيد لإدراج حركات فلسطينية أخرى مستقبلاً بظروف متعددة على لائحة التنظيمات الإرهابية العربية، خصوصاً تلك التي لم تدخل المصالحات أو التنسيق المباشر مع قوى موالية للسعودية أو حليفة في الداخل أو التي تعتبر صديقة لإيران، خصوصاً أن «إسرائيل» تشعر بقلق شديد اليوم من نيات دخول إيران على المشهد الفلسطيني، بشكل مختلف بعد ما أعلنته عبر سفيرها في بيروت عن استعدادها لدعم عوائل شهداء انتفاضة الأقصى.
يُهدي أحمد أبو الغيط نخب انتخابه لـ«إسرائيل» هدية العمر دون أن يتأثر عهده الحديث الولادة الذي سيبدأ مطلع تموز المقبل، بما يعتبره طبيعياً وعادياً من تنسيق مع الأمنيين «الإسرائيليين». وهو مرتاح أكثر كون الداعم السعودي منسجماً مع المصالح «الإسرائيلية» علناً هذه المرة، تحيات العرب لـ«إسرائيل» أتت مزدوجة هذه المرة أولاً بتعيين صديق قديم هو أبو الغيط وثانياً بإعلان حزب الله منظمة إرهابية..
أحمد أبو الغيط اسم مصري حافل ومثير للجدل، ينتخب رداً على رمي النائب توفيق عكاشة من قبل زملائه النواب بالأحذية لرفضهم استقباله السفير «الإسرائيلي» لتأكيد اعتبار التعاون والتنسيق مع تل أبيب أمراً عادياً، تمهيداً لعهد أبو الغيط الذي لا يُستبعد أن يكون رأس حربة تصعيد عربية بوجه إيران وحلفائها.