عن لواء اسكندرون السليب الذكريات الأليمة والواقع المجروح والنضال من أجل التحرّر والعودة إلى حضن الوطن
عبد الغني البيلاني
مرت ذكرى سلخ لواء اسكندرون هادئة وبمواعيد متعدّدة، أراد لها الأتراك بالشراكة مع الفرنسيين أن تكون كذلك مبهمة لأنها تشتت الأذهان وتبعد السوريين عن المطالبة حينها وما تلاها بحقوقهم المغتصبة، وكأنه كتب علينا أن نعيش على الذكريات الأليمة وأن نقتات من التاريخ المأزوم الذي كتب بأيدي المغرضين وأصحاب المشاريع الخاصة، وكأنّ قدرنا أن ننسلخ عن الواقع ولا نحيا الحاضر وأن نتجاهل المستقبل ولا نعدّ له العّدة لتأمين مستقبل أولادنا أبناء الحياة، وأن لا نوفر لهم أسباب النجاح والانتصار على هكذا مشاريع، فهناك من عمل وخطط لإشغالنا وإرباكنا وبالتالي إضعافنا، مما سهّل له قضم حقوقنا وما زال شرهاً يطلب ويطلب ليأخذ المزيد، واليوم لم يجد أفضل من اللعب بالعامل الطائفي والمذهبي لتحقيق غاياته في تفتيت وحدة المجتمع السوري والعبث بمقدرات الوطن ولم يتوان عن هدر الدم واستباحة الأعراض وقد فعل أكثر.
لقد ورثنا ذكريات لأحداث أليمة وفشل جيلنا في رفع الضيم عن وطننا السوري لسبب أو لآخر ولكن جوانب قضيتنا أصبحت واضحة، فبالرغم من ولادتنا بعد حصول كوارث كيليكيا ولواء اسكندرون شمالاً وفلسطين جنوباً، لم نتردّد.. تنكّبنا مسؤولياتنا وتسلّمنا المهمة من الرعيل الأول الذي ساعدنا في إعداد العدّة لمن سيرث.. ليتابع مسيرة النضال، فقد قيل «زرعوا فأكلنا ونزرع ليأكلون» ونأمل أن يكون الحصاد جيداً وتعود الحقوق إلى أصحابها…
لواء اسكندرون واقع تحت الاحتلال التركي، والحدود الشمالية تحوّلت إلى نارٍ ودمارٍ على السوريين، وممرات للمجموعات الإرهابيّة، والحقيقة الكاملة هي أنّ أردوغان يمثل كلّ مطامع تركيا الاستعمارية، التي لا تقتصر على اللواء السليب، بل تسعى الى احتلال مساحات جديدة من الأراضي السورية تحت عنوان «الحزام الآمن».
بين احتلالين
وللإطلالة على قضية لواء اسكندرون المحقّة يجب متابعة المراحل التاريخيّة:
1 – معاهدة سايكس بيكو عام 1916 المادة9 : تتعهّد الحكومة الفرنسية بأن لا تقوم بأيّ مفاوضات في أيّ زمن حول التنازل عن حقوقها أو إعطاء تلك الحقوق التي تملكها في المنطقة الزرقاء إلى أيّ حكومة، ما عدا الحكومات العربية. وكذلك حكومة صاحبة الجلالة تتعهّد أيضاً في ما يتعلق بالمنطقة الحمراء. ومع مرور الزمن تبيّن أنّ الحكومتين الفرنسية والبريطانية لم تلتزما بتعهّداتهما التي أقرّتاها في المعاهدة المذكورة.
جلسة مؤتمر الصلح في 6 شباط 1918 التي حضرها الملك فيصل بصفته عضواً مع ممثل آخر عن الحكومة السورية الناهضة قدّم طلباً للاعتراف بالمملكة السورية، وفي 8 آذار 1920 صدر عن عصبة الأمم اعتراف بالمملكة السورية.
2 – تعهّد فرنسا تجاه عصبة الأمم مادة 22 من العهد وفقاً لصك الانتداب المؤرخ في 24 حزيران 1922 المادة الرابعة: لا يسمح لها بالتفريط بأراضي الدولة المنتدبة عليها، كذلك نرى أنها فرّطت بالتعهّد المذكور وأنها غير حريصة على أداء الأمانة.
علماً أنّ مجلس عصبة الأمم أقرّ صكّ الانتداب في 24 تموز 1924 ولواء اسكندرون يقع ضمن الحدود السورية، مع العلم أنّ وثائق صك الانتداب والقانون الأساسي لم يصدر عن العصبة إلا في عام 1930، من هنا نلفت الإنتباه إلى أنّ معاهدة فرانكلين بويون مع حسين كمال عام 1921 غير شرعية، لأنّ فرنسا في ذلك التاريخ لم تكن مؤهّلة ولا تحمل أيّ صفة لتفاوض باسم الدولة السورية، وبالتالي لا يوجد شرعية تركية لقضم كيليكيا وهذا متروك للحقوقيين لمتابعته.
انسحب الفرنسيون من مدينة أضنة قاعدة كيليكيا في 15 آذار 1923 ما يعني أنّ كيليكيا كانت ضمن الأراضي السورية.
3 – الاتفاقية الائتلافية في لوزان 24 تموز1923 التي وقع عليها تسع دول إنكلترا – فرنسا – إيطاليا – اليابان – اليونان- رومانيا – الصرب كرواتيا – سلوفانيا وأصبحت نافذة من تاريخ التوقيع، تؤكد مادتها الثانية المتعلقة بالحدود بأنّ «لواء اسكندرون خارج حدود الدولة التركية».
4 – صدر قانون التتريك في عام 1928 وطبّق في اللواء بتحريم التكلّم أو استخدام اللغة العربية في الأماكن العامة والدوائر الرسمية والمدارس وحتى في المنازل، مع صمت كامل لسلطات الانتداب الفرنسي، علما أنّ اللغة التركية في ذلك الوقت كانت تستخدم الأبجدية العربية.
5 – بعد إنزال العلم السوري بتاريخ 29 تشرين الثاني1937 عن السراي الحكومي بقي لواء اسكندرون أرضاً سورية، وبهذا لم تكن اتفاقيّة سان ريمون موعد فصل اللواء ولكنه حضّر للانفصال.
بتاريخ 14 كانون الثاني 1939 تمّت المصادقة على ميزانية اللواء وكانت محدّدة بالليرات السورية ومواردها 390000 ليرة سورية ضرائب مباشرة 478000 ليرة سورية ضرائب غير مباشرة.
6 – بذلك يكون الدكلارسيون وبروتوكول 23 حزيران 1939 هو التاريخ الحقيقي لسلخ اللواء وهو غير شرعي لأنه صدر بموافقة فرنسا لإلحاق اللواء وبمعزل عن عصبة الأمم، وقامت بسحب قطعها العسكرية من أرض اللواء، وما بني على باطل هو باطل أيضاً، ومتروك للحقوقيين أمر المتابعة في المحاكم الدولية.
شعب يناضل للعودة إلى حضن الأم السورية
من المهمّ أن نعلم… بعد مرور سبعة وسبعين عاماً على سلخ لواء اسكندرون وضمن معطيات وتوازنات في العالم باتت مسألة اللواء قضيتين ممكن أن يترافق العمل بهما بالتوازي أو كلّ واحدة على حدة…
الأولى: قضيّة أرضٍ يرتبط العمل بها مباشرةً مع قيادة الوطن الأمّ، لتتصرف في الوقت والمعطيات المناسبة ولها حرية البدء والتحرك دبلوماسياً أو عسكرياً، أو متابعة الحقوق الدولية مع المراجع المختصة وبكلّ ما يتعلق بعلاقات الدول ودول الجوار.
الثانية: قضيّة هوية الشعب مسؤولية أبناء لواء اسكندرون في تقرير مصيرهم ورغبتهم في العودة إلى حضن الأم السورية، عند طرح الأمر على المراجع الدوليّة، وأبناء اللواء اليوم متمسّكون ويناضلون بكلّ الوسائل المتاحة من أجل تحقيق هذا الحق الشرعي بالتحرر من حكم الاتراك مهما بلغت التضحيات وهذا قرار قد اتخذ.
بقي أن نشير إلى أنّ نظام الانتداب من النوع الأول من الوجهة الرسمية حسب الوثائق، هو مرحلة انتقالية بين الاحتلال والاستقلال تقوم به الدولة المنتدبة بالتنمية وتطوير المؤسسات لحين استقلال الدولة المنتدب عليها، وتمكّنها من إدارة شؤونها بنفسها، بحجة أنهم غير مؤهلين لحكم أنفسهم وعلى أرض الواقع كان احتلالاً مباشراً يتصرف المفوض السامي الفرنسي فيه بكلّ شأن من شؤون الدولة، وكأنها مستعمرة من المستعمرات.