زيارة لا تتعدّى «الوقوف عند الخاطر»
روزانا رمّال
لا تبدو علامات الاشتباك السياسي واقعة «ظاهرياً» بين الرئيس سعد الحريري و»بيك المختارة» النائب وليد جنبلاط، إلا أن الخلاف بالواقع او تحت الاضواء هو في أشدّه، والأمور تتعلق هنا بمنهجية إدارة السلطة وحسابات تبعثرت مصلحياً بين الحريري وجنبلاط بدخول تحالفات على خطوط متعدّدة الاتجاهات، لكن معروفة الأهداف، وكل هذا واقع ضمن الصيغة الجديدة لشكل الحكم الذي دخل فيها الحريري هذه المرة شريكاً من دون أن ياخذ بعين الاعتبار الإبقاء على تحالفات قديمة أو مصالح صارت بالنسبة له في مكان آخر.
كان واضحاً، وقبل زيارة الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري إلى دارة النائب جنبلاط، أن الأخير ماضٍ الى خطوات أبعد مما يتوقعها المعنيون بملفات كان من المفترض أن يكون هو «دينامو» اتفاقاتها، كما كان معهوداً لسنين طويلة، فكان السكوت الجنبلاطي الذي يرافقه بعض تغريدات الامتعاض سيّد الموقف دائماً. وعلى هذا الأساس كان لا بد من تحريك أوساطه نحو عين التينة لإيصال رسائل الامتعاض هذه «تنفيذاً» هذه المرة لا «تعليقاً»، خصوصاً بما يتعلق بموقف كتلته من التصويت في مجلس النواب على قانون مثل قانون الضرائب الذي يعني بري مباشرة في هذه المعركة مع الرأي العام والكتل السياسية.
يعتبر جنبلاط أن الأمور تغيّرت وأنه إذا كان الرؤساء الثلاثة عون وبري والحريري قد اتفقوا على أخذ قرارات من دون الأخذ بعين الاعتبار موقف الدروز المتمثل بزعيمهم وليد جنبلاط على مخرج أزمة قانون الضرائب مثلاً، ومن دون حساب ما قد يترتب عن هذا من تشنج سياسي مستقبلاً، فإن هذا يعني أن على جنبلاط التحرك جدياً في إطار معاكس لما طرحته هذه الثنائيات الجديدة. وفي بعض الأحيان صارت مسألة حماية الوجود الدرزي أساساً في نبش الخلافات وتقييمها. ويبدو هنا حضور النائب جنبلاط إلى جانب الأمير طلال ارسلان في آخر لقاء بينهما جمع أرسلان بابن النائب جنبلاط «تيمور» دليلاً على نزعة نحو خلق ما يشبه وحدة الصف الدرزي القادرة على التحسّب لأي اتفاقات تجعل من موقف الطائفة تحصيلاً حاصلاً بين الكتل الكبرى.
بالعودة الى اللقاء الذي شغل الأوساط السياسية والإعلامية في الساعات الأخيرة فإن مصادر «البناء « تؤكد أنه ليس إصلاحاً للعلاقة بين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط من جهة الرئيس بري، إلا بشكل «محدود». والأمر يتوقف عند الحريري لتحسينه أو الوقوف عند هذه النقطة وإهمال تكبير الخطوة التي سهّلها عليه بري. تضيف المصادر «الواضح أن الرئيس بري أخذ على عاتقه مسألة «الوقوف عند الخاطر» أي «المونة» على الحريري بالذهاب معه بالمعنى نحو تلك الخطوة الضرورية لما فيها من مصلحة للبلد الذي ينتظر الانفجار في الشارع، إذا لم تبتّ مسألة الضرائب العالقة مع كل ما رافقها من وعود تصعيد. الزيارة أتت من أجل إعادة الإثبات لجنبلاط أنه «الأساس» في اي اتفاقات محلية، خصوصاً بعد انتقاداته حول اتفاقات كالكهرباء والقانون الضريبي الأخير من دون مشورته. فهو يعتبر سلفاً أن الحريري قد ذهب بعيدا في علاقته مع باسيل من دون التفكير مرتين في ما قد ينتج عن علاقته به، إضافة إلى أن النائب وليد جنبلاط مقتنع أن شيئاً واضحاً يمكن الوثوق فيه من قبل الحريري من حيث التنازلات انتخابياً أو التحالفات التي تصب في مصلحة الحفاظ على حسابات جنبلاط ليست واردة أو لا تبدو أنها مقبلة حتى اللحظة، لأن الحريري هو اصل اللعبة السياسية الحالية ومصيره المقبل يتعلق بتقبّل كل ما تفرضه عليه صيغتها للعودة من الباب العريض رئيساً للحكومة بعد الانتخابات النيابية المقبلة «تقول الأوساط ايضاً أن العلاقة بين الرئيسين بري والحريري أصلاً ليست على ما يرام، أي أنها لا توصف بمتانة العلاقة السابقة، كما وكل هذا بسبب العلاقة التحالفية القوية بين باسيل والحريري».
ذهب بري الى النائب وليد جنبلاط حاملاً معه موافقة الحريري الشخصية على دعم ما يشير اليه الرئيس بري الذي تعنيه هذه المعركة بمعنوياتها مع المجلس الدستوري ليقدّم من جهته جنبلاط الخطوة لبري بالموافقة على التصويت من دون أن يعطيها كاعتماد للحريري.
لا تزال شروط أي تفاهم بين الحريري وجنبلاط بعيدة، لأن ظروف هذه التفاهمات غير متوفرة حتى اللحظة، بسبب خلافات انتخابية وحكومية وتبدو المصالح الانتخابية أخذت بثقلها بالظهور على مختلف مواقف الكتل السياسية بشكل كشف عن متغيرات حقيقية لم يلاحظها اللبنانيون الذي افتقدوا ممارسة دورهم الانتخابي لسنوات.
السؤال اليوم عن مدى جدية الحريري في الاستفادة من الفرصة التي قدّمها بري على طبق من فضة بحجة الأزمة الضريبية وتمويل سلسلة الرتب والرواتب ومدى إقدامه على استغلالها من اجل تطويرها بعد التشنج الحاصل الذي كسرته الزيارة، لكن يبدو ان الحريري المرتاح بالجبهة التي اتخذها او تموضع فيها بدأ يشعر بعدم قدرته على التطرف بالمواقف، فلا القطيعة قادرة على استرجاع التوازن الذي قد لا يؤمنه جنبلاط بالحساب الانتخابي للحريري الذي خسر شعبياً بسبب مواقفه من الأزمة السورية، وبالتالي لا يمكنه الوقوف كثيراً عند نقطة الاستفادة من مواقف جنبلاط التي أثبتت خطأها من الأزمة السورية ولا المصالحة التي قد تضرّ بعلاقته بباسيل، اللهم إذا شرع التيار الوطني الحر بتفاهم مع الحزب التقدمي الاشتراكي ضمن سلسلة التفاهمات المنجزة مؤخراً لتقلب حينها المقاييس كلها.