سورية المنتصرة… ودفع هواجس التقسيم
العميد د. أمين محمد حطيط
رغم الإنجازات والانتصارات كلّها التي حققتها سورية مع حلفائها في مواجهة الحرب العدوان عليها وعلى المنطقة، ورغم ما حقّقه العراق توازياً في السياق نفسه، تبقى أحلام التقسيم تراود أصحاب المشروع الصهيوأميركي وأدواتهم في المنطقة الذين يرون فيه المخرج الوحيد من هزيمتهم والسبيل الوحيد للتعويض عليهم جهود سبع سنوات من المواجهة مع شعوب المنطقة من أجل إخضاعها.
ومن أجل تبرير الحلم والترويج له ورفعاً للمعنويات وشحذاً للهمم في صفوف أدوات العدوان والجماعات المسلحة التي يستخدمها رعاته، يتمسّك هؤلاء بالوقائع التي تبرّر تفاؤلهم وفقاً لظنهم وتقود إلى القول بأنهم قادرون على فرض مشروع التقسيم والحؤول دون عودة سورية والعراق إلى ما كانتا عليه من وحدة وتماسك وطني، وتالياً من لعب دور استراتيجي مؤثر في واقع المنطقة.
أما مبرّرات تفاؤلهم أو عناصر القوة التي يتكئون عليها في الترويج لمشروع التقسيم، فهي: أولاً وجود القواعد العسكرية الأميركية الإحدى عشر والمنتشرة من الشمال الشرقي السوري إلى الجنوب الشرقي وتّضاف إلى 7 قواعد عسكرية في العراق يبلغ مجموع الجنود فيها خمسة عشر ألف جندي أميركي. وأنّ مهمة هؤلاء بشكل رئيسي دعم القوى المحلية ذات النزعات الانفصالية والتي يشكّل الأكراد نموذجاً لها، ومنع العودة إلى الدولة الواحدة من أجل تمكين أميركا من السيطرة على أجزاء غنية بالنفط من أرض الدولة والإمساك أو الهيمنة على القرار السياسي فيها.
وإضافة إلى هذه القواعد العسكرية الأميركية، يطرح أيضاً الوجود العسكري التركي في إدلب وريفها، والذي يتحوّل حسب رأيهم إلى ما يشبه الاحتلال المقنّع الذي لن يخرج من المنطقة إلا بعد أخذ حصته في النظام السياسي السوري مستقبلاً، فإن لم ينلها يتجه حسب قولهم لإنشاء إدارة محلية يسيطر عليها وتمنع عودة المنطقة الى الدولة الأمّ سورية، ويكون في ذلك بذرة من بذور التقسيم التي تنتظر الظروف لتتفاعل وتنتج آثارها كلّها.
ومع هذه الأحلام أو هذه الهواجس، نقول قد يكون الحريصون على وحدة سورية محقين في هواجسهم ويطرحونها على سبيل التحذير، أما أصحاب الأحلام، فإنهم يبدونها وهم قد يتناسون مصير أحلامهم في حلب أو في دير الزور أو في السويداء ودرعا وسواها. وفي هذا نرى أن نسلط الضوء على واقع معاكس فيه ما ينسف هذه الأحلام ويزيل هذه الهواجس، ونعرض لها كالتالي:
1 ـ بالنسبة للقواعد الأميركية التي ركزتها بذريعة محاربة داعش التي استثمرتها أميركا بعد أن أنتجتها، فإنّ داعش الذريعة تلفظ أنفاسها الأخيرة الآن، ومع زوال داعش يكون من المنطقي القول بأنّ التحالف الذي ركبته أميركا لقتال داعش وبشكل غير شرعي، وخلافاً للقانون الدولي العام، انّ هذا التحالف ينبغي أن يُحلّ لانتفاء السبب والمبرّر، وينبغي ان ترحل أميركا لانتفاء السبب أيضاً، فإن لم تفعل فإنها ستعامل كقوة احتلال وإنّ سورية وحلفاءها في محور المقاومة يعرفون جيداً كيف يكون التعامل مع محتلّ. وبالتالي نقول انّ القواعد العسكرية الأميركية عليها أن تنهي وجودها مع إعلان سورية مطهّرة من داعش والمسألة مسألة وقت فقط لا يتعدّى الأسابيع التي لن تتجاوز أصابيع اليدين، أو أن تنتظر ما يُكرهها على الخروج، كما سبق وشهدت في العراق.
2 ـ أما بالنسبة للنزعة الانفصالية التي تغذيها أميركا لدى الأكراد، فإننا نرى ورغم وجود مَن يصغي بين الأكراد لذلك، فإنّ إمكانية الاستجابة لأميركا منخفضة السقف خاصة بعد الانهيار الذي شهدته حركة انفصال أكراد العراق وبعد اليقظة التي تشهدها صفوف القبائل والعشائر العربية في شمال شرق سورية، وأكثر من ذلك بعد الاستعدادات التي بدأ ينفذها الجيش العربي السوري والحلفاء لمواجهة الموقف في الوقت المناسب وفقاً لجدول الأولويات الموضوع ضمن برنامج تطهير البلاد وتثبيت وحدتها كلّ ذلك يعطل هذه الهواجس ايضاً.
3 ـ أما عن إدلب، فصحيح انّ تركيا انحرفت عن مخرجات مؤتمرات استانة واتجهت لتنفيذ مشروعها الخاص في إدلب، إلا أنّ الموقف الذي أظهرته إيران وروسيا إثر الموقف الصارم الذي أعلنته سورية، والذي حمل تركيا على مراجعة سلوكها شكّل نوعاً من تصويب العمل وأنذر تركيا بأنها لن تستطيع أن تحقق بالخداع والانقلاب السياسي الميداني ما عجزت عنه في المواجهة والعدوان. وكذلك نقول إنّ الجيش السوري وحلفاءه سيكونون جاهزين بعد الفراغ من معركة الحدود الشرقية باتجاه البوكمال، لمعالجة الموقف في كلّ من إدلب والمنطقة الشمالية الشرقية بما يحفظ وحدة البلاد وسيادتها من دون شريك على كامل أراضيها. وهو أمر لا مناقشة ولا مساومة فيه مهما كانت التضحيات.
4 ـ أما في الجنوب فقد بات واضحاً انهيار المشروع «الإسرائيلي» في إقامة الحزام الأمني لأكثر من سبب، حتى وأن «إسرائيل» ورغم استعانتها بأميركا ولجوئها الى روسيا للحصول على شيء من مطالبها في المنطقة، فإنّ الجميع يعرف أن لا شيء من تلك المطالب أُصغي له او استجيب له واستمرت قوى معسكر الدفاع عن سورية في مواقعها في الجنوب، وتعمل على تعزيزها بما يعيد الحال الى ما كان عليه قبل العدوان، فضلاً عن انّ «إسرائيل» تدرك بأنّ محور المقاومة جاهز للتعامل مع أيّ وضع مستجدّ للدفاع عن الأرض والحقوق. وما المواقف «الإسرائيلية» الأخيرة التي أعقبت المواجهة الجوية او ردود الفعل بعد القصف في الجولان إلا شاهداً على فهم «إسرائيل» لحجم الاستعداد لدى محور المقاومة لمواجهة أي عدوان.
في المحصلة نقول صحيح، أنّ هواجس الحريصين على وحدة سورية فيها ما يستحق المناقشة، وقد فعلنا أعلاه، الا انّ الصحيح أيضاً أنّ سورية التي انتصرت في مواجهة حرب كونية ودفعت العدوان عنها وخرجت منتصرة بشهادة الأعداء وفي طليعتهم «إسرائيل»، انّ سورية المنتصرة لن تفرط مطلقاً بوحدتها وسيادتها وأنّ حلفاءها معها، وبكلّ قوة للمحافظة على هذا الأمر الذي تصدّر الاستراتيجية الدفاعية العامة التي عملت سورية بموجبها طيلة سنوات العدوان. فسورية لن تكون إلا واحدة ذات سيادة تامة ومؤكدة على أراضيها كلّها.
أستاذ جامعي وباحث استراتيجي