مصر.. وتحدّي كسر قيود كامب ديفيد وتشكيل جبهة عربية لمحاربة الإرهاب
حسن حردان
إنّ الهجوم الإرهابي على مسجد الروضة في العريش والذي ذهب ضحيّته ما يفوق الـ 300 شهيدا عدا عن الجرحى، كان الأكبر والأكثر دموية من بين الهجمات الإرهابية التي حصلت في مصر حتى الآن، وهو الأوّل من نوعه الذي يستهدف مسجداً. ما يؤكد الحقائق التالية…
الحقيقة الأولى: إنّ الإرهاب التّكفيري لا يميّز بين مسلم ومسيحي أو بين جندي ومدني، فكلّ مَن لا يؤيد فكر تنظيم داعش والقاعدة فهو كافر وعدو ويجب قتله والاستيلاء على أمواله وممتلكاته، باعتبارها غنائم، حسبما يدّعون. وهذا يعني أنّ هؤلاء الإرهابيين هم أعداء لكلّ العرب سواء في مصر أو في الدول العربية الأخرى، ذلك أنّ الإرهاب الذي يقتل الناس بدم بارد هو نفسه الذي يقتل ويدمّر ويخرّب في سورية والعراق وليبيا واليمن والجزائر وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وطبعاً هو عدو لشعوب العالم قاطبة، حيث لا يوفّر فرصة للقيام بهجمات ضدّ المدنيين في أوروبا وأميركا وروسيا إلخ…
الحقيقة الثانية: إنّ الإرهابيين في مصر نجحوا في بناء قوّة منظمة وامتلاك قدرات عسكرية في شبه جزيرة سيناء مستفيدين من الفوضى التي عمّت مصر مع ما سمّي بالربيع العربي، لا سيما في مرحلة تسلّم «الإخوان المسلمين» السلطة، وكذلك مستفيدين من الدعم الذي حصلوا عليه عبر الحدود من جماعاتهم في ليبيا التي مكّنها حلف الناتو من إسقاط حكم الرئيس معمّر القذافي، وأيضا مستفيدين من دعم كيان العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، بغرض استنزاف مصر ومنعها من التّحرر من قيود التبعية التي أنتجها اتفاق كامب ديفيد المشؤوم.
الحقيقة الثالثة: إنّ استمرار مثل هذه الهجمات الإرهابية الدموية، التي تزداد وتيرتها في سيناء والتي تستنزف المصريين جيشاً وشعباً واقتصاداً، وعدم تمكّن الجيش المصري من منعها والقضاء على الإرهابيين في سيناء، إنّما هو عائد بالدرجة الأولى إلى أنّ الحكومة المصرية لا تستطيع أن تدخل إلى سيناء إلا بأعداد قليلة من الجنود وأسلحة محدّدة لا تشكل خطراً على كيان العدو الصهيوني. وذلك وفق ما نصّت عليه بنود اتفاقية «كامب ديفيد»، حيث تحدّد فقرة الترتيبات الأمنية أعداد القوات ونوعية الأسلحة التي يسمح بوجودها في منطقة «ب» في سيناء، على النّحو التالي: تنص الفقرة 2 من بند الترتيبات الأمنية على الآتي: «توفر الأمن في المنطقة «ب» وحدات حدود مصرية من أربع كتائب مجهّزة بأسلحة خفيفة ومركبات عجلات تعاون الشرطة المدنية في المحافظة على النظام في المنطقة، وتتكوّن العناصر الرئيسية لكتائب الحدود الأربع من إجمالي حتى 4000 فرد». وهذه المنطقة «ب» هي التي يوجد فيها الإرهابيون التكفيريون بأعداد ونوعية أسلحة متطورّة تفوق قدرة القوة المصرية عدة وعدداً. وهو ما يفسّر عجز هذه القوة على حماية النواحي كلّها في هذه المنطقة عدا عن حدود قدرتها في مواجهة قوة الإرهابيين. أما استخدام الطيران الحربي في ضرب الإرهابيين فإنّ قدرته على القضاء عليهم تبقى محدودة إذا لم تكن هناك قوات عسكرية كافية ومجهّزة بأسلحة نوعية قادرة على شنّ هجوم شامل في المنطقة كلّها لإنهاء وجود الإرهابيين والقضاء على خطرهم، كما حصل ويحصل في سورية والعراق.
انطلاقاً من هذه الحقائق، فإنّ مواجهة الإرهابيّين في سيناء والقضاء على خطرهم ووضع حدّ لحرب الاستنزاف التي تتعرّض لها مصر، إنما يتطلّب:
1 – كسر القيود الأمنية التي فرضتها اتفاقية «كامب ديفيد» والعمل على إرسال قوات كبيرة من الجيش المصري تملك الأسلحة النوعية من دبابات ومدفعية مدعومة بالطائرات الحربية. وهذا القرار المصري ينطلق اليوم من أنّ مصر تعاني من خطر هذا الإرهاب المتحصّن في هذه المنطقة، ومن حق مصر أن تواجهه بكلّ ما لديها من قوة.
2 – فضح وتعرية الأنظمة العربية الرجعية التي تدعم الإرهاب، سياسياً ومادياً وعسكرياً، إنْ في مصر أو ليبيا التي تشكل مصدر الدعم المهمّ الذي يحصل عليه هؤلاء الإرهابيون في سيناء، وعدم السكوت على دور هذه الأنظمة.
3 – التنسيق والتعاون سياسياً وعسكرياً وأمنياً مع الدول العربية التي تواجه الإرهاب نفسه والعمل على عقد اجتماع عاجل يحضره رؤساء هذه الدول واتخاذ القرار بتشكيل جبهة عربية لمحاربة الإرهاب وفق استراتيجية شاملة، وبالتالي رفض الخضوع لأيّ ضغوط خارجية لمنع ذلك.
انّ الإسراع في تنفيذ هذه الإجراءات الميدانية والسياسية إنما يشكل ضرورة ملحّة لا تحتمل التأخير ويساعد عليها الاستنفار الشعبي والوطني الذي شهدته مصر العربية، والتضامن العربي والدولي معها في هذا المصاب الأليم الذي تعرّض ويتعرّض له أبناؤها.
إنّه التحدّي الكبير الذي يواجه مصر، دولة وجيشاً وقوى سياسية، فهل يقدم الرئيس عبد الفتاح السيسي على اتخاذ مثل هذه الخطوات الضرورية للقضاء على خطر الإرهاب وإخراج مصر ومعها طبعاً الدول العربية كلّها من الفوضى الإرهابية التي صدّرتها أميركا وكيان الاحتلال الصهيوني والأنظمة الرجعية العربية الدائرة في فلك التبعية للدول الغربية الاستعمارية والمتواطئة مع العدو الصهيوني ضدّ قضايا العرب، وفي المقدمة قضية فلسطين؟
إذا أقدمت القيادة المصرية على اتخاذ مثل هذه الخطوات الجريئة فإنها بكلّ تأكيد سوف تحظى بدعم شعبي كبير مما يقوّي موقف مصر في مواجهة أيّ ضغوط أميركية صهيونية، ويضع مصر على السكة الصحيحة لشنّ الحرب الوطنية الشاملة للقضاء على القوى الإرهابية المتحصّنة في سيناء وبالتالي ينهي معاناة المصريين من استمرار الخطر الإرهابي واستنزافه المستمرّ للجيش والشعب والاقتصاد، كما أنه من خلال تشكيل الجبهة العربية التي تضمّ الدول التي تعاني من الخطر الإرهابي تتمّ محاصرة الإرهابيين وإضعاف قوّتهم والتخلص منهم والخروج من حالة الفوضى وعدم الاستقرار اللذين يتسبّب بهما الإرهاب، وبالتالي يتمّ إسقاط أهداف المخطط الأميركي الصهيوني لتفتيت الدول العربية والقضاء على الجيوش العربية التي يشكل استمرارها خطراً على كيان الاحتلال الصهيوني، واستطراداً يتمّ إحباط الهدف الأساسي من وراء هذا المخطط، ألا وهو إخضاع العرب بالكامل للهيمنة الاستعمارية، وتصفية القضية الفلسطينية.