معركة راشيا الوادي في الثورة السورية الكبرى وقفة عز لن تخبو 2
هاني الحلبي
تناول هذا الملف في الأسبوع الماضي لقاء بين وفد عسكري من فرقة الخيالة الفرنسية من يونيفل، التي هي نفسها اقتحمت راشيا العام 1925، زار قلعة راشيا الوادي وترك تداعيات شعبية واسعة. من هذه التداعيات إصدار اتحاد بلديات جبل الشيخ بياناً اعتبر المنتقدين انطلقوا من خلفية «إثارة النعرات وتزوير الحقائق وبث الحقد»، دون أن يكلّف كاتب البيان نفسه بأدنى مراجعة، موضحاً طريقة التنسيق مع أعضاء الاتحاد وأنّهم دائماً على اطلاع مسبق عما يقوم به الرئيس. الأمر الذي نفاه بعضهم بحضور شهود، وأكدوا أنه لم يكن معظم أعضاء الاتحاد على علم مسبق باللقاء.
وإذ نعتبر أن المرجعية السياسية التي يستند إليها رئيس الاتحاد ويستظلّ مظلتها، هي قوة لراشيا، عندما يُحسَن توظيفها لا الاستقواء بها، وأن ما يقول به من مشاريع تنمية للبشر والحجر، لا أحد تناوله بنقد في هذا الملف، كما لم يتم تناول أي موضوع سياسي أو شخصي. وكذلك نحن نثق بالقضاء ويستحقّ القضاء أن يكون مظلتنا برقيّ، عند الضرورة، مترفّعاً عن الأحكام المسبقة والاتهامات المسوقة دون تدبّر ووعي.
ما تناوله الملف في الحلقة الأولى هو حق عام لا يسقط بالتقادم ولا حق لأحد من الأفراد أو الهيئات بالتصرّف فيه سوى ورثة الشهداء. حق الذاكرة الوطنية وحق دماء الشهداء علينا، ودماء مئات الأسرة التي أبيدت والتي أصيبت بأحبائها أو بأرزاقها أو ببيوتها. وهذا الحق لا يمكن للأحرار أن يسايروا فيه أحداً ولا أن يخشوا مواجهة مهما تكاثر الظلال وماسحو الجوخ وقناصو الفرص.
هنا الحلقة الثانية وفيها عرض موجز جداً لما تيسّر من أسماء الشهداء في ثلاث قرى فقط، من أصل حوالى 27 قرية تمثل قضاء راشيا، ولمعات عن قيم المجاهدين ونبل قيادة الثورة التي كانت تصنع مجداً وطنياً لبنانياً سورياً مشرقياً وتحاول أن تنقذ نبض التاريخ فينا قبل أن تحوّلنا «القيادات» التي نسختها مؤامرة سايكس بيكو إلى تعداد أرقام منقرضة من القرار والتاريخ، في مخابر التجارب والتقسيمات الأجنبية المتلاحقة.
راشيا: تدمير كامل وبئر لجثامين الشهداء تمّ ردمهم ولم يكرّموا بعد
من شهداء الثورة السورية الكبرى، أبناء بلدة راشيا الوادي الذين ارتقوا على أسوار قلعة راشيا وخلال المعارك التي جرت بين 20-24/11/1925 نذكر من عائلة مهنا كلاً من الشهداء: علي أبو غطاس مهنا، أحمد عثمان مهنا، شرف أبو غطاس مهنا، اسعد حسين مهنا، غطاس مهنا، وغيرهم كثيرون من الشهداء من آل الحلبي، سعيد، ناجي، علبي… ومن مشايخ آل زاكي هناك قاضي مذهب وقاضي شرع و42 شهيداً آخرين تمت تصفيتهم ميدانياً بالرصاص قرب محلة خزان المياه اليوم في تلة المنشار.. وهناك شهداء كثيرون لم يتم إحصاؤهم بعد.. بخاصة أن غالبية جثامين الشهداء تمّ رميها في بئر تاريخي وبعد الثورة والتصفيات الميدانية تم ردمه.
كذلك لم يتم قتل الرجال فقط، بل الأسر التي بقيت في البلدة ولم تغادرها إلى عيحا وشبعا والجوار البعيد عن الثوار تمّت تصفيتها. وبعض الأسر تخفت في المغاور وفي الحقول بعيدة عن البيوت وفي الأحراج المجاورة حتى انتهاء الحرب بأيام أو أسابيع.
وكانت حملة الثوار لتحرير راشيا بقيادة الأمير زيد الأطرش أبو غالب ومساعده الشيخ حمزة درويش أبو هايل . وعمّر الأمير زيد طويلاً وتصادف ذكرى وفاته في 14 حزيران. واشتهر بشعره القومي والوطني وبعد وفاته جمع له فارس شقير من بلدة القريّا بعض قصائده في ديوان بعنوان «ديوان الشمم».
العقبة: تأمر زوجة المقبور الكابتن تينه بإبادتها كاملة على الطريقة اليهودية
بلدة العقبة في قضاء راشيا وتستحق أن يُقال عنها إنها بلدة الشهداء إذ توّجت قامتها بكوكبة من 90 شهيداً من خيرة رجالها وشيوخها، عدا النساء والأطفال. منها انطلقت شرارة المقاومة ضد المنتدَب الفرنسي يوم صوّب أحد ثوارها رصاصة لتردي الكابتن الفرنسي تينه وهو معتلٍ حصانه بطلقة واحدة. وعندما حضرت زوجته لتأخذ جثته طالبت الجنود الفرنسيين بأن يثأروا لمقتله بأن يحرقوا منازل البلدة كلها وأن لا يُبقوا على رجل أو طفل ذكر فيها. فكانت إبادة رهيبة كاملة.. وكانت معركة بطولة وشهادة دفعت فيها العقبة الثمن الأكبر من خيرة رجالها ونسائها وأطفالها. ويُقال أحرقت بيوتها جميعاً ما عدا بيتاً واحداً كان ملتصقاً بجدران خلوة دينية. حاولوا حرقه ثلاث مرات فلم يحترق إذا كان الدخان يتحول لونه أبيض بشكل فارس فوق حصانه. حتى اعتقدوا بسر روحي جعل حرقه عصياً عليهم. فبقي أثراً من بلدة العقبة ما قبل الثورة لليوم.
اما الشهداء فتم إحصاء بعض أسمائهم. منهم: علي كليب، فايز كليب، أجود كليب، جادالله كليب، صقر كليب، خزاعي حماد، حسين حماد، قاسم أحمد حماد، حسين علي حماد، سعيد الأخرس حماد، يوسف حماد، حسين أحمد حماد، يوسف حسن سعد، فارس يوسف سعد، يوسف أبو شهلا، محمد أبو شهلا، أسعد أبو شهلا، سليمان دحسون، نمر دحسون، غصن حمود، قاسم حمود، أحمد حمود، يوسف حمود، عبدالله حامد، علي عز الدين، حسن صافي،
علي أبو علي، سليمان أبو علي، حسين أبو علي، يوسف الهبري، يحيى الهبري، سعيد عساف، أحمد زيدان، شاهين حمادي، يوسف حمادي، محمد حمادي، محمد سليم، أحمد مرعي، ملحم فاعور، نايف فاعور، يوسف فاعور، محمد فاعور….
عيحا
أما عيحا فهي البلدة الأقدم تاريخاً في منطقة راشيا مع وجود آثار من الحقبة الرومانية تعود الى ما يزيد عن 2000 عام، يقع على رابية من روابيها مقام أحد حدود دعوة التوحيد وهو بهاء الدين التميمي ويُسمّى «مولاي بهاء الدين» كمعلم لذكرى مروره فيها منذ أكثر من ألف عام… ومنها الشيخ علي شقير المجاهد البطل ضد إبراهيم باشا المصري عام 1835 م. ورجالها عبر التاريخ مشهورون بعزة النفس وأنفة الروح وحمل راية الحق والجهاد.
قدّمت عيحا للثورة السورية الكبرى عام 1925 ما يزيد عن 10 شهداء نذكر مَن وصلتنا أسماؤهم من مجايلي الثورة والمجاهدين، وهم:
– يوسف حسين أبو لطيف، محمد يوسف أبو لطيف، جميل حمود أبو لطيف، قاسم بهاء الدين أبو لطيف، يوسف بهاء الدين أبو لطيف، يوسف سليمان أبو لطيف، يوسف السقعان، أسد السقعان، الشهيد حسين السقعان، قاسم البرقشي…
كفرقوق
وبلدة كفرقوق تقع فوق رابية وحولها مطلة على سهل فسيح يتوسطها وبلدة عيحا وراشيا اشترك كثير من رجالها في الثورة. وأجاب من سئلوا عن شهدائها بأن ارتقى من مجاهديها ثلاثة شهداء في الثورة السورية الكبرى 1925 ضد المنتدب الفرنسي، وهم:
علي مرعي أبو درهمين، محمود عبد الخالق والشهيد محمد شرف.
أسعد عرمون: عائلات أبيدت كاملة وانقطع نسلها في مجدل شمس
وفي حديث خاص لموقع الجولان.أورغ للشيخ المجاهد أسعد عرمون الجوهري من مجدل شمس عن مشاركته في الثورة السورية الكبرى عام 1925، وشهداء منطقة إقليم البلان، الذي كان تابعاً إدارياً لراشيا حينذاك، قال: أول مَن استشهد في الثورة كان سعيد إبراهيم أخو عباس إبراهيم. كنا أنا وحسن شمس وحسن رباح وأخوه الذي انتقل لفلسطين وأخي قاسم الذي كان معه رشاش نقاتل معاً. أخي قاسم والشيخ طاهر وحوالي 20 رجلاً كانوا في تلة الريحانة في آخر معركة. في الاسكندري قصفت الطائرة وقتل محمد قاسم إبراهيم وأولاد شبلي إبراهيم وزوجته. في السلوط قتل منا 8 أشخاص وقتلنا منهم 8. منهم سلمان صالح الصفدي وظريفة زوجة سليم أيوب. حسن شمس قادنا خلال المعارك.
شاركت في كل المعارك ما عدا معركة الفالوج في لبنان، لأن إبن عمي حسن كان مصاباً واضطررت للبقاء بجانبه.
فارس سراي الدين أصيب في معركة سحيتا ومات في الجبل، في المعركة نفسها التي قتل فيها فؤاد سليم.
كانت حربنا حرب عصابات وليست مواجهة مع الجيش، لأننا لا نستطيع مواجهة جيش كبير.
محمد زهوه قتل في باب الزقاق في بقعاثا كان من سكان مجدل شمس. يوسف أبو عقل قتل في معركة قلعة جندل. حسن عرمون هاجر إلى أميركا وعاد. كان معي بارودة ألمانية أم كركر . حمد يوسف أبو عقل قتل في معركة قلعة جندل. وعلي سماره قتل في الشوكتليه. عبدالله خاطر قتل في دورين الشوكتليه. سلمان نخله قتل في الطريق إلى حوران – مع العرب. سلمان إبراهيم قتل في تلة الريحانة. سليمان الشاعر قتل في جبل العرب – مع العرب.
هناك عائلات استشهد كل أبنائها فاندثرت: بيت العزقي كان بيت واحد وقتل الأولاد الثلاثة في الثورة واندثرت العائلة، كذلك بيت العرموني قتل أولادهم الثلاثة في الثورة واندثرت العائلة، منهم أحمد العرموني.
سليم مرعي قتل في كرم بيت الشوفي في سهلة الكروم. حسين أبو زيد قتل في الثورة. قاسم محمد أبو زيد، خالي، قتل في حارة العريض، بعد أن تركنا البلد ودخلها الجيش حاول أن يعود لتفقد الأحوال فقتله الجيش. بعد أن تركنا البلد رجعت في الليل مع حسن أبو جبل إلى بيتنا وأخذنا نعارة دامي أي جرة لبن كي نأكلها.
ويتابع: يوسف العفلق قتل فوق بانياس، وأخوه قاسم العفلق قُتل في راشيا الوادي. أخوهم صالح العفلق قتل في الطريق إلى جبل العرب السلوط. نجم أبو فياض قتل قرب بقعاثا المنفوخة. حسين أبو زيد وحسين الحرفاني قتلوا لا أعرف أين. فندي سيف زلمة الشيخ كنج قتل بقلعة جندل مع سعيد إبراهيم الذي قتل بجانبي. ثلجة أبو عرار وثلجة أبو زيد كانوا ينخون الرجال على القتال.
ورحيل المجاهد أحمد أحد أبطال قلعة راشيا
وكتب نبيه عويدات، يوم السبت 24/06/2006، ناعياً المجاهد الشيخ قاسم سيد أحمد، «شيّعت جماهير الجولان، يوم أمس الأول الخميس 22 حزيران 2006، جثمان المجاهد الشيخ قاسم سيد أحمد، الذي شارك في الثورة السورية الكبرى عام 1925. وقد أقيم للراحل حفل تأبين وألقيت كلمات عدة عدّدت مناقبه، مبرزة مشاركته في معظم المعارك الكبيرة التي دارت في منطقتي إقليم البلان ووادي التيم ضد قوات المنتدب الفرنسي.
ولد المرحوم قاسم علي حمود السيد أحمد عام 1900م، في بيت فلاحين متواضع الحال، وعاش طفولة فقيرة عاملاً في زراعة الحبوب التي اعتاشت منها عائلته. وعند بلوغه سن الشباب نشبت الثورة السورية الكبرى، فشارك في المعارك التي نشبت ضد الفرنسيين في منطقة إقليم البلان، بهدف تخفيف الضغط عن الثوار في جبل العرب، فالتحق بالثورة كمتطوّع. وبعد طلب الأمير عادل أرسلان من الثوار القتال بشكل رسمي في جيش الثوار، لكل مَن يستطيع ذلك، انضم المرحوم رسمياً للثورة وبقي محارباً في صفوفها حتى انتهائها عام 1927، فشارك في معظم المعارك التي دارت في منطقتي إقليم البلان ووادي التيم حتى راشيا الوادي.
ويروى عن المجاهد أنه لم يكن يمتلك مالاً لشراء بندقية للقتال، فكان كالكثير من الثوار يتحيّن الفرص ليكسب من الجيش الفرنسي سلاحاً خلال المعارك التي كان يشارك فيها بداية بالسلاح الأبيض، فتمكّن من الحصول على بندقية في معركة راشيا الوادي الشهيرة.
بعد الثورة عاد المجاهد قاسم سيد أحمد إلى بيته في مجدل شمس، ولكن سبل الحياة ضاقت به، فاضطر إلى التنقل إلى أكثر من مكان طلباً للقمة العيش الكريمة، منها لبنان وجبل العرب وفلسطين، ليعود بعد النكبة عام 1947 إلى مجدل شمس ليستقرّ نهائياً هذه المرة وينشئ أسرة، وبقي يعمل مزارعاً مخلصاً للأرض حتى سنواته الأخيرة.
كان المرحوم رجل دين وتقوى منذ شبابه وتوفاه الله مساء الأربعاء 21 حزيران 2006 عن 106 أعوام».
سطر واحد من قائد الثورة يحرّر محكوماً بالإعدام في دمشق
خرجت من القصر الجمهوري في دمشق مرة سيّدة حلبية تتبرّم وتبحث عمّن يمكنه فكُّ حبل المشنقة عن عنق أخيها المحكوم بالإعدام قريباً. شكت لسائق سيارة أجرة من حمص مصابها فأشار عليها أن تذهب لقائد الثورة السورية سلطان الأطرش. وكانت قد قطعت الأمل وتهم بالعودة إلى حلب لتهيئ تشييع أخيها بعد إعدامه. وبعد جدال وافقت بقصد سلطان وطلب تدخله. لعل وعسى. فاتجها بسرعة إلى بلدته القريّا في محافظة السويداء.
وصلا فوجدا المضافة خاوية إلا من رائحة القهوة العربية الأصيلة والتواضع الذي يملا النفس من حطام الدنيا الفانية. فكان في أرض الديار طفل تعلّم على صغر سنه حسن الاستقبال فهتف لجده بأن الضيوف على الأبواب.
قدم سلطان متريثاً يهلل ويكرم الضيوف، ولكن السيدة الحلبية لم يشفِ غلَّها وحزنَها تواضع السلطان ولا تريّثه في استماع المقصوص. فالأمل لديها مفقود.
طلب الباشا سلطان دفتراً وقلماً وشقّ من الدفتر جزءاً من إحدى صفحاته. وكتب عليها سطراً واحداً وقال «انشاالله بيصير خير».
خرجت السيدة والسائق متجهين إلى دمشق وعند باب القصر استوقفها الحرس. فالسيدة لكثرة مراجعاتها أصبحت معروفة منهم وكذلك مفروغ الأمل من الحكم على اخيها. فقالت لهم: «هذه المرّة أحمل رسالة من القائد العام للثورة السورية الكبرى عندها استقبلها الرئيس شكري القوتلي وأخذ الرسالة الملفوفة من يدين حملت هماً كبيراً وبقلب بدأ يشعر بأمل جديد… وقال القوتلي واقفاً: بشرط ألا يعاود أخوك الكرّة. فخذيه وانصرفي. ولكن الصبر لا ينفعها ودقات قلبها لم تتركها ثابتة حتى تعرف ماذا حمل ذاك السطر الصغير على ورقة مشلوخة من دفتر قديم..
المفاجأة أنها أخذت أخاها وعادت أدراجها إلى القريّا شاكرة ممتنة. علمت مَن هو قائد الثورة الحقيقية، والسطر هو: «بقايا سيوف الثورة السورية الكبرى تطالب بالإفراج عن السيد المحكوم».