العبادي والعقوبات على إيران
ناصر قنديل
– لا يمكن أن يختلف إثنان في محور المقاومة، خصوصاً من العراقيين على أمرين الأول أن إيران مهما كانت التباينات حول طبيعة علاقتها الثنائية بالأطراف العراقية هي العمق الاستراتيجي لكل قوة وطنية عراقية مناوئة لمشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة، وهي الداعم الرئيس لكل حركة مقاومة بوجه «إسرائيل». والثاني أن إيران تواجه اليوم عقوبات أميركية ظالمة بسبب هذا الموقف الداعم لخيار رفض الهيمنة الأميركية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
– الأكيد أنه مهما كانت خصوصيات أي حركة وطنية عراقية، فلا قيمة لوطنية عراقية أو قومية عربية بلا هذين البعدين. وبالتالي فإن موقف الوطنيين العراقيين يجب أن يكون صارماً وحاسماً من هذه العقوبات الأميركية على إيران، باعتبار هذا الموقف واحداً من موجبات التعبير عن وطنيتهم وعروبتهم. فكيف إذا كان الحديث عن القوى العراقية التي بنت حضورها ورصيدها ونجاحاتها على الكثير من الدعم الإيراني في وصولها لسدة الحكم وفي نجاحها بتخطّي محنة داعش التي خطّطها وصمّم لها ورعاها الأميركيون، وفي طليعة هؤلاء رئيس الحكومة العراقية المرشح لولاية جديدة حيدر العبادي.
– بعض القوى العراقية تحاول منذ مدة تسويق نظرية مريبة عنوانها أن العراق في سعيه لبناء أفضل علاقات مع الجيران والتعبير عن عروبته وإسلاميته معاً يجب أن يكون متوازناً بين إيران والسعودية. وكأن أميركا و»إسرائيل» ليستا موجودتين. وكأن الموقف منهما ومن مشاريعهما ليس معياراً حاسماً في تحديد العلاقات بالآخرين وصياغة مفهوم للعروبة والإسلام، وليس جديداً القول إن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي من الذين يسوّقون لهذه النظرية بل يعتبرون الانفتاح على السعودية بعضاً من الترجمة للعروبة.
– إعلان رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي عن الالتزام العراقي بالعقوبات على إيران مستغرب، أمام التضحيات والوقفات الإيرانية مع الشعب العراقي بوجه ما دبّرته أميركا وما فعلته بحق العراق، خصوصاً في ظل موقف تركيا العضو في حلف الأطلسي والتي في سجلها ارتكابات لا تُنسى، لكن موقفها من العقوبات الأميركية يؤكد استقلاليتها عن القرار الأميركي بقياس مصالح تركية أكثر من تحكّم المصالح العراقية بقرار الحكومة العراقية الخاضع للمشيئة الأميركية.
– لا أحد يتجاهل الوضع الصعب للعراق، ولا أحد يدعو لمواجهة العراق مع أميركا كرمى لعيون إيران، مع العلم أن معاناة العراق والعراقيين ناجمة بالأساس عن ضعف التزام القيادات الحاكمة بموجبات مكافحة الفساد قبل أي شيء آخر، خصوصاً أن العقوبات على إيران ليست بسبب خلاف أميركي إيراني على شأن ثنائي، بل هي مباشرة نتاج موقف إيران من حركات المقاومة، وعنوانها فلسطين التي شكلت تاريخياً عنواناً للإجماع العراقي، ولكن رغم ذلك لا أحد يطلب من العراق الخروج لمواجهة مع أميركا.
– الأحرى بالحكومة العراقية كان إذا كانت تشعر بالحرج أن تبادر بالدعوة لاجتماع وزراء خارجية لدول جوار إيران بحضور وتمثيل إيراني لمناقشة الموقف من العقوبات الأميركية التي تخرج عن القانون الدولي وتتجاهل قرار مجلس الأمن الدولي برفع العقوبات. وسيجد العراق في مواقف دول الجوار الإيراني التي تشكّل تركيا وباكستان الدولتان الأهم فيها واللتان تتخذان موقفاً واضحاً برفض العقوبات على إيران، وقد قرّرتا مواصلة شحنات النفط والغاز والسلع التي تحتاجها أسواقهما من إيران، ما يمكّن العراق من التشارك معهما ومع دول جوار إيران كأذربيجان التي ترتبط باتفاقية تعاون إستراتيجي ثلاثية مع إيران وروسيا تتضمّن خطوط سكك حديد وربط كهربائي. ويستطيع العراق القول أنه سيواصل استجرار الكهرباء وتسديد ثمنها لإيران رغم العقوبات الأميركية. وهو يشكو من توقف إيران عن تزويده بالطاقة الكهربائية، لأن حكومته توقفت عن سداد موجباتها طلباً للرضى الأميركي.
– القوى الوطنية في العراق، خصوصاً قوى المقاومة مطالبة بجعل عدم الالتزام العراقي بالعقوبات على إيران واحداً من معايير تسمية رئيس الحكومة الجديد، والرئيس حيدر العبادي مدعوّ لإعادة النظر بموقفه بكل محبة واحترام.