500 قتيل وجريح في ريفي إدلب وحلب في معارك النصرة و»الجماعات التركية»
كتب المحرّر السياسيّ
مع خريطة الطريق التي رسمتها الانسحابات المتوازية والمتزامنة للمسلحين الأكراد ومسلحي الجماعات التركية من منبج، ظهرت خريطة الطريق الرديفة باندلاع الاشتباكات العنيفة بين جبهة النصرة ومسلحي الجماعات التركية، في ريفي إدلب وحلب بحصيلة خمسمئة سقطوا بين قتيل وجريح في يومي التقاتل اللذين شهدا قصفاً مدفعياً متبادلاً وهجمات على البلدات التي يسيطر عليها الفريقان تمكن خلالها مسلحو النصرة من تعزيز وضعهم في ريف حلب وسيطر مسلحو الجماعات المدعومة من تركيا على عدد من مواقع النصرة في ريف إدلب، ما وضع معركة إدلب على الطاولة، حيث قالت مصادر متابعة إن الجيش السوري الذي وضع خطط عملية عسكرية شاملة لتحرير المنطقة قد استنفر قواته تحسباً لتطورات الميدان وما قد تفرضه من تحركات سريعة لحسم الوضع.
لبنانياً، لم تنجح المحاولات المتعددة لتدوير الزوايا في الشأن الحكومي في إحداث أي اختراق، رغم وجود اقتراحات عديدة على طاولة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، أصرّت مصادره على نفي قبوله بأي منها، تاركاً الباب مفتوحاً فقط لتفاهم اللقاء التشاوري ورئيس الجمهورية على مرشح يحظى بموافقته ليفرج عن الحكومة، وربطت مصادر متابعة تعنُّت الحريري بالنقاشات الجارية حول القمة الاقتصادية العربية المقررة في بيروت في 19-20 من الشهر الجحالي، واحتمالات دعوة سورية للمشاركة فيها، ورغبته بالانتظار لحين توضيح صورة القمة، التي قالت مصادر دبلوماسية في القاهرة أن تداولاً يجري في أروقة الجامعة العربية بتأجيل القمة، وهو ما يحتاج رسمياً لانعقاد المجلس الوزاري لوزراء الخارجية العرب. وعزت المصادر طرح التأجيل لتحرّك لبناني رئاسي يطالب بترجمة المساعي العربية بالانفتاح على سورية بتمكين لبنان من تحويل قمة بيروت إلى قمة المصالحة العربية مع سورية، مقابل رسائل وصلت من الرئيس الحريري تتحدّث عن إحراج للحريري بحضور سورية قبل المصالحات العربية معها وتفضيله تأجيل القمة لما بعد المصالحات المرتقبة في قمة تونس، وأضافت المصادر أن التعثر الحكومي هو أحد أسباب التفكير بالتأجيل، ما يعني أن استمرار التعثر هو شرط لنجاح التأجيل تفادياً لدعوة سورية.
مصادر سياسية مطلعة استغربت مسعى الحريري للتأجيل واعتبرته خروجاً على اتفاق الطائف الذي يقوم على ركيزتين هما العلاقة المميّزة مع سورية والسعي لإلغاء الطائفية، وتغيبان معاً عن النشاط والمواقف الحكومية اللبنانية. وأضافت المصادر أن استحقاق العلاقة المتميزة بسورية لن يسقط بتأجيل القمة، فما يبرر السعي لدعوة سورية إلى القمة حتى لو أدّت الدعوة إلى إلغاء القمة وليس فقط تأجيلها هو أن ما بين لبنان وسورية أكبر بكثير من القمة وما سينتج عنها. ومن غير الطبيعي أن يستمر في لبنان مَن يعمل ضد العلاقات المتميزة بين لبنان وسورية ويتولى المسؤولية التي توجب على كل مسؤول وضع المصلحة الوطنية اللبنانية فوق كل حساب أو ولاء لا ينبعان من هذه المصلحة. والمصلحة اللبنانية واضحة في التشابك الاقتصادي بين اسواق البلدين، وفي كون سورية ممر لبنان الإلزامي والوحيد نحو الأسواق العربية، إضافة لفرض إعادة الإعمار التي تنتظر سورية وينتظرها الكثير من اللبنانيين، وملف النازحين السوريين في لبنان، وملفات التعاون الأمني والسياسي التي نصت عليها معاهدة الأخوة والتعاون بين البلدين والتي لا تزال سارية المفعول وتلزم كل مسؤول باحترام مندرجاتها، سواء عقدت القمة أم تم تأجيلها أو إلغاؤها.
الحكومة في حلقة مفرغة
لم تُفضِ مروحة المشاورات التي انطلقت مطلع العام الحالي الى أيّ جديد على صعيد تذليل العقد الحكومية، إذ إنّ محاولات رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل لا تزال تدور في حلقة مفرغة واقتراحاته القديمة الجديدة تسقط الواحدة تلو الأخرى على أعتاب رفض الرئيس المكلف و»اللقاء التشاوري»، ما دفع بمصادر مطلعة على ملف التأليف للقول بأن كل الاقتراحات الباسيلية تقف عند حدود احتفاظ التيار الحر ورئيس الجمهورية بالثلث الحكومي المعطل أي 11 وزيراً.
أما اللقاء الأخير بين باسيل والرئيس سعد الحريري في بيت الوسط فلم يحقق تقدماً في عقدة تمثيل اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين، وقالت مصادر بيت الوسط لـ»البناء» إن «جميع اللقاءات حتى الآن لم تصل الى صيغة توافقية على تمثيل اللقاء التشاوري والجهود تتركّز على اختيار اسم غير جواد عدرا يسمّيه اللقاء التشاوري ويوافق عليه الحريري ويكون من حصة الرئيس ميشال عون وليس تكتل لبنان القوي»، لكن المصادر لفتت الى أن «الرئيس الحريري لا يمانع أي حل يحظى بتوافق القوى المعنية بالعقدة الأخيرة، لكن ليس على حساب تيار المستقبل»، وأشارت الى أن «الوزير باسيل لم يقدم صيغة حل واضحة على الرئيس الحريري بل جملة أفكار غير نهائية وغير مكتملة».
ووفق معلومات قناة «أو تي في» من مصادر معنية مباشرة بالمشاورات الجارية، يُرجّح أن تكون باسيل نفسه، أن الأخير «عرض على الحريري خمسة أفكار تتضمن خمسة مخارج، يتمحور النقاش حول ثلاثة منها راهناً، وطرح الحكومة المؤلفة من ستة وثلاثين وزيراً ليس من ضمنها»، وتؤكد أن طروحات باسيل الخمسة كانت شملت صيغاً حكومية من 30 و32 و36 وزيراً، لكل منها ظروفها وانعكاساتها، فصيغة الـ 32 طرحت من ضمن مقاربة جديدة تحترم عدالة التمثيل وتفتح الباب على الحل. اما صيغة الـ 36 فبحثت من زاوية تشكيل حكومة تستوعب جميع الكتل النيابية، وحتى الصغيرة منها، بما يجعل جميع الممثلين في المجلس النيابي شركاء في التركيبة الحكومية، وفي المحصلة، تتوقع المصادر المذكورة أن تتواصل حركة الاتصالات البعيدة من الإعلام بوتيرة كثيفة جداً، متوقعة أن تفضي حركة باسيل الى حل أكيد في الأيام القليلة المقبلة». وتختم المصادر أن اليومين الأولين من العام الجديد أظهرا ان باسيل يمسك إيجابياً بملف حلحلة العقد المتبقية أمام تشكيل الحكومة بما يُوحي أن الحل بات في متناول اليد… إلا إذا…».
غير أن الحريري أبلغ باسيل بحسب المعلومات المتداولة رفضه صيغة 32 وزيراً، كما اعتبر طرح 36 وزيراً دوراناً حول أفكار قديمة سبق أن رفضها الحريري الذي يفضل حكومة من 30 وزيراً وأقل وليس أكثر. كما تشير المعلومات الى أن الحريري وافق على حكومة من 24 وزيراً. في المقابل استبعد عضو اللقاء التشاوري النائب الوليد سكرية تأليف الحكومة في وقت قريب إذا بقي الفرقاء على مواقفهم الحالية»، مشيراً الى ان الوزير الذي سيمثّل «اللقاء التشاوري» يجب أن يكون مستقلاً وليس من حصة لا رئيس الجمهورية ولا غيره». وإذ قال إن «من غير الوارد إعادة تعويم اسم جواد عدرا»، لفت في تصريح الى «ان أي طروحات جديدة لم تُقدّم الى «اللقاء التشاوري» كما لا تواصل معه حتى الساعة»، معرباً عن الاستعداد لتقديم أسماء جديدة لتمثيل اللقاء شرط أن تصدر عنه».
وإذ تمكنت قيادتا حزب الله والتيار الوطني الحر من تطويق ذيول وتفاعلات الخلاف الحكومي في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كان لافتاً استمرار حملات التشكيك من بعض نواب التيار الحر بموقف حزب الله من نيل رئيس الجمهورية الثلث الحكومي وأكثر، علماً أن التيار أكثر من اختبر صدقية موقف الحزب في انتخابات الرئاسة الأولى حيث تعرض الحزب لأقصى حملة اتهامات من القوات اللبنانية وتيار المستقبل بتعطيل انتخابات الرئاسة والدولة برمتها طوال عامين من أجل إيصال حليفه ميشال عون الى سدة الرئاسة.
كما كان لافتاً ما قاله نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي من عين التينة رداً على سؤال أن يكون الوزير ممثلاً حصراً للقاء التشاوري: «المبادرة الرئاسية لم تتطرّق الى هذا التفصيل، وهي تحدثت ان الوزير سيكون من حصة الرئيس، واعتقد أن رئيس الجمهورية قام بما هو اكثر من المطلوب، وبالتالي فان هذا الموضوع هو موضع نقاش ونأمل أن ينال تجاوباً من جميع الاطراف وسنرى ماذا سيحدث».
وأشارت مصادر سياسية مقربة من بعبدا لـ»البناء» الى أن «الرئيس عون يعمل بقدر جهده لتأليف الحكومة لإنقاذ الوطن بدرجة أولى ولإنقاذ عهده أيضاً»، لكنها اشارت الى ان «أي فشل يصيب العهد لن يطال الرئيس عون فحسب، بل الرئيس المكلف سعد الحريري وكل القوى السياسية الأخرى»، وأوضحت أن «العقدة في الأساس هي في غياب التفاهم السياسي منذ تكليف الرئيس الحريري وكان يجب الحوار في التفاصيل الحكومية والسياسات المقبلة التي ستعتمدها»، مشيرة الى أن «الأزمة ليست أزمة حكومية وأبعد من الصراع على الثلث الضامن، بل نحن نعيش أزمة نظام سياسي برمّته لم يعد صالحاً في وقتنا الراهن بل «خدم عسكريته» وبات ولاداً للازمات»، مؤيدة دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري بأن الحل هو الدولة المدنية»، مشددة على أن الرئيس عون من الداعمين لخيار الدولة العلمانية وإلغاء الطائفية السياسية وهو جاهز لقيادة حوار ونقاش وطني بين اللبنانيين حول هذه الملفات».
هل تُدعى سورية إلى القمة؟
ولفتت المصادر الى ضرورة دعوة سورية الى القمة الاقتصادية المرتقبة في بيروت، حرصاً على مستقبل العلاقات اللبنانية السورية لا سيما مع الانفتاح العربي على سورية»، موضحة أن «رئيس الجمهورية يريد توجيه دعوة الى سورية وهو يجري مشاورات داخلية وعربية في هذا الصدد بما يصبّ في هذا التوجه». وقد تحدثت معلومات عن توجه وزير الخارجية اللبناني الى دمشق خلال الأيام القليلة المقبلة لتسليم وزارة الخارجية السورية دعوة لحضور القمة». إلا أن مصادر التيار الحر لم تؤكد ولم تنفِ هذه المعلومات، بينما لفتت مصادر الحريري لـ»البناء» الى أن الرئيس المكلف لم يحسم قراره في هذا الملف وهناك متسع من الوقت لاستكمال المشاورات مع رئيس الجمهورية في هذا الأمر لاتخاذ القرار المناسب»، موضحة أن تأجيل القمة ربما يكون من الخيارات القائمة، وأن قرار دعوة سورية لا يتعلق بالحريري فقط ولا حتى بلبنان بل بجامعة الدول العربية وبمصلحة لبنان العليا وبالملفات العالقة بين البلدين».
ورأت كتلة الوفاء للمقاومة عقب اجتماعها الاسبوعي أن «لبنان معني بدعوة سورية للمشاركة في القمة الاقتصادية العربية، لما في ذلك من قوة للبنان ومصلحة استراتيجية له، خصوصاً أن الظروف الراهنة تشهد مناخاً عربياً إيجابياً تسارع فيه الدول العربية للعودة الى سورية، فيما لبنان الجار الأقرب وصاحب المصلحة الاكيدة يجدر به ان يكون في طليعة المبادرين لتعزيز هذا المناخ».
إضراب اليوم
وفي ظل تعثر مسار التأليف ولا اكتراث المسؤولين لغضب الشارع ومعاناة المواطنين اليومية جراء تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والبيئية، يتحضّر العام الجديد لاستقبال موجة من الاحتجاجات تبدأ اليوم بالإضراب العام الذي دعا اليه الاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية، وكذلك سلسلة التظاهرات التي دعت اليها بعض الأحزاب بدءاً من يوم الأحد في الثالث عشر من الشهر الجاري» . وإذ شنت قناة «او تي في» هجوماً لاذعاً على الإضراب وعلى الداعين اليه لا سيما رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر متهمة إياه بالتبعية لبعض أطراف السلطة، قالت مصادر معنية بموضوع الإضراب لـ»البناء» إن «الإضراب محصور بهدف الضغط لتأليف الحكومة وليس موجهاً ضد فريق معين»، واتهمت أصحاب العمل بالضغط على العاملين لثنيهم عن المشاركة في الإضراب كالتهديد بصرفهم أو حسم الراتب»، ولفتت الى أن «قرار الهيئات الاقتصادية يحمل تهديداً مبطناً للعمال بهدف إفشال الإضراب»، واوضحت أنه «بعد الإضراب سيجري تقييم الموقف ويبنى على الشيء مقتضاه»، ولفتت الى أنه «من المبكر اللجوء الى خيار الشارع لما لذلك من خطر أمني والخشية من دخول طابور خامس على الخط وما حصل في الحمرا خير مثال على فوضى الشارع».
الى ذلك، نبّه وزير المال في حكومة تصريف الاعمال علي حسن خليل الى «ان إذا تأخر تشكيل الحكومة شهراً إضافياً، فقد لا تتوفر الأموال لوزارات عديدة وعندها سنكون مضطرين لإيجاد سبل لتأمينها». وقال، بعد لقائه الحريري، «ان فكرة انعقاد مجلس وزراء لمناقشة واقرار الموازنة، ليست تحدياً لأحد، ونحن لسنا على خلاف مع الرئيس الحريري حول هذا الموضوع، لكن الأمر يحتاج الى مزيد من الدرس والمشاورات، على رغم اننا نعتبر ان هذا الأمر دستوري، اذ إن مفهوم تصريف الأعمال للحكومة المستقيلة بالمعنى الضيّق يجوز لشهر او شهرين، لكن عندما تطول مهلة تشكيل الحكومة وتتأخر، هناك سابقة مع حكومة الرئيس رشيد كرامي يمكن الاستناد إليها، لانه إذا تأخر تشكيل الحكومة شهراً إضافياً، فقد لا تتوفر الأموال لوزارات عديدة وعندها سنكون مضطرين لإيجاد سبل لتأمينها».