الأميركيون نحو تحجيم الحكومة اللبنانية!
د. وفيق إبراهيم
القرار البريطاني الأخير الذي اعتبر الجناح السياسي لحزب الله إرهابياً كجناحه العسكري، ليس بريئاً لا على مستوى التوقيت ولا لجهة الأهداف.
ويُغطّي حركة أميركية مرتقبة تجاه حكومة سعد الحريري، باعتبارات السياسات البريطانية ليست إلا تغطية للأهداف الأميركية، والتزاماً لصيقاً بها. كما تدلّ التجارب…
إلا أنّ البريطانيين سبقوا الأميركيين هذه المرة ولم ينتظروهم.
لكنهم فتحوا بقرارهم إدانة الجناح السياسي لحزب الله بالإرهاب إشكالية عميقة، لأنّ الحزب مشارك في الحكومة اللبنانية، ما يفتح عليهم مقاطعة حكومة سعد الحريري التي يمتلك حزب الله وحلفاؤه وزناً كبيراً فيها.
وأيّ عداء بريطاني لحزب الله يسري على كامل الحكومة… فهل تريد بريطانيا العظمى قطع العلاقات مع لبنان ولماذا؟
يتزامن هذا القرار مع مستجدّات: أوّلها التراجع الأميركي في سورية، حصار إيران ومقاطعتها، وبدء صعود دور حزب الله في الحكومة اللبنانية.
لذلك وانسجاماً مع توقيت القرار يبدو الحزب مستهدفاً لأسباب إيرانية وسورية… ولبنانية، فماذا فعل الحزب حتى استثار غضب الإنكليز؟
قاتل الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان بين 1982 2000، داحراً عدواناً إسرائيلياً آخر في 2006 ملتزماً الانخراط في مقاومة لا هوادة فيها إلى جانب الدولة السورية وإيران وروسيا، في وجه إرهاب معولم مدعوم من الخليج وواشنطن وتركيا. وانتصر عليه بالضربة القاضية.
فما الذي أغضب الحكومة البريطانية حتى اتخذت قراراً باعتباره إرهابياً على مستوى جناحيه السياسي والعسكري؟
ولماذا صدر هذا القرار الإنكليزي الآن؟
ولم تعلنه سابقاً؟
تكشف هذه العجالة، أنّ حزب الله لا يقترف أعمالاً إرهابية منذ بدء مسيرته الجهادية قبل 37 عاماً. وله كامل الحق في تحرير بلاده من احتلال إسرائيلي ومقاومته إرهاباً هاجم سورية ولبنان في آن معاً. ما شكل سبباً إضافياً ومزدوجاً للإجهاز عليه في ميادين الشام وجبال عرسال اللبنانية؟ فهل هذا الأمر ممنوع عند إمبراطورية إنكليزية كانت تستعمر العالم وتصدّت لها مقاومات في أكثر من بقعة من العالم.
هذا ما يفرض التنقيب عن أسباب جديدة لقرار حكومة تيريزا ماي… فلا يظهر إلا قرار الحزب بالبدء في إعادة إنتاج دولة لبنانية تؤمّن الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ويتراكم سنوياً ثلاثون ألف عاطل عن العمل مشكّلين 35 في المئة من شباب لبنان، هذا إلى جانب ديون فاقت المئة مليار دولار.
وحرصاً من الحزب على اللبنانيين الذين يشكلون طوق حماية أساسية له، رأى أنّ ضرب الفساد اللبناني هو الطريقة الوحيدة لازدهار البلاد..
لذلك أنشأ جهازاً من نوابه ومسؤوليه، لاقتفاء أثر الفساد وابتداع خطة لتدميره فتبيّن له، أنه سياسي بالدرجة الأولى ناتج من فئات النظام السياسي اللبناني المحتمي بطائفية النظام… ولا بدّ لإجهاضه من كشفِ بؤر الفساد المغطى بالسياسة.. وهذه عملية كبرى من شأنها توجيه أصابع الاتهام إلى مرحلة الحريرية السياسية منذ 1992، والتي تحالفت داخلياً مع كتل كبرى. وأفسحت المجال لقواها وحلفائها للسطو على نحو خمسة أضعاف الميزانية العامة للبنان. وفي بلد لا يعرف إلا الاستدانة ولا ينتج شيئاً.
إنّ تصدّي الحزب للفساد السياسي جعله محور الاهتمام اللبناني، ومهيّئاً لصعود هامّ كمؤتمن على مصلحة «الجماعة الوطنية» وحريصاً على المال العام.
وهذا لا يأتي إلا على حساب تراجع المحور الموالي للغرب والخليج من أحزاب المستقبل الحريري والقوات الجعجعي والاشتراكي الجنبلاطي.
لذلك يبدو أنّ الخشية الغربية على حلفائها في لبنان، تجلى في دفع بريطاني لإصدار قرار باتهام الجناح السياسي للحزب بالإرهاب. على أن يبقى الأميركيون في حالة ربط نزاع مع حكومة الحريري فإذا ما اقتربت لجنة حزب الله من النجاح في مشروع ضرب الفساد، فإنّ إعلاناً أميركياً ـ بريطانياً قد يتجه لقطع علاقات معظم الدول الغربية بحكومة لبنان بذريعة أنها تضمّ حزباً إرهابياً.
فهل يمكن تفسير الخطوة البريطانية إلا في هذا الإطار؟ إنها حركة استباقية للمحافظة على القوى السياسية اللبنانية الموالية للغرب والخليج، مع منع حزب الله من حق الارتقاء السياسي وتحالفه مع إيران التي تتعرّض بدورها لأعنف مقاطعة أميركية تشارك فيها إنكلترا.
ويبدو أنّ استمرار الدور العسكري ـ السياسي للحزب في سورية، علاقة بالقرار الإنكليزي.
الأميركيون مستعدّون إذاً لتعطيل بناء دولة لبنانية منتجة ومزدهرة، فهل ينجحون بذلك؟
لا شك في أنّ حزب الله وشبكة الأمان اللبنانية والإقليمية التي يتمتع بها جاهزة لمجابهة كلّ أنواع المخاطر بما فيها الاستعداد الأميركي لتعطيل حكومة سعد الحريري.