الانتخابات العراقية وأهمّيتها للعراق والمنطقة
حميدي العبدالله
الانتخابات التي ستجرى في العراق في 30 نيسان الجاري، تشكل علامة فارقة في تاريخه المعاصر، وتمثل منعطفاً كبيراً في السياق الذي يعيشه العراق منذ الاحتلال الأميركي إلى اليوم.
تتمثل أهمية هذه الانتخابات بل تاريخيتها، في أمرين أساسيين:
الأمر الأوّل، أنها أوّل انتخابات تعددية تجرى في العراق الجمهوري بعد سقوط النظام الملكي وبعد الاحتلال الأميركي للبلاد.
الأمر الثاني، أنها أول انتخابات تعددية تشكل انعطافاً في مسيرة التعددية التي أرساها الاحتلال والقائمة على إثارة النـزعات العرقية والمذهبية والطائفية.
في ما يتعلق بالأمر الأول، من المعروف أن الانتخابات التي جرت في العراق منذ عام 2004 حتى الآن كانت تتم تحت سيطرة قوات الاحتلال الأميركي التي تحكمت في سير الانتخابات وتحديد نتائجها سلفاً، وهي التي رعت وسهرت وحافظت على بقاء ترتيب الاصطفافات السياسية على النحو الذي يكرس ويضمن استمرار الهيمنة الأميركية على مقدرات الدولة العراقية وعبرها على مقدرات العراق. هذه الانتخابات تتم للمرة الأولى بعد جلاء قوات الاحتلال، وبالتالي يتوقع أن تكون الكلمة الفصل فيها للشعب العراقي ومكوّناته السياسية والحزبية المتنوّعة، وليس لأي جهة أخرى، تحديداً الولايات المتحدة. والامتحان الكبير في هذه الانتخابات يكمن في مدى نجاحها بكنس واستئصال وإبعاد جميع الأشخاص والكيانات والهيئات التي تسعى إلى إبقاء النفوذ والهيمنة الأميركيين، حتى بعد جلاء القوات الأميركية عن البلاد، وبالتالي حصول العراق على استقلاله وسيادته الوطنية الحقيقية التي قدم الكثير من التضحيات للوصول إليها.
أما الأمر الثاني فيكمن في طبيعة نتائج الانتخابات وما سوف تسفر عنها من اصطفافات سياسية جديدة من شأنها تخطي الاصطفافات التي حرصت قوات الاحتلال الأميركية على تكريسها والتي أثرت سلباً في وحدة العراق الوطنية والمجتمعية وقادت إلى شلل الدولة واستشراء الإرهاب وتجذره في مناطق عديدة ونشوء كيانات طائفية ومذهبية وعرقية على حساب وحدة الشعب العراقي.
اليوم يتحدث سياسيون عراقيون بارزون عن أن صيغة المحاصصة العرقية والمذهبية التي سادت العراق في الفترة السابقة، خاصة في السنوات الأربع الماضية، انتهت إلى فشل ذريع، فالدولة مشلولة والأمن في حالة اضطراب شديد والإرهاب روع المواطنين الآمنين الذين فقدوا ثقتهم بالدولة وأجهزتها المختلفة، لا سيما المولجة بالحفاظ على الأمن، والفساد فاق جميع التوقعات وبدد ثروات هائلة، ومعدلات النمو الاقتصادي متدنية إذ يُعتمد حصراً على عائدات النفط لتغذية خزينة الدولة. وإذا استمرت صيغة المحاصصة الطائفية والعرقية والمذهبية في السنوات الأربع المقبلة، وهي مدة ولاية البرلمان الجديد، فهذا يعني أن العراق سوف يتعرض لأخطار التفكك والانفصال وقيام كيانات مذهبية وعرقية بديلاً من الدولة المركزية، وتتعرض وحدة الشعب لأخطار هائلة، كما أن الإرهاب سوف يتصاعد والاقتصاد سوف ينهار، أما إذا استبدلت هذه الصيغة بأخرى قائمة على مبدأ الأكثرية والأقلية السياسية والبرلمانية، وإذا أسفرت الانتخابات عن التخلص من مخلفات الاحتلال ومنفذي وصاياه الذين ما برحوا يهيمنون على الكثير من الدوائر الحكومية، وينشطون عبر الكثير من القوى السياسية، فإن العراق سوف يشهد انبلاج فجر استقلال جديد.
إن موقع العراق الجغرافي وثرواته الهائلة وعدد سكانه، تؤهله لأن يلعب دوراً فاعلاً في إعادة صوغ معادلات المنطقة وتوازناتها لمصلحة الدول والقوى الساعية إلى إعلاء سياسة التحرر والاستقلال الوطني والتنمية، والوقوف في وجه سياسات الهيمنة والتبعية. ولكل ما تقدم، فإن الانتخابات العراقية مهمة لمستقبل العراق ومستقبل المنطقة.