حرب تدمير المخيمات
معن بشّور
فيما كنت أشارك المئات من أبناء مخيم نهر البارد اعتصامهم للمطالبة بالإسراع في إعادة إعمار المخيم الذي استباحته قوى مشابهة لتلك التي تستبيح اليوم مخيم اليرموك، وللضغط على وكالة غوث اللاجئين الأونروا للاستمرار في تقديم التزاماتها للمهجرين التي التزمت بها منذ تدمير المخيم قبل 8 سنوات، تذكّرت كلاماً للرئيس الشهيد ياسر عرفات قاله أمامي عام 1972: «لقد بدأت اليوم حرب تدمير المخيمات».
كنا يومها مجتمعين في ملجأ في مخيم النبطية خلال عدوان «إسرائيلي» على جنوب لبنان في أواخر شباط عام 1972، في ما أطلق عليه اسم حرب المئة يوم، فإذا بالطيران الحربي «الإسرائيلي»، الذي كان يطارد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية من منطقة إلى أخرى، يغير على الملجأ الذي كنا نجتمع فيه، وعلى المخيم الصغير المطل على مدينة النبطية، فيسقط على باب الملجأ شهيدان ويعلن القائد الفلسطيني الشهيد تصريحه الشهير.
لم يطل الزمن كثيراً حتى «اختفى» مخيم النبطية بعد أن توالت الغارات «الإسرائيلية» عليه، ثم بدأت مخيمات أخرى تختفي، حتى وصلنا إلى مخيم اليرموك الذي أعلن رئيس سابق للائتلاف المعارض في سورية أن من «حق مسلحيه أن يقتحموا المخيم، فهو أرض سورية، وينبغي استخدامها في»الحرب» الدائرة فيها وعليها».
فكرة تدمير المخيمات وتشريد أهلها في جهات الأرض الأربع هي فكرة مرتبطة أساساً بمشروع القضاء على «حق العودة» أحد ابرز حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرّف، وهو الحق الذي يرفضه الكيان الصهيوني، بل يعجز، عن الاعتراف به، كما يستحيل على المفاوض الفلسطيني التنازل عنه.
في هذا المشروع تتعدّد أسباب التدمير لكن الهدف واحد، سواء كان الفاعل واضحاً وجليّاً كما كانت الحال مع مخيم النبطية حيث افتتح العدو الصهيوني مباشرة حربه لتدمير المخيمات، لتستكمل تلك الحرب أدوات أخرى بذرائع مختلفة، فتبدأ هجرة جديدة للفلسطينيين من مخيماتهم بعد هجرتهم الأولى من ديارهم وبلادهم.
وهنا، أستحضر أيضاً كلاماً للرئيس الخالد الذكر جمال عبد الناصر بعد سنوات من ثورة «23 يوليو» 1952 حين قال: «إن تصفية القضية الفلسطينية لا تتم إلا بتصفية الشعب الفلسطيني، لأنه ما دام هناك شعب فلسطيني ستبقى القضية الفلسطينية».
ولعلّ ما نشهده اليوم من تدمير للمخيمات في لبنان وسورية يهدف بوضوح إلى إغلاق كل السبل أمام الشعب الفلسطيني كي لا يبقى أمامه سوى الهجرة عبر التهريب في مراكب يبتلع معظمها البحر، أو عبر تأشيرات سفر باتجاه واحد من سفارات دول بعيدة تتعهد حكوماتها تشتيت الشعب الفلسطيني فيما يبدو أنها تساعده.
إنّ إعادة إعمار مخيم نهر البارد في لبنان، واستعادة مخيم اليرموك، وغيره من مخيمات الشتات في سورية، لأهله وسكانه وعودتهم إليه، وتحصين مخيمات لبنان، لا سيّما مخيم عين الحلوة، أكبر مخيمات لبنان، من أي عبث أو اختراق يؤدي به إلى كارثة شبيهة بالكوارث التي سبقت، يجب أن تصبح اليوم على رأس مهام وأولويات كل القيادات والمؤسسات الفلسطينية والعربية والدولية، عبر خطة طوارئ أمنية واجتماعية واقتصادية وتربوية متكاملة تحول دون أي اختراق، كالذي رأيناه بالأمس في مخيم نهر البارد، أو نراه اليوم في مخيم اليرموك، وتغلق كل ثغرة يمكن أن ينفذ من خلالها أعداء فلسطين والعرب الذين «تفننوا» في الحرب على فلسطين باسم فلسطين، وفي الحرب على العروبة باسم العروبة، وفي الحرب على الإسلام باسم الإسلام.
فحين تكون فلسطين البوصلة، وشعبها محلّ احتضان أبناء الأمة جميعاً، يصبح لنا مقياس نقيس بموجبه سلامة أي موقف أو قرار أو سلوك.
اعتصام أهالي نهر البارد بالأمس لا يذكرنا بمظلومية هذا المخيم المهدم والجريح فقط، بل يذكرنا أيضاً بمحنة كل مخيم آخر، لا سيّما مخيم اليرموك، الذي لا يقبل أهله المتمسكون بحق عودتهم إلى ديارهم أي منطق يريد استخدام تدمير مخيمهم، كممر لتدمير دمشق العاصمة التي ما تخلت يوماً عن واجباتها تجاه فلسطين القضية والشعب والمقاومة.
بل إنّ هذا الاعتصام يذّكرنا بظلم الحروب المتنوعة وظلاميتها، وهي الحروب المفروضة منذ عقود على ناسنا وجيوشنا وعمراننا، كما هي حال اليمن اليوم الذي لا ينسى اللبنانيون دور أبنائه من شماله إلى جنوبه في الدفاع عن عاصمتهم بيروت عام 1982 وحيث تدمر مدن وحواضر وقرى ومستشفيات ومدارس ومرافق حيوية وإنسانية، بذريعة التخلص من جماعة أو تنظيم، بل كما هي الحال في ليبيا منذ أن دخلت معادلتها قوات الناتو، والحال في العراق منذ أن دخله الاحتلال الأميركي بدباباته وإفرازاته ومشاريعه.
وبدلاً من أن يكون «العيش المشترك» بين مكونات الأمة هو صيغتها للمنعة والعزة والكرامة والاستقرار والازدهار، يصبح «الموت المشترك « هو واقع أمتنا على طريق تفكيك روابطها، وتدمير مجتمعاتها، واجتياح استقلالها وسيادتها، وتحطيم كل عناصر الوحدة والقوة فيها.
المنسّق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية