الحرب الإرهابية الدولية على سورية وإغلاق معبر جابر يلحقان أضراراً فادحة بالاقتصاد الأردني
محمد شريف الجيوسي
انعكس توقف حركة التبادل التجاري بين الأردن وسورية، بعد استيلاء عصابة النصرة الإرهابية المسلحة على المنطقة الحرة الأردنية السورية ونهب بعض موجوداتها واستيلاء ما يسمى الجيش الحرّ على معبر نصيب الحدودي السوري مع الأردن ، وإغلاق الأردن لمعبر جابر الحدودي مع سورية، سلباً على الاقتصاد الأردني، لا سيما بعد تراجع الحركة التجارية مع العراق، عقب سيطرة عصابة «داعش» الإرهابية المسلحة على مناطق محاذية للأردن.
وباستيلاء عصابة «النصرة» الإرهابية المسلحة على موجودات المنطقة الحرة، بما في ذلك الطعام وأجهزة الكومبيوتر والأموال النقدية و350 سيارة ورافعات وونشات وجرافات ووثائق ونوافذ وثريات، قدر رجال أعمال أردنيين خسائرهم الأولية بحوالي 100 مليون دينار.
ولفت رئيس هيئة مستثمري المناطق الحرة الأردنية نبيل رمان، إلى أنّ توقف حركة الشاحنات على الحدود تلحق خسائر فادحة بالاقتصاد الأردني، مشيراً إلى الوضع السيئ على الحدود الأردنية، بحيث يؤدي إغلاقها إلى تدهور الوضع الاقتصادي.
وكان حجم التجارة في المنطقة الحرة قد بلغ العام الماضي 500 مليون دولار، بعد أن بلغت 1.4 مليار دولار عام 2013.
أدّى إغلاق معبر جابر إلى الإضرار بالتبادل التجاري بين الأردن وسورية بالتزامن مع تراجع التبادل التجاري مع العراق جراء سيطرة عصابة داعش على مناطق عراقية قريبة من الأردن وإلى انسياب البضائع بين الأردن ودول أخرى في أوروبا، الأمر الذي سيزيد من سلبية الأثر الاقتصادي على الأردن، وعلى انسياب صادرات أوروبية وتركية ولبنانية عبر سورية والأردن إلى الخليج وبالعكس، باعتبار أنّ معبري نصيب وجابر هما المعبرين الرئيسين للصادرات والمستوردات بين الدول آنفة الذكر.
ويتوقع أن يتعدى التأثير السلبي على الأردن كلّ ما سبق، ليشمل السياحة والترانزيت وقطاع النقل والصرافة والتعليم الجامعي والطيران الذي تأثر هو الآخر جراء الأزمة في شكل عام، حيث كان الأردن يسيّر رحلتين جويتين إلى دمشق يومياً قبل الأزمة .
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي قاسم الحموري إنّ سورية تعتبر إحدى رئتي الاقتصاد الأردني إلى جانب الرئة العراقية، لافتاً إلى أنّ انسداد هذه الرئة، بالتزامن مع انسداد الرئة العراقية، شكل ضربة قاسية للمستثمرين الأردنيين على الحدود السورية، وخصوصاً أولئك الذين تعرضت معارضهم للسرقة.
وأشار الحموري إلى أنّ الخسارة في المنطقة الحرة على الحدود السورية تشمل أيضاً الموظفين العاملين هناك، والذين فقدوا وظائفهم، ما سيزيد نسبة البطالة.
ورأى أنّ إغلاق الحدود مع سورية ينذر بقرب اهتزاز الوضع الأمني من جهة الأردن، الأمر الذي يؤثر سلباً على الاستثمار الأجنبي والسياحة في شكل كبير.
تراجعت علاقات التبادل التجاري، عموماً، بين الأردن وسورية منذ عام 2011، فيما شهدت العلاقات التجارية بين البلدين نمواً مضطرداً خلال عقد التسعينات من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي، لكنها بدأت بالتراجع من بدء الأزمة السورية.
ولم يشكل ارتفاع صادرات الأردن إلى سورية عام 2014 بنحو 48 في المئة عن سنة 2013 ، بحيث وصلت إلى 142 مليون دينار مقارنة مع 96 مليون دينار سنة 2013 ، أهمية كبيرة قياساً بسنوات ما قبل الأزمة، فقد شكلت صادرات الأردن إلى سورية نحو 2.4 في المئة من القيمة الإجمالية لصادراته العام الماضي.
تراجعت مستوردات الأردن من سورية العام الماضي بنسبة 98 في المئة إلى 108 ملايين دينار، مقارنة مع 184 مليون دينار عام 2013، وشكلت المستوردات الأردنية من سورية، العام الماضي 0.7 في المئة من إجمالي المستوردات البالغة 16.1 مليار دينار.
ورغم تراجع الحركة التجارية بين البلدين، إلا أنّ التجار ما زالوا يعتمدون على موانئ لبنان وسورية، حيث يتم إنزال الشحنات في موانئ مثل طرطوس وتحميلها على شاحنات تنقل براً إلى معبر جابر ومنه إلى دول الخليج. وحتى الأسبوع الماضي كانت عائلة الصوري تستخدم ميناء طرطوس لنقل الرخام والحديد والفحم الحجري عبر معبر جابر.
توقف حركة النقل البري
وأوضح نقيب أصحاب الشاحنات الأردنية محمد الداوود أنّ الأزمة السورية تسببت بإغلاق الطريق أمام حركة الشاحنات الأردنية التي كانت تنقل البضائع إلى سورية، مشيراً إلى أنّ عدد الشاحنات الأردنية العاملة على الخطوط السورية والتي كانت تقوم بنقل البضائع يومياً يصل إلى 300 شاحنة.
وقال الخبير الاقتصادي يوسف منصور إنّ توقف حركة النقل البري إلى سورية، أو عبرها، أثر سلباً على الاقتصاد الأردني، موضحاً أنّ الميزان التجاري سوف يتأثر بنسبة 40 في المئة من صادرات الأردن المتوجهة عبر سورية إلى تركيا وأوروبا.
وأشار إلى أنّ إغلاق الحدود السورية، في شكل كامل، إلى جانب الحدود العراقية سوف يضطر بعض التجار إلى اللجوء إلى النقل الجوي الأكثر كلفة.
ولفت منصور إلى أنّ هذا الأمر سيحدث كساداً في أسواق بعض السلع الأردنية وأهمها الخضار والفواكه، إلى جانب بعض المواد الخام، ما سيؤثر سلباً على التجارة الأردنية، جراء الاضطرار إلى استخدام وسائل نقل أعلى كلفة.
ومع إغلاق معبر جابر وتوقف التجارة عبر الطرق من طرطوس إلى الأردن، فإنّ البدائل المتوفرة لكلّ من الأردن والدول المجاورة تظلّ بطيئة ومكلفة، ويمكن للمستوردين الأردنيين مثلاً استخدام ميناء العقبة أو ميناء حيفا المحتل من قبل الكيان الصهيوني سنة 1948 والذي يعتبر النقل عبره تطبيعاً وهو الأمر المرفوض شعبياً ومن قبل الأحزاب القومية واليسارية الأردنية والنقابات المهنية وقوى مجتمع مدني أردنية عديدة ، من خلال قناة السويس، لكنّ كلا الطريقين بطيء ومكلف.
وبالنسبة إلى الطريق عبر العراق، فعلى الشاحنات دفع ضريبة مرور لعصابة «داعش» الإرهابية التكفيرية المسلحة التي تسيطر على مناطق محاذية للأردن. ومن هنا، تظلّ خسارة الطريق السوري ذات آثار سلبية كبيرة جداً على الاقتصاد الأردني.
وحذر رئيس التجمّع العالمي للمحاسبين القانونيين أسامة طبارة، من جهته في بيان، من أن يفاقم إقفال معبر نصيب أمام الشاحنات اللبنانية المحمّلة بالبضائع والفاكهة والخضروات، عجز الميزان التجاري الذي يسجل تراجعاً شهرياً يقارب 100 مليون دولار، مطالباً بالتحرك لحلّ المشكلة وإجراء الاتصالات اللازمة مع المعنيين، مشيراً إلى أهمية انسياب حركة التصدير عبر المرافق البرية وضرورة تحرك الحكومة اللبنانية لمعالجة مشكلة معبر «نصيب» الحدودي مع الأردن، وضرورة الحفاظ على المعابر البرية عبر سورية آمنة، أمام حركة التصدير، وعبور الشاحنات اللبنانية.
وكان رئيس جمعية الصرافين الأردنيين علاء ديرانية قد أقرّ بتراجع قطاع الصرافة في الأردن في شكل كبير، إثر إغلاق الحدود مع سورية منذ الأسبوع الماضي، الأمر الذي ألقى بظلال سلبية على أداء مختلف القطاعات الاقتصادية في الأردن.
ولفت ديرانية إلى أنّ قطاع الصيرفة في الأردن، كان من أكثر القطاعات الاقتصادية الأردنية تأثراً بإغلاق الحدود مع سورية، حيث دخل في حالة هدوء تام منذ الأسبوع الماضي ولم يشهد أي نشاط يذكر.
وأشار ديرانية إلى أنّ حجم التراجع سيتضح على وجه الدقة خلال الفترة المقبلة، علماً بأنّ حجم تعاملات شركات الصرافة خلال العام الماضي بلغ 14 مليار دولار، بنسبة نمو بلغت 5 في المئة عن عام 2013.
وتقول تقارير البنك المركزي الأردني أنّ عدد شركات الصرافة العاملة في الأردن يبلغ 141 شركة، إضافة إلى 90 فرعاً لها في مختلف المناطق، وتصل رؤوس أموالها إلى 60 مليون دينار أي 84.6 مليون دولار.
وقال استاذ الاقتصاد محمد العبادي، من جانبه، إنّ معبر نصيب كان آخر المعابر الحدودية بين سورية والأردن، وبذلك فقد أصبحت الأردن محاصراً من الجهة الشمالية، وخصوصاً أنّ توقف الحركة التجارة في المنطقة الحرة مع سورية أتى في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأردني من ضغوط الأزمة السورية، مشيراً إلى أنّ البدائل المتوفرة التي يمكن للأردن استخدامها كممرّ للصادرات بطيئة ومكلفة جداً.
لا مصلحة في استمرار الأزمة
وإذ رأى الخبير الاقتصادي الأردني سلامة الدرعاوي أنّ الأردن يستفيد من أزمات الجوار، وخصوصاًً من الناحية الاقتصادية، أكد أنّ هذا الأمر لا ينطبق على الأزمة السورية، لافتاً إلى أنّ الأزمة الراهنة في ستكون لها آثار سلبية على الاقتصاد الأردني وأخرى إيجابية، فالسلع المستوردة والمصدرة من وإلى الأردن تمر عبر أسطول النقل البري من الأراضي السورية، وفي حال إغلاق الحدود، فإنّ التجار سيلجأون إلى النقل البحري عبر موانئ لبنان وتركيا، ما سيرفع أسعار وكلفة السلع في شكل كبير.
وخلال السنوات القليلة الماضية فتحت البنوك الأردنية فروعاً لها في دمشق وحققت أرباحاً كبيرة، ومن المرجح أن تتأثر أعمال تلك البنوك بتراجع حجم التسهيلات في دمشق واضمحلال الأعمال التجارية وعدم الاستقرار الأمني.
ونجح المصدرون الأردنيون خلال سنوات سابقة في تعزيز تسويق منتجات الخضار والفواكه والأجهزة الكهربائية في السوق السورية، واحتلت مراتب عليا في سلم الصادرات إلى هناك، وبالتالي من المرجح أن يتوقف جزء كبير من تلك الصادرات في حال إغلاق الحدود، كما أنّ بعض الشركات الكبرى ستتأثر سلباً، كشركة الطيران الأردنية التي كانت تسير رحلتين يومياً إلى دمشق وحلب.
ولا شكّ في أنّ الأردن الرسمي سيستفيد من الأزمة السورية من حيث أنه تلقى وسيتلقى مساعدات مالية لقاء استقباله اللاجئين السوريين، رغم تصريحات مسؤوليه بأن يتلقى ما نسبته 29 في المئة من أكلاف استضافتهم فقط فما دون ذلك ، حيث تدعم المساعدات المقدمة إلى الأردن بالعملات الأجنبية استقرار سعر صرف الدينار الأردني، فضلاً عن المكانة المعنوية التي يكسبها الأردن تجاه الغرب الأوروبي والولايات المتحدة، وهذا ما يحقق له مكاسب أخرى، فيما يتضرّر المواطن الأردني والقطاع الخاص، بأشكال مختلفة، من دون أن يجدا من يعوضهما عن هذه الأضرار.
بكلمات يتضح من خلال شهادات خبراء اقتصاديين ورجال أعمال أردنيين، أنْ لا مصلحة للأردن البتة من استمرار الأزمة في سورية، وليس فقط إغلاق معبر جابر الأردني مع سورية، وهو الإغلاق الناجم عن تمدّد العصابات الإرهابية في المنطقة الحرة السورية الأردنية المشتركة وفي معبر نصيب. وبمعنى أوسع ليس من مصلحة الأردن اقتصادياً وأمنياً التورط في أي عمل أو تحالف إقليمي أو دولي معاد لكل من سورية والعراق وليبيا واليمن، وإنّ مصالح الأردن السياسية والاقتصادية، وكذلك الأمنية، هي في التنسيق مع هذه الدول مباشرة ضدّ الإرهاب حتى اجتثاثه.