الفوضى شاملة النفق مظلم… ولا بصيص ضوء في آخره!
محمد ح. الحاج
أكوام من النفايات تتكدّس في كلّ مكان، على أطراف الساحات الصغيرة، عند الزوايا والمنعطفات أو مداخل الأحياء والأبنية، في كلّ لبنان كما في مدن العراق والشام حيث تتواجد العصابات، الفارق أن لا حرب في لبنان، بل حكومة عاجزة… مقابل ذلك تنتشر الفوضى وتتوقف الأعمال ويفترش الشباب والصبايا الشوارع والساحات في مجموعات: «طلعت ريحتكن»، «بدنا نحاسب»، والأحدث «عكار منّا مزبلة»، ردّاً على قرار الحكومة الأخير تخصيص عكار بمبلغ مائة مليون دولار، ما اعتبره العكاريون رشوة مقابل الصمت على إنشاء مطمر في أرضها!
الفوضى بكلّ أنواعها: العسكرية، الاقتصادية، المالية، والاجتماعية، تنتشر كما النار في كلّ أرجاء العالم العربي، وإذا كان من غير المهم معرفة سبب انتشارها، فالأهم معرفة من هو المستفيد منها ولماذا تعمل حكومات ومنظمات وأفراد في خدمتها. فقدت تونس ومصر في البداية الهدوء والحياة الطبيعية، اتجه كلّ شيء إلى الفوضى والخراب، الاقتصاد، المعيشة والأمن. لحقت بهما ليبيا بشكل أوسع وأقسى وأشدّ مرارة، وقبل الجميع لن أذكر الصومال، كانت معاناة العراق من الاحتلال الأميركي، محاولات التقسيم والمحاصصة والفساد المستشري، لتستكمل المؤامرة أبعادها على كامل التراب السوري. فبعد فلسطين ولبنان دور الشام، ويبقى الأردن على هامش اللعبة، رغم أنه في قلبها، لكنها لعبة باردة على الساحة الأردنية لن تستمر طويلاً إذ قد تنقلب انفجاراً أشمل وأوسع. من يلعب بمن؟ الجواب عند الملك وأركان استخباراته، وقد تعرف الجواب أيضاً الاستخبارات البريطانية والسعودية، أما الخطط الأساس فهي في أدراج حكومة العدو الصهيوني حيث الأضواء مسلطة بعيداً عنها. فلسطين هي شرق الأردن. هل نسي الملك؟ أعتقد أنه يذكر ذلك حتى في أحلامه، رغم الوعود الخُلبية بضم أجزاء من جنوب الشام إلى مملكته، وربما بعض الشمال من العربية، لتتسع المملكة لشتات فلسطين، وتقوم حكومة وحدة وطنية، ربما يشارك فيها محمود عباس الذي لا يجهل تفاصيل المخطط.
العالم كله يتجاهل ما يدور داخل شبه الجزيرة العربية أو على أطرافها، وحدهم الذين رسموا خطط الفوضى للمنطقة يعرفون التفاصيل، وعلى حكومة المملكة استهلاك الكثير من أكداس السلاح والذخائر الممنوع استخدامها ضدّ الحليف السرّي العدو الصهيوني . أبناء المنطقة الشرقية، ومعظم شعب البحرين، وإيران هم العدو الحقيقي في نظر آل سعود، أو أغلبهم على الأقلّ، وفي اليمن ظهرت سلالة «فارسية» ما كانت تحت المجهر من قبل، كما مثيلاتها في الشام نبُّل والزهراء، وكفريا والفوعة . من يعيد صياغة التاريخ ويأخذ المنطقة إلى دهاليز الماضي الكريه؟ إذاً، اليمن هو مكسر العصا ولا بدّ من نصرة «الشرعية المهترئة» على أرضه، غالبية اليمنيين، بما فيهم حزب علي عبد الله الصالح ومن معه، أصبحوا «أدوات ايران»، أو من أصول فارسية! لا بدّ من تلقين إيران درساً بالوكالة وليس بالأصالة. تختلط الأمور على القيادة العربية في منطقة شبه جزيرة العرب، فينتصر شيطان الغريزة، لا مكان للعقل هنا، على بعض الرؤوس أن تتخلى عن الحكمة في الكويت وباقي الإمارات، آل سعود لا يتكلمون باسم الإدارة الأميركية بل باسم من يحكم ويوجه هذه الإدارة فعلاً.
انتهى بنك الأهداف على أرض اليمن، المدن والأحياء كثيرة، ليس مهماً استهداف المدنيين حتى لو قالت كلّ المنظمات الدولية إنها جرائم حرب، السعودية دعمت قصف بلدات نبُّل والزهراء وكفريا والفوعة، وقبلها منطقة السيدة زينب وقرى صغيرة حولها، هذه الأحياء المدنية معسكرات للجيش السوري، غير الموجود فيها بالأصل، وللحرس الثوري الإيراني قبل وصول أحد من المستشارين أو الخبراء أو حتى من مقاتلي حزب الله. الجيش يطوق المسلحين في الزبداني وغيرها والمسلحون يأخذون قرى وبلدات مدنية رهينة للمقايضة. جرحى مدنيون مقابل جرحى المسلحين، ونقل للمسلحين إلى حيث يريدون مقابل إخلاء العجائز وكبار السن، هكذا واقع الحرب! من قال أنّ الحروب يحكمها المنطق والأخلاق، هي النذالة بكلّ معانيها.
لبنان ليس ساحة حرب حقيقية، أو بالمعنى المعروف للحرب، اكتفى لبنان بسنواته التي ذاق فيها اللبنانيون طعم المرارة والتشرد والفوضى ونزف الدماء، ولا يرغب شعب لبنان بإعادة التجربة، لكنّ أمراء الطوائف وأثرياء الحروب لا مانع لديهم من تكرارها، من اليسير عليهم الانتقال إلى مرابع آمنة وإدارة الاستثمار الحربي وتكديس الملايين على حساب الدم اللبناني وقوت اللبنانيين. الحرب على ساحة لبنان تأخذ أشكالاً جديدة، متاجرة بالنزوح السوري، وصراع على ثروة القمامة وعائداتها، بينما تتكدس وتفوح روائحها بعيداً عن أنوف أهل السلطة. كلّ أقطاب الصراع الدولي لهم ممثلوهم على ساحة لبنان، حتى أصغر سلطة على سطح الكرة. هل هي قطر أم جزر القمر؟ آمل أن لا يتهمني أهل جزر القمر بالاستخفاف بهم. لكنه المثل، ولا يضرّ الممثول.
في الشام يقول الرئيس الأسد: العدو يزداد غطرسة وتطاولاً لأنه يجد من يؤيده، ويعمل لمصالحه، في الداخل كما في الخارج الداخل العربي ، ولمحاربة العدو لا بدّ من محاربة أدواته. هل يقتصر الأمر على أدوات الصهيونية، يهود الداخل، أم لا بدّ من محاربة أدوات تركيا والسعودية وقطر و… إلى آخر قائمة المتبرّعين لتخريب سورية؟ يستطرد الرئيس الأسد: ليست هناك معارضة موحّدة ليكون معها حوار، المعارضات المتعدّدة ليست صاحبة قرار، والحوار يكون مع مشغليها وهؤلاء لا يجمعهم هدف واحد… ألا يمكن الاستنتاج أنّ النفق المظلم ليس في آخره بقعة ضوء. ما تعانيه الشام تعانيه مصر ولا بدّ من التنسيق بين الحكومتين واستخدام المعايير ذاتها في محاربة الإرهاب والضغط الفعلي على الأطراف الأخرى المؤثرة والتي ما زالت تمدّ الإرهاب بمقومات الاستمرار. ليكون الحلّ سورياً لا بدّ من حوار سوري ـ سوري، ولا انتخابات قبل التوافق والاتفاق ولن تكون تحت إشراف دولي فهو تدخُّل ، بل يمكن قبول مراقبين من دول محايدة فيكون القرار هو قرار الشعب السوري. لا بدّ من قراءة شاملة لما قاله الرئيس الأسد.
الرئيس الروسي ما زال متمسكاً بوجهة نظره ودعوته إلى إقامة تحالف محلي مدعوم دولياً لمكافحة الإرهاب، وقد جدّدها خلال كلمته في افتتاح معرض «ماكس» وأمام قادة كثيرين، كما كانت في صلب مباحثاته مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ولكن، هل يملك الرئيس المصري قراره فينحاز إلى مصلحة مصر التي هي مصلحة الأمن القومي للمنطقة وهي ذاتها مصلحة سورية ـ عراقية، أم يستمر في تجاهل الحقائق والسير في ركاب السعودية وحربها التدميرية على اليمن؟
يقول اليمنيون إنّ استراتيجية حربهم الطويلة لم تبدأ بعد، ويبدو أنهم بدأوا يوجهون ضربات للقوات المهاجمة ضمن الأرض السعودية، بل ويتوغلون في مناطق تحتلها السعودية، هي بالأصل مناطق يمنية. اليمنيون لن يعدموا وسيلة للحصول على أسلحة وذخائر متطورة، وربما هي موجودة لديهم ولم يتخذوا القرار باستخدامها على نطاق أوسع، وقلنا إنّ القيادة السعودية تبحث عن مخرج من ورطتها قد يوفره لها الروس، وما زال الأمر قيد البحث تحت الطاولة.
هذه هي الفوضى «الخلاقة» الشاملة كلّ المنطقة العربية وحولها، حرب نصف عالمية، شعوبنا تدفع الثمن، وتعيش تحت الوصاية بطرق مختلفة… ما شأن دول العالم في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، أو قانون انتخابات عادل ينتج مجلساً يمثل الشعب حقيقة… هل من يقوم باستطلاع رأي لمعرفة نسبة اللبنانيين الذين يرغبون برئيس يُنتخب مباشرة من قبل الشعب؟
يقول أحدهم: نحن نطرح شعار «بدنا نحاسب، وخايف بالنهاية نحنا اللي نتحاسب»!