ماذا بين نبيه برّي وبشار الأسد؟
روزانا رمّال
لسير العملية الديمقراطية في لبنان منحىً خاصٌ، فهي تخضع دائماً للظروف المحيطة بدلاً من الدستور والقانون، فسيرُ الجلسات النيابية والحكومية وإجراء الانتخابات البرلمانية أو حتى تشكيل الحكومات لم يكن يوماً نتيجة لبنانية لعملية تبادل سلطة أو اتفاق بين الأفرقاء على حلّ أزماتهم، وغالباً ما تأتي مواعيد الاستحقاقات في وقت لا يكون فيه الأفرقاء جاهزين لأداء واجبهم القانوني، ولبنان اليوم يشهد أخطر الأزمات الدستورية في تاريخه، بين فراغ رئاسي ومجلس نيابي ممدّد له، إضافة الى حكومة مهتزّة قد تنفجر في أيّ لحظة وتتبعثر مساعي جمعها التي مرّت بألف مخاض ومخاض.
لا يختلف كثرٌ في لبنان على مقولة أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري هو صمام أمان البلاد السياسي، ولعلّ فهمَ هذا الدور المتمايز غير ممكن حتى الساعة، وكأنّ اللبنانيين يريدونه ولا يريدون سواه ليمثل ميزان البلاد وتجاذباتها. وهو ايضاً يدرك دوره كملك يعرف أنه يجلس على عرش لا ينازعه عليه احد، حتى تكاد دعواته تُلبّى ورغباته لا تُرفض، وها هو اليوم يدعو الى جلسات حوار متتالية لبحث أزمات البلاد المتمثّلة بعدم الاتفاق على قانون انتخاب مناسب حتى الساعة، وعلى مرشح يُجمع عليه كلّ الأفرقاء ليملأ فراغ كرسي بعبدا الرئاسية، على الرغم من أنّ توقيت عقدها جاء في ظروف شديدة الحساسية يوم كان شباب الحراك المدني يستهدفونه بالاسم ويطالبونه بالرحيل. خرج الرئيس بري يحمّل كلّ الأحزاب السياسية الكبرى مسؤولية عدم المشاركة في الحوار، معتبراً انه سبيل اللبنانيين الأوحد.
اللافت كان التلبية الواضحة لرغبة الرئيس بري، ما خلا بعض الاعتراضات التي لا تشكل ثقلاً في المشهد العام، على الرغم من أنّ بري يمثل الطرف النقيض لسياسات جزء كبير من المشاركين، فتيار المستقبل الذي ذهب الى ما لا نهاية في محاربته النظام السوري متماشياً مع حليفته الإقليمية الرئيسية وراعيته الرسمية السعودية يحرص على العلاقة الجيدة جداً مع بري، ويحرص أيضاً على اللجوء اليه كوسيط مع حزب الله، كما يواظب على بث أجواء من الاستشارات والمبادرات الثنائية بين الطرفين دائماً من دون الأخذ بعين الاعتبار انّ الرئيس بري هو اولاً واخيراً أحد أبرز عناصر المقاومة في لبنان، وهو الذي قال فيه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بعد حرب تموز 2006 ومحاولات استهدافه واتهامه بمحاولات بيع سلاح حزب الله للغرب بعد استقباله وفداً أميركياً أثناء الحرب إنه «المقاومة السياسية».
تيار المستقبل كحريص على أفضل العلاقات مع بري هو الممثل الأبرز الذي يمكن أن يختصر باقي مواقف 14 آذار في لبنان تجاه بري، والتي يعتبر موقفها تحصيلاً حاصلاً أمام ما يقرره الحريري، لكن هذه الثقة التي وضعها بري في نفوس الخصوم يبدو أنها ناتجة عن مقاومة حقيقية يعيشها مع ذاته في ظلّ مراقبة حثيثة لكلّ الظروف المحيطة بلبنان. وهنا سؤال أساسي يطرح طالما أنّ الرئيس بري يشكل احد أعمدة المقاومة اللبنانية او المقاومة السياسية في 8 آذار، وهو: «لماذا لم يزُر الرئيس بري دمشق طيلة أيام الازمة السورية؟ ألا يجدر بالرئيس بري أن يلتقي بحليفه الأساسي في هذه المعركة التي تنعكس على الأوضاع في لبنان وهو الرئيس بشار الأسد؟ لماذا لا يزور بري الأسد من باب التضامن مع سورية الجريحة وهي التي شهدت زواراً كثراً من نواب فرنسيين وأميركيين وديبلوماسيين عرب وغربيين، وتشهد مؤخراً انفتاحاً أوروبياً وخليجياً لأول مرة عبر زيارة وزير خارجية سلطنة عُمان يوسف بن علوي الى دمشق؟ أليس من الأجدر للجار الحليف القريب والذي يمثل الاسم الأول عند البرلمانيين العرب في وقت تعاني سورية مما تعانيه لأسباب ديمقراطية حسب التهم الموجهة إليها؟
كيف يمكن للرئيس بري أن يكون جزءاً من حلف المقاومة، من دون أخذه بعين الاعتبار أهمية هذه الزيارة ووقعها عند السوريين؟».
الجواب هنا يتكرّر، فيبدو أنّ بري الذي يدير الأزمة في لبنان، لا يديرها فقط عند حدوده، بل يبدو أنه يدير حرباً إقليمية سياسية ايضاً. ويبدو أنّ هذه المقاومة السياسية لم تتوقف لديه عند أيّ حدّ من السجالات والمهاترات، فالدور الذي يلعبه بري يشكّل صمام أمان البلاد يحفظ من خلالها بقاء السعودية وحلفائها طرفاً يمكن التواصل معه من دون إحراق أوراقه ليبقى في هذا البلد مَن هو قادر على إدارة الدفة السياسية، عندما تحين ساعة التسويات في لبنان، ولهذا السبب يعرف بري حساسية أيّ زيارة لدمشق وتأثيرها السلبي على الداخل اللبناني الذي سيفقد ثقته فيه كطرف جامع، وهو يعرف الدقة التي يمثلها النظام السوري بالنسبة إلى بعض اللبنانيين.
يلعب الرئيس بري اليوم الدور نفسه الذي لعبه في حرب تموز مفاوضاً بارعاً يضع الكلّ ثقته فيه مثلما استقبل حينها الوفود الأجنبية وفاوضها وروّضها من أجل التوصل الى افضل الممكن للبلاد، لحفظ انتصارات المقاومة عبر شروط رسمها لبنان بالقرار 1701 لما كانت لتكون كما هي لولاه، واليوم تعرف المقاومة التي تدفع دماء في سورية أنّ ضمانة حفظ هذه الدماء تقع على عاتق الرئيس بري في التسويات الداخلية، وهي تضع رصيدها في المكان الأمين الذي تعرف أنه أبو هذه المقاومة وأمها في الشرق الاوسط…
بري وحزب الله تناغما سياسياً عسكرياً بشكل كامل… ودمشق في القلب…