هل تشهد القوات تحوّلاً يتوّج بالانفتاح على حزب الله؟
روزانا رمّال
يحول توقيع الملف النووي الإيراني مع طهران دون التوقف اليوم عند بعض التفاصيل التي كادت تعطل مفاهيم عدّة بالتعامل السياسي داخلياً واقليمياً ودولياً، وقد كشف معه الكثير من زيف ادّعاءات مبدئية روّجت وكأنها ثوابت غير قابلة للتغيّر او التبدّل وفق أيّ ظرف. إيران بذاتها التي اعتبرتها الإدارات الاميركية المتعاقبة عدواً، استطاعت التعامل مع إدارة اوباما وفريق عمله المجتهد وعلى رأسه وزير الخارجية جون كيري، وانْ أتى بطريقة غير مباشرة او تحت عنوان مفاوضات إيران ومجموعة دول الـ 5 + 1 .
أظهرت إيران قدرتها على التواصل مع الخصوم من دون رفع أيّ فيتو كان ممكناً ان يطلب في عهود سابقة وظروف أكثر تعقيداً بالنسبة اليها لجهة التقدّم نحو الغرب بشيء من التنازل عن حقها في امتلاك الطاقة النووية، فنجحت بشكل مبهر مرتين الأولى لدى التغيير الجذري في روحية السياسة منذ ان تبوأ الإصلاحيون الحكم بغضّ النظر عن الأسباب المحيطة، ما أدّى الى امتصاص أيّ حالة من الغضب الداخلي، أو محاولات صبّ الزيت على النار لاستغلال تحركات معارضة تماشياً مع موجات «الربيع» في المنطقة، وثانياً نجحت إيران في الحصول على الاعتراف بشرعية نظام لطالما اتهم برعاية الإرهاب وسمّي جزافاً لدى العديد من المحافل السياسية بنظام «ولاية الفقيه» بهدف إثارة أكبر قدر مما يمكن إحاطة إيران فيه كهالة لـ«التطرف الشيعي»، خصوصاً أمام الجوار.
العنصر الأكثر حساسية بعد التوقيع أتى مع تثبيت رفع العقوبات وعدم القدرة على العودة بالزمن الى الوراء، بالنسبة للسلطات السعودية فلطالما اعتُبرت الحليف الأول إقليمياًً للولايات المتحدة والغرب والدولة الخليجية الأقوى دون منازع، ولم تكن تتوقع وفق تقديراتها الأمنية والسياسية ان يتمّ مرور هذا الاتفاق مع إيران ولم تكن أيضاً تتوقع ان تتقدّم إيران عليها في العقود المالية والاقتصادية لدى الأوروبيين والغرب.
تقرأ الدول الحليفة للمملكة التقدّم الإيراني كلّ حسب وجهة نظرها وقدرتها على مجابهة القطيعة السعودية ببديل أو من دون بديل، فتتخذ القرار المؤاتي للمرحلة المقبلة، إما عداوة مع إيران تنتهي بانتهائها مع السعودية، وإما صداقة وعلاقات طبيعية وجيدة معها.
لبنان المتأثر بكلّ ذلك، ليس إلا مزيجاً لقوى نابعة من روحية هذه الدول المتناحرة خارجاً، وترجمة لقوتها وقدرتها على التفوّق سياسياً واستثمار إنجازاتها فيه، وهو اليوم يعيش مرحلة دقيقة من الأسئلة المصيرية التي تطرح على قوى سياسية بدّلت المشهد بشكل كامل في البلاد، أبرزها «القوات اللبنانية» التي توجهت نحو مصالحة خصمها المسيحي الأكبر، وهو التيار الوطني الحر ورئيسه العماد ميشال عون، فدعمت ترشحيه لرئاسة الجمهورية أولاً، وقدّمت هذا الدعم ضمن سلسلة بنود لتفاهم بين هاتين القوتين المسيحيتين.
تدرك «القوات اللبنانية» حساسية دعم ترشيح عون بالنسبة إلى السلطات السعودية، وهي التي استقبلت اكثر من مرة جعجع في الرياض كـ»زعيم مسيحي أول»، والتي أظهرت له اهتماماً لافتاً – تدرك جدية هذا الطرح عندها، ومع ذلك لم يتراجع جعجع عن الترشيح، بالتالي فإنّ «القوات» أعلنت أنها خارج المعادلة الحسابية السعودية من اليوم فصاعداً لأسباب أقوى، يبدو أنها أميركية بحتة، فإن عصيان المملكة ليس إلا انسجاماً مع الموقف الأميركي الجديد، لكن «القوات» لم تتقدّم من دون غطاء خليجي للمرحلة المقبلة، فكان الدعم القطري بلسان وزير خارجية الإمارة جاهزاً فور الإعلان عن المبادرة، فوصفتهل بـ«الحكيمة» ووصلت رسالة تموضع «القوات» في المحور القطري.
من غير المستبعد حسب قول مصدر قيادي في 8 آذار لـ«البناء» ان يكون دعم القوات لترشيح عون مرتبطاً بحسابات أميركية عنوانها مزدوج، وذلك للتقرّب من حزب الله وللضغط وصولاً إلى التفاوض معه، وهو بهذا الإطار يكشف انّ الحزب تلقى دعوة اميركية للتواصل لكنها رُفضت فوراً.
تموضع «القوات» في المحور القطري ينظر بالحساب الداخلي بما يتعلق بحزب الله وإيران، ووفق اعتبار اقرب منه الى السعودية، فإيران وحزب الله منفتحان على قطر، وقد برز ذلك داخلياً في صفقة العسكريين المخطوفين ومساعدة قطر بطلب وجهه السيّد نصرالله إلى أميرها مباشرة.
يؤكد مصدر قيادي في كتلة القوات لـ«البناء» انّ المنطقة تتوجه نحو المصالحة والشراكة، وهي على ما يبدو استراتيجية القوات المقبلة، ويؤكد أهمية انفتاح الغرب على إيران التي تعتبر قوة كبيرة وجيشها من أقوى 5 جيوش في العالم، باعتراف الجميع.
ويطرح كلام القيادي أسئلة عن جدوى اندفاع القوات نحو التواصل مع حزب الله ومدى نجاح الخطوة؟ يتابع المصدر القيادي في 8 آذار أنّ إشارات القوات نحو الحزب ليست ضمن حملة علاقات عامة بالتأكيد، لكن المشكلة عند حزب الله، فهو غير مستعدّ حتى الساعة لذلك، فهناك عقد لم تتمّ إزالتها بشكل مُرض أبرزها «عقدة إسرائيل» التي لم تتوضح من «القوات» بصورة مقنعة لجمهور الحزب الحساس إزاء هذا الأمر.
بكلام واضح ومنهجي يعتبر انّ الخلاف على «السلاح» لا يلغي التمسك بالمقاومة في أيّ حرب تشنّها «إسرائيل» بدل القول: «لولا الحزب لما تورّطنا في حرب»، يُضاف إليها عقدة آل كرامي وحساسية ملف الشهيد رشيد كرامي، وطالما ان حزب الله يرفع معاييره السياسية إلى مستوى تماسك وطمأنة حلفائه، فإنه غير مستعدّ للتصرف وفق استعمال الانفتاح لاستهداف آخر، فحزب الله لن يصالح قبل ان يسامح آل كرامي، هكذا تؤكد معايير نصرالله الأخلاقية.
«القوات» تقوم بانعطافة «أميركية»، وتسلك مساراً انفتاحياً وفق المتغيّرات التي فرضتها التجربة الإيرانية مع الغرب، وتتوجه نحو حليف إيران الأساسي في لبنان، فهل تشهد البلاد قريباً خطوة واضحة من هذا النوع؟