فشل الرهانات واستحقاق التسويات

عدي رستم

تحكم المنطقة الآن معادلات وتوازنات إقليمية ودولية، وإذ بات لكلّ فريق حصته من القسمة، لم تعد لديه القدرة على إنجاز تسوية منعزلة لأنها ستنعكس على اللوحة الإجمالية للصراع. فنحن نعيش مرحلة تغييرات كبرى حتى بات الوضع الدولي أشبه بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي أننا نعيش نهاية حقبة عمرها 60 سنة من الإدارة السياسية والشكل السياسي الذي حكم معادلات المنطقة ومنها معادلات الشرق الأوسط.

لم يعد خافياً على أي متابع أنّ آسيا هي مسرح التغيرات الكبرى وكلما اقتربت الأطراف الدولية الوازنة من المسرح، كلما كبر حجمها ووزنها، وقد عبّر عن ذلك رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ريتشارد هاس حين قال: «انتهى زمن القوى الدولية العظمى وأصبحنا في زمن الدول الإقليمية العظمى»، والقوى الإقليمية العظمى هنا تعني أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي قوة دولية عظمى في أميركا لكنها لا تسطيع أن تكون قوة إقليمية عظمى في الشرق الأوسط، وبالتالي تصبح القوى الإقليمية العظمى قوة دولية عظمى في بيئتها المباشرة.

لذلك فإنّ الغارة «الإسرائيلية» على سورية ليست صاعقة في سماء صافية وليست عملاً منعزلاً وإنما هي جزء من خطة باتت واضحة المعالم منذ اندلاع الأزمة السورية التي كشفت أنّ «إسرائيل» هي التي تمسك بدفة قيادة الأحداث التي تجري، لكن من وراء الكواليس بعد فشل وكلائها الذين استخدمتهم لتعويض عجزها عن الذهاب إلى حرب وهذا ما أوضحته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في آذار 2010 أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية »الإسرائيلية» «إيباك» عندما قالت : «إنّ إسرائيل تواجه مستقبلاً قاتماً بسبب انهيار عوامل القوة التي ارتكزت عليها في القرن العشرين»، ومن هذه العوامل عدم قدرتها على شن حرب خاطفة أو تحقيق نصر حاسم. لكنها اليوم ظهرت للمرة الثالثة بشكل مباشر لتحقيق الهدف المنشود الذي صعب على أتباعها تحقيقه، وهذا ما تؤكده تقارير مراقبي قوات الأمم المتحدة «الإندوف» عن حجم التعاون بين قوات الاحتلال وجماعات «المعارضة السورية» من ناحية التسليح والدعم اللوجستي.

يبدو أنّ «إسرائيل» لا تجيد القراءة في كتاب موازين القوى، أو أنها لم تدرك بعد حجم قوة الدفاعات السورية التي أسقطت لها طائرة، وخصوصاً بعد المناورات التي أجرتها سورية في 2012 والتي تعتبر في قياس القدرة الصاروخية شكلاً من أشكال الردع الاستراتيجي التي تضع العدو الذي يفكر في ارتكاب خطأ الانزلاق إلى حرب، في الصورة الحقيقة لما ينتظره في حالة الحرب، وتؤكد له أنّ أي مواجهة ستدور ستتحول في نهاية المطاف إلى حرب صواريخ. فهل تلقنت «إسرائيل» ألف باء القدرة الصاروخية السورية؟

تتكبّد المجموعات المسلحة الخسارة تلو الخسارة، ولا تزال الضبابية تكتنف موعد تبلور صورة التحولات السياسية الناجمة عن التقدم العسكري في الميدان، فمن جهة تُحبَط محاولات «داعش» في السيطرة على دير الزور لتحقيق مكاسب ميدانية، ويسير معها بالتوازي تقدم الجيش في الشمال نحو حلب والجنوب في درعا، بالإضافة إلى عدم قدرة «إسرائيل» على ولوج هدفها الرئيسي ولو عبر الغارات ما يعبّر عن فشل الرهانات واستحقاق التسويات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى