عفواً سيد المقاومة… لا حياة لمن تنادي!

محمد ح. الحاج

في العيد الخامس عشر لتحرير الجنوب اللبناني كان الجميع ينتظر كلمة السيد حسن نصر الله، خصوصاً أنّ التطورات تتسارع على ساحة الأمة في الشام والعراق وشمال شرق لبنان، وفي عالمنا العربي من البحرين إلى اليمن، وفي كلّ مكان من هذا العالم مع انتشار الوباء التكفيري الجاهلي بمسمّياته، من «داعش» و«نصرة» وما تفرّع عن «القاعدة» من مسمّيات رنانة وشعارات كاذبة.

في كلمته الشاملة شخّص سيد المقاومة أسباب الجائحة المرضية، ومن يقف خلف استثمارها من جهات أجنبية معادية للأمة ومصالحها منذ الأزل، هذه الجهات التي تسيطر على عقول أتباعها وأزلامها في المنطقة متوسّلة الفتن الدينية والمذهبية والعرقية لبلوغ أغراضها في تفتيت وحدة الكلمة وبعثرة القوى والسيطرة على المنطقة ومقدراتها، قال كلاماً في منتهى الشفافية والصدق، وأعلن موقفاً واضحاً لا لبس فيه، داعياً إلى نبذ الفرقة وتجاوز المتداول إعلامياً من ذرائع لاستمرار حرب داحس والغبراء وفتح العقول قبل الأعين، كما طرح مجموعة من الأسئلة لا أعتقد أنّ من يعنيهم الأمر قادرون على الإجابة عنها، وإنْ كانوا يعرفون الجواب الصحيح فهم ليسوا أصحاب كلمة أو قرار ليعلنوا موقفاً بعد أن يخلعوا ثوب الجاهلية.

قبل ستة عقود ونيّف استشرف أنطون سعاده ما يحصل اليوم، فدعا إلى النهضة والخروج من العصبيات بكلّ أشكالها والارتقاء بالأمة إلى مدارج العزة والوعي والتحرّر من التبعية للأجنبي، كما نبّه إلى الخطر اليهودي الذي يتجسّد اليوم بالصهيو ماسونية والوهابية التكفيرية التي استنسختها من رحم السفاح، سعاده كان أيضاً صادقاً مع أبناء أمته، مخلصاً لوطنيته وفياً، لكنهم قابلوه بالتشهير والتكفير، وحاكموه صورياً ثم اغتالوه باسم «القانون». كان القائمون على كيانات الأمة أتباعاً للأجنبي كما حال أغلبهم اليوم، أصموا آذانهم عن سماع الكلمة الصادقة، ووضعوا على أعينهم حجباً كالتي يضعها العربجي على رأس خيول العربة فلا ترى إلا ما يريدها أن ترى، كانوا أدوات المستعمر وما زال أغلبهم، هو التاريخ يجترّ نفسه وإنْ تبدّل الأفراد على عروش الممالك أو كراسي الدول والجمهوريات، فأين العجب؟

يا سيد المقاومة، أحسن الظن بهؤلاء فهم ليسوا أغبياء، هم يدركون أين تكمن المصالح الوطنية مصالح الأمة، مصالح أبناء شعبهم على اختلاف الألوان والانتماءات، لكنهم باعوا قرارهم واختاروا مصالحهم، حقائبهم جاهزة وأموالهم في بنوك الغرب، وطنهم هناك في تلك الصناديق، هناك يشترون المرابع والجزر والأراضي، لا تراهن على مَن لا يعرف الفرق بين مسقط رأسه والوطن حيث نشأ وترعرع، وبين تراب آخر حيث يمكنه أن يذهب، هكذا هو الوطن عند هؤلاء، أما الذين استوطنت في قلوبهم الكراهية على قاعدة العداء المذهبي الذي أورثهم إياه التحريض والتضليل الإعلامي خفية أو جهاراً، فإنّ المراهنة على خروجهم من هذا الثوب خاسرة، فمن شبه المستحيل أن يراجعوا أنفسهم أو يقبلوا حواراً أو نقاشاً، ولا أن يقبلوا الآخر حتى وإنْ كانت يده ممدودة.

سعادة استشرف المستقبل في زمانه فقال: إنّ أزمنة مليئة بالمحن والصعاب تواجه الأمم الحية فلا يكون لها خلاص إلا بالبطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة. وأمتنا في الزمن الحالي تواجه أعظم محنة تتعرّض لها وجوداً ومصيراً، يستهدفون وجودنا ويتلاعبون بمصيرنا، لكننا ندرك أنّ المقاومة تمارس البطولة، وأنها منذ بواكيرها في الثمانينيات اعتمدت هذه البطولة المؤيدة بصحة العقيدة، ولولا ذلك لما كان الانتصار في مطلع الألفية الثالثة، ولما كان انتصار تموز 2006، ولأنّ المقاومة تعتمد العقيدة فهي هدف رئيس للتشهير المضلل وقد استخدموا في هجوماتهم قادة كبار، رؤساء جمهورية وملوكا قبلوا التنازل عن مقاماتهم وانحدروا إلى الدرك الأسفل لقاء ما يراه البشر الأسوياء قذارة الدنيا، ونسوا أنّ شاه إيران ما كان في عرفهم «مجوسياً فارسياً» وما كان عدواً، السبب أنّ المؤسسة الماسونية العالمية كانت تحميه وكانت تفرضه على هؤلاء صديقاً بل وشرطياً يحمل الهراوة الغليظة يسوق أغلبهم كسوْق القطيع، كان مع ملوك السعودية من حماة «حق اليهود» المزعوم في فلسطين التي تنازلوا عنها وتعهّدوا بحمايتهم للغرب، وكانوا مع إهدار حقوق أهلها التي ترفع المقاومة راية استعادتها، المقاومة «شيعية كافرة ملحدة» لأنها مع حق الفلسطينيين وبعض هؤلاء الفلسطينيين يتبنى راية العداء لها ولمن يدعمها من دول وشعوب، الخبث اليهودي يتوسّل ضعف العقل العربي والعصبية المذهبية للوقيعة بين أبناء الأمة، المؤلم أنّ مَن انساق مع هذا التيار كثير لا يُستهان به، والمؤلم أكثر أنّ بعض مَن يحملون درجة «دكتوراه» في العلوم الاجتماعية أو السياسية لا يجدون مبرّراً منطقياً لعدائهم للمقاومة سوى القول إنها تشتم أمهات المؤمنين والصحابة، ويا لها من ذريعة كاذبة لم يسمع بها أحد إلا من أفواه هؤلاء… كان هذا جواب أحدهم على شاشة «الميادين» عندما جوبه بسؤال حول فتوى ابن جبرين عندما قال: لا يجوز الدعاء لهذه المقاومة بالنصر ولا القتال تحت رايتها! وقلنا في حينه إنّ ابن جبرين يهودي بعباءة شيخ مسلم وقد أجاز الدعاء للعدو اليهودي بالنصر… ضمناً، وقد خاب فأله.

«داعش» تقطع الرؤوس وتأخذ السبايا إلى سوق نخاسة في الرقة المحتلة، لا يفرّقون بين دين أو مذهب، لا قبلاً ولا اليوم في تدمر، قطعوا رؤوس نساء وأطفال وشيوخ، وعلقوها في الساحات لمجرّد أنهم كانوا يعملون في مؤسسات تتبع للدولة، وهي بطبيعتها مؤسسات خدمية إنسانية مدير مشفى تدمر ورئيسة قسم التمريض وعائلاتهم وأهلهم، وغيرهم من وجهاء عائلات تدمر الذين حاولوا محادثة قادة الدواعش آملين عدم إلحاق الأذى بأهل المدينة وتراثها، وهم من كبار السن، فكانت النتيجة أن قطعوا رؤوسهم وعلقوها في الساحات وسبوا نساءهم وأطفالهم إلى الرقة للبيع، «داعش» هذه وأخواتها تحاربها المقاومة، ويعرف الجميع أنها على حق في حربها وأنها تدافع عن نفسها كما تدافع عنهم، فالخطر حقيقي ويطاول الجميع، مع ذلك يطعنون في مصداقيتها ويستمرّون في غيّهم لأنّ موقفهم وظيفي لا وطني، خصوصاً في الداخل اللبناني.

يقول رئيس بلدية عرسال: «إذا دخلت المقاومة البلدة فسنعتبر ذلك عدواناً داخلياً». أوليس هذا هو عين «المنطق الداعشي»؟ وهل «أبو طاقية» غير ذلك سواء كان مع «النصرة» أو «الفتح» أو «داعش»…؟ المقاومة دخلت الجنوب بعد خروج العدو الصهيوني وأثبتت أنها الأكثر وعياً وتسامحاً، وتركت للدولة أن تمارس دورها في المحاسبة… وعدت ووفت، واليوم يعدهم سيد المقاومة بقوله إنه سيضمن للجميع أمانهم إذا انتصرت سورية، وهي ستنتصر، لكنه يسألهم هل يضمنون هم أنفسهم وأهلهم إذا انتصرت «داعش»؟ الأرجح أنهم لا يستطيعون الجواب فأمرهم ليس بيدهم.

نداؤك يا سيد المقاومة، وللأسف يذهب أدراج الرياح، ضمائر ميتة وآذان صماء، كما ذهبت نداءات سعاده قبلاً، وقد صحّ القول في هؤلاء:

لا تنادي الرجال من عبد شمس

فما عاد في عبد شمس رجــــــال

لقد أسمعت لو نــــــــــــاديت حيـــــاً

ولكـــــــن لا حيــــــــاة لمن تنــــــادي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى