الحرب على سورية والأمن الحقيقي لـ«إسرائيل»

سلام الربضي

انطلاقاً من مجريات الأحداث في جنوب سورية والقنيطرة تحديداً، لا يمكن لنا تجاهل دور تل أبيب الاستراتيجي الداعم للمنظمات الإرهابية منذ العام 2011، من خلال:

1 ـ التدخل العسكري المباشر لصالح تلك المجموعات عبر الضربات الجوية المباشرة بما فيها شنّ الغارات الجوية على العاصمة دمشق.

2 ـ التنسيق والتعاون مع الإرهابيين في مجالات عدة منها الاستخباري واللوجيستي والصحي.

3 ـ التسهيلات التي تقدّمها للإرهابيين على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة والجولان السوري المحتلّ.

فإذا أردنا الغوص في حيثيّات الحرب على الدولة العربية السورية، لا يمكننا فصلها عن المشاريع الشرق أوسطية التي كانت مطروحة سابقاً. فمشروع «الشرق الأوسط الكبير» أو الأوسع ذائع الصيت، سيكون لزمن غير قصير وسيبقى، الخيار الثقافي الدّولي الذي ترغب الدّول الكبرى، في جعله برنامج عمل وتنفيذ لدول المنطقة، على الرغم من كلّ تلك التغيّرات في الدول العربية، وهو المشروع الذي سيصبح ضرورة دوليّة، سياسيّة، ثقافيّة، اجتماعيّة، اقتصاديّة وأمنيّة بأمتياز، في المنطقة الأكثر اشتعالاً في العالم، للالتفاف على التغيّرات العربية المجتمعية والسياسية النسبية الإيجابية، وكلّ ما يليها مستقبلاً.

وإذا كان هذا المشروع الشرق أوسطي، قد نال أول هزيمة له، في الحرب «الإسرائيلية» على المقاومة اللبنانية في العام 2006، فإنّ الحرب الدائرة حالياً على سورية، تعتبر الامتداد الطبيعي لإعادة الأمل لتحقيقه.

وبغضّ النظر عن التسميات والأحجام لهذه الحرب على الدولة العربية السورية، ومدى إمكانية تحقيق أهدافها مستقبلاً، فإنّ «إسرائيل» تحتلّ موقع المحور والقاعدة الاستراتيجيّة فيها. حيث المصالح الاستراتيجيّة لـ«إسرائيل»، تكمن في كلّ طيّات تلك الحرب. فهي ترى ومنذ بداية الحرب أنّ انخراطها في هذه الأزمة سيعود عليها بفوائد سياسيّة جمّة، ومن تلك الفوائد، على سبيل الذكر لا الحصر:

1 ـ فتح المجال أمام «إسرائيل» للتخلص من سورية الدولة، الرقم الصعب في معادلة المواجهة والمقاومة للاحتلال «الإسرائيلي».

2 ـ إلغاء وإضعاف دور سورية المحوري في المنطقة. مما يسهل لـ«إسرائيل» السيطرة على المنطقة بشكل مطلق.

3 ـ الخروج السوري من الملف الفلسطيني على الصعيدين الأمني والسياسي. وبالتالي، سيمكّنها من تدوير الزوايا الحادّة في القضايّا المصيرية: القدس، اللاجئون وحق العودة.

4 ـ الفوز في هذه الحرب سيكبح مسار فكرة التكامل العربي، حتى ولو، من باب التمني.

5 ـ سوف تسهّل هذه الحرب لـ«إسرائيل»، الانخراط في إطار متعدّد القوميّات وعلى نحو متكافئ مع الهويّات الأخرى، ويعطي الدولة العبرية صفة كونها دولة يهودية.

6 ـ على الصّعيد الأمني، سوف تصبح «إسرائيل» جزءاً من هذا الأمن، بدلاً من كونها خطراً وعدواً له، وهذا ما يتجلى في دعمها للميليشيات الإرهابية، وموقف هذه الميليشيات من تأييدها وتنسيقها مع «إسرئيل».

7 ـ ما يبدو ظاهراً وباطناً من التقاطع والتوافق التام مع سياسات كثير من الأنظمة العربية، والتي تأخذ وبكلّ أسف – موقفاً عدوانياً تحريضياً ضدّ الدولة العربية السورية.

ويتضح أنّ المصالح الاستراتيجيّة «الإسرائيليّة» ومنذُ الحرب الأميركيّة على العراق في العام 2003، تتجلى في الدّرجة الأولى بالعمل على تفتيت الدول العربية، من قناعة لا ريب فيها لدى «إسرائيل» مفادها أنّ الأمن الحقيقي لـ«إسرائيل» لا يمكن أن يتحقق على المدى البعيد، طالما أنّ لهذه المنطقة هويّتها العربيّة والإسلاميّة. وطالما أيضاً، وجدت دول كبيرة نسبيّاً كالعراق وسورية ومصر. فالأمن الحقيقي لـ«إسرائيل» يقتضي تغيير هويّة المنطقة الحضاريّة والسّياسيّة إلى «شرق أوسطية». وبالتالي، لا بدّ من تغيير تركيبتها الاجتماعيّة إلى فسيفساء طائفيّة ومذهبية. ففي حال، بقيت المنطقة عربيّة، ستبقى «إسرائيل» غريبة فيها، أمّا إذا أصبحت هويّة المنطقة شرق أوسطيّة، أيّ أصبح وضع كلّ المنطقة شاذاً، فإنّ وجود «إسرائيل» الشاذّ سيكون عادياً طالما أنّ الشواذ صار سمة عامة.

ومنذُ الاحتلال الأميركي للعراق 2003، وما تبعها من تطورات في بداية العام 2011 حول ما يُسمّى بـ«الربيع العربي»، وتحديداً الحرب على سورية حالياً، جاء ليصبّ في هذه الخانة إلى حدّ ما.

فـ»إسرائيل» ترى أنّ الوطن العربي المقسّم والمفتّت، إلى مذاهب وطوائف ودويلات متعدّدة، هو النموذج والبداية، لما يجب أن تكون عليها المنطقة بأسرها مستقبلاً لتضمن بذلك أمنها. فالأمن الحقيقي «الإسرائيلي» على المدى البعيد، يتطلب تنفيذ مشروع تفتيت التفتيت أو تجزئة التجزئة من أجل خلق فراغ إقليمي يسمح بأن تلعب الدّور الإمبراطوري السّياسي الاقتصادي الثقافي والأمني الذي تطمح له. وبالتالي، خلق محيط تابع تستمدّ منه «إسرائيل» القوّة من خلال تحويل التهديد المحتمل، إلى مجال حيوي استراتيجي.

والوثيقة «الإسرائيليّة» التي وضعتها المنظمة الصهيونيّة العالميّة World Zionist Organization في الثمانينات، والتي ترجمها البروفيسور إسرائيل شاحاك، تعكس رؤية «إسرائيل» الشرق أوسطيّة للمنطقة برمّتها. والتي تختصر الكثير من التحليلات، وتغني عن محاولة بذل الجهود، في التأكيد على واقع تغلغل «إسرائيل» في الحرب على سورية. ومن المقتطفات الرئيسيّة في هذه الوثيقة التاريخيّة الاستراتيجية…

ـ مصر: إنّ تفكيك مصر إقليمياً إلى مناطق جغرافية متمايزة، هو الهدف السياسي لـ«إسرائيل» في الثمانينات على جبهتها الغربية. فإذا أسقطت مصر فإنّ دولاً مثل ليبيا والسودان وحتى الدول الأبعد لن تتمكن من البقاء بشكلها الحالي وسوف تلحق بسقوط وانحلال مصر. انّ الرؤية التي تتمثل بدولة قبطية مسيحيّة في أعالي مصر إلى جانب عدد من الدول الضعيفة ذات السلطات المحليّة، التي لا ترتبط بحكومة مركزيّة هي مفتاح التطور التاريخي الذي أجّله فقط اتفاق السّلام، والذي سوف يتبدّد حتميّاً على المدى الطويل.

ـ سورية: سوف تتناثر بالتطابق مع تركيبتها الإثنيّة والدينيّة إلى عدد من الدول. بحيث تكون هناك دولة علويّة شيعيّة على السّاحل، ودولة سنّيّة في مناطق حلب، ودولة سنيّة أخرى في منطقة دمشق تعادي جارتها السّنيّة في الشمال. أمّا الدروز، فسيكون لهم الدولة الخاصة بهم أيضاً ربّما حتى في الجولان، وبالتأكيد في منطقة حوران وأجزاء من شمال الأردن، وهذه الحالة سوف تكون ضمانة الأمن والسّلام في المنطقة على المدى البعيد.

ـ العراق: غنيّ بالنفط من جهة، والممزّق داخلياً من جهة أخرى، مضمون كمرشح لأحد أهداف «إسرائيل». إن انحلاله أكثر أهمية بالنسبة لنا من انحلال سورية. فالعراق أقوى من سورية، وعلى المدى القصير تشكل القوّة العراقية الخطر الأكبر على «إسرائيل»، وكل خلاف عربي داخلي سوف يساعدنا ويمهّد الطريق لتحقيق الهدف الأهمّ، أيّ تحطيم العراق إلى طوائف كما في سورية ولبنان. انّ تقسيم العراق إلى أقاليم على أساس خطوط إثنيّة دينيّة، كما كان الحال في سورية خلال الزّمن العثماني، هو أمر ممكن. وهكذا، ستقوم ثلاث دول أو أكثر حول المدن الأساسية الثلاث: البصرة، بغداد والموصل. وستنفصل المناطق الشيعيّة في الجنوب عن السّنة والأكراد في الشمال، ومن الممكن أنّ المواجهة العراقية الإيرانية الحالية قد تعمّق هذا التبلور.

ـ السعودية: الجزيرة العربية بأسرها مرشحة طبيعياً للتفكك بسبب الضغوطات الداخليّة والخارجيّة، وهذا الأمر محتوم خاصّة في السعودية. وبغضّ النظر، عمّا إذا بقيت قوّتها الاقتصاديّة أم تضاءلت على المدى الطويل فإنّ الانشقاقات الداخليّة والانهيارات ستكون تطوّراً طبيعياً وماثلاً في ضوء التركيبة السّياسيّة الحاليّة.

ـ الأردن: إنّ الأردن يشكل هدفاً استراتيجياً آنياً، على المدى القصير وليس على المدى الطويل. فالأردن لا يمثل خطراً جدّياً على المدى الطويل، بعد انحلاله ونقل السلطة إلى الفلسطينيين. وليس هناك أيّة فرضيّة لاستمرار الأردن بتركيبته الحاليّة مدة طويلة. وسياسة «إسرائيل» في الحرب والسّلام يجب أن تتوجّه نحو تصفية الأردن بنظامه الحالي ونقل الحكم للأغلبيّة الفلسطينيّة وتغيير النظام شرق النهر، فيكون الأردن لهم والمناطق غرب النهر لليهود. وسيكون هناك تعايش وسلام حقيقيين فقط، عندما يفهم العرب أنه بدون حكم يهودي بين النهر والبحر لن يكون لهم أمن ولا وجود، فإذا أرادوا دولة وأمناً فإنّ ذلك سيكون لهم في الأردن فقط.

وفي هذه الوثيقة أيضاً، هنالك تصوّر من النمط التفكيكي ذاته، عن دول المغرب العربي والبربر وعن السودان وجنوبه وعن لبنان وطوائفه.

فهل هنالك شخص ما، ما زال غير مقتنع بالأبعاد التدميرية، للحرب التي تشنّ على الدولة السورية؟ وما مدى التورّط الاستراتيجي «الإسرائيلي» المرتبط بها؟

باحث ومؤلف في العلاقات الدولية ـ اسبانيا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى