عدّاد الانفجار = 5000 ل.ل. .. قبيل الطوفان!

هاني الحلبي

لم يكن ينقصها ورقة توت الـ 5000 ليرة لبنانية زيادة على صفيحة البنزين أو على أي سلعة أساسية غيرها، لتفضح نفسها، وهدفها المعلن: توفير كلفة إجراء انتخابات بلدية مقبلة، وتثبيت متطوّعي الدفاع المدني!

فالمسلسل المكسيكي المعيب الذي قادته الحكومة وقوى نيابية بابتداعهما الأعذار لنسف الاتفاقات المتلاحقة التي كان يتم التوصل إليها لإنصاف المعلمين وموظفي القطاع العام خلال حراكهم السابق الذي اغتالته التسويات، كانت الحكومة وتلك القوى تلتف عليها بوقاحة وانعدام مسؤولية، بل وكأنها لا ترى أنها تشرّع لشعب هو مَن يتحمل مسؤولية مساءلتها، فتم تعطيلها بحجة أن وضع البلد لا يحتمل!

وما تعني مفردة البلد هذه من عقلية رجعية متخلفة عما قبل الوطنية غير المتحققة.. المفردة التي عمّمها الرئيس الراحل رفيق الحريري بدلاً من كلمة لبنان.

لا يحتمل وضع «بلدهم» إنصاف محدودي الدخل لكنه يحتمل الرواتب الفلكية للنواب العاطلين عن العمل والوزراء البطَّالين عن الواجب!

ويستسهل النافذون باسم النظام في لبنان الزيادة على المكلّفين اللبنانيين الذين اعتادوا فقدان مواطنيتهم، بسبب تواطئهم المستمر وتلفقهم كل ما يُرمى إليهم من اقتراحات هي نفسها أحابيل إنهاك لمقدّراتهم ومساريب نزف لمدّخراتهم التي تلاشت. تكتيكات حوّلتهم نموراً من ورق في يومهم التاسع، بعد تحوّل وظيفتهم بتغيّر نمط تغذيتهم من «أكلة لحوم» إلى نباتيين مسالمين حتى الخنوع!!

لم يُكلّف النافذون أنفسهم سؤال الذات ولا فحصها ولا البحث في عدالة الأرقام المفروضة ضرائب، ولا السؤال عن مدى عدالة تلك الضرائب التي نص عليها القانون فتتمّ جبايتها بينما صحن الضريبة، أو موضوعها، غير موجود ولا تؤمّنها دولة الطوائف المتناهبة جيوبنا وأحلامنا ومستقبلنا بإصرار مقصود.

كلما قيل عن مزاريب الهدر والفساد يتنطّح الخطباء الفصحاء من منابر حكومية ونيابية أنهم سيقطعون دابره فور القبض عليه متلبّساً. والفساد نفسه منفصم الشخصية، أحد دورَيْها مسؤول نافذ مهيب ومهول وضاغط وموجّه المسار وثاني دوريها الظليل يتحاصص من فوق الطاولة ومن تحتها، ويشترط المكوس على كل صفقة قد تُقرّ نسبة مئوية وإلا فلن يمكن إخراج البضاعة الثمينة من المرفأ ولا بتوزيعها في السوق، ولو كانت دواء يقي اللبنانيين فيروس زيكا أو طحيناً يقيهم جوع الحصار أو إكسيراً يقيهم موت الجوع الداهم بنعمة الدولة المتهالكة، ولو كانت بضاعة الصفقة فشكاً أميركياً لبواريد صيد فرنسية هي سلاحنا الاستراتيجي في حرب النجوم التكفيرية، على وعد كمون سعودي!

لمن يُقرَع جرسُ الزيادات، فكلما تطالب فئة من الموظفين إنصافها، تفتقت عبقريات المسؤولين بمدّ اليد إلى «خُرْج» الزيادة وكأنها سحر الساحر. وبالفعل هي كذلك؟

لماذا لا تكون الزيادة هي سحر ساحر الدولة الفاشلة، التي أقفرت من شعبها، وخلت من المروءة ونفدت فيها عزيمة الرفض وأصبحت جماعات لا حول ولا قوة تسبّح بحمد طوائفها وتعلك هواء نفاقها وترنّم أدعيتها التي لم تخفض سعر رغيف ولم تزد يوماً غراماً على ربطة الخبر إلا بإذن وزارة الاقتصاد ونقابة أصحاب الأفران… تباركتا؟!

أما إن كانت كل دورة انتخابات بلدية تلزم زيادة على سلعة، فإننا نستبشر خيراً بمصير الضرائب التي تدفع أنها في الحفظ والصون، وأن الجهنم الضريبية اللبنانية التي فاتتها ضريبة الهواء العليل المضمَّخ بزبالة بيروت ونور الشمس المخادعة ناطحات سحاب سوليدير فلن تتأخر عن تغريمنا بهما.

وكرمال عين متطوّعي الدفاع المدني تكرم مروج عيون المتطوّعين جميعاً. لكن لماذا تأخر البت بملفهم عشرات السنوات ويفتدوننا بشهداء تحت القصف الإسرائيلي ووسط عباب الدخان والحريق ويضطرون في بلد الشعشعة الطوائفية اللبنانية لقطع الطرق وحرق الإطارات لأجل حق بديهي يطمئن متطوّعاً نجيباً ويؤمّن استقراره ويعزز انتماءه الوطني ليكون حقاً جندياً مندفعاً عن سلامة الناس وأرزاقها. لماذا؟ وألف لماذا؟ لأنهم متواطئون ضدّ لبنان وشعبه!

غداً الأربعاء جلسة حكومية قد تقرّ زيادة ظالمة على صفيحة البنزين، تشبّهاً بالدول الجسورة، تليها بعد غد الخميس دعوة نقابية قوية لاستئناف الحراك الاحتجاجي، بعد نكسة السلسلة وغريبها الضحية.

لن يكون إصلاح من دون استنفار الشباب، الشباب الحزبيّ قبل غيره، المحصّن بالفكر والخبرة والتنظيم والممارسة، وليس شباب السفارات على اختلافها. لن يكون إصلاح وطني من دون عزم وحسم وقرار نتحمّل نتائجه، مهما كان قاسياً أشهراً أو سنوات.. وبعدها عهد جديد ونظام جديد.

عزلُ الشباب بمئاته أو آلافه وحيدين عن شعبهم استفرادٌ لهم بين نظارات الأمن وأقواس المحاكم ومندسّي الشوارع، وهذا انتكاس للشباب وللأمن وللقضاء معاً وانحراف عن سكة أيّ نظام ديمقراطي مدني يستحق أن يوصف بالديمقراطية والمدنية!

أبناؤكم يستحقون أن تقدّموا لهم ما يجعل ذكركم حميداً فلا تتقاعسوا عن الاحتجاج حتى التمرّد ضدّ الفساد لكفّ يده عن التحكم في دفق الدم في أجسادنا لكفّ يده عن ضبط نبض قلوبنا قبل أن يوقفها متى شاء!

أيبدا الاحتجاج ولا ينتهي مع نهاية النهار وانفضاض الجموع وانقشاع الغبار، بل لن ينتهي من دون تغييرات تنصف المظلومين في بلد الظلم وحيتان المال والسياسة والتسويات العقيمة.

مشكلة المحتجين أنهم يصدّقون وعوداً سياسية ويعلكون أنصاف الحلول! خذوا عبرة من حراكهم المدني..

«الشبيبة نار إن أردتَ أمراً بها فبادرها إن الدهر مطفئها»!

فلا تطفئوا نار الشباب إن اتّقدت، فإشعالها ثانية مستحيل! وإطفاء شباب لبنان جريمة قومية!

ناشر موقع حرمون

Haramoon.org/ar

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى