جعجع لمعركة مفتوحة مع التيار الوطني الحر

روزانا رمّال

يروي  رئيس حزب القوات اللبنانية وقائع كثيرة يريد تقديمها كإثبات على مسؤولية التيار الوطني الحر عن الأزمة التي عصفت بالعلاقة بين القوات و التيار منذ إتفاق معراب ، ويتجاهل حادثتين يعرف أنهما من أكبر الأمور في حسابات رئيس الجمهورية كزعيم معنوي للتيار وفي حسابات رئيس التيار خصوصا الوزير جبران باسيل ، وهما ترشيح النائب المنتخب فادي سعد في البترون ، وهو ترشيح تنافسي مع رئيس التيار وهما ينتميان  لذات المنطقة الساحلية في القضاء ، بصورة تركت جرد البترون لنائب بطرس حرب مريحا والسعي للحصول على المقعد الذي ترشح عنه الوزير باسيل ، بعدما ضمن عدم تحالف القوات مع حرب ترك مصير حاصل مقعده على شريحة لا تغرف من صحن القوات الإنتخابي ، والثانية هي خوض معركة إستئجار البواخر لتوليد الكهرباء وتصويرها كمعركة ضد الفساد ، لتصير الحكايات التي يوردها جعجع تتصل بتفاصيل عروض تحالفية لا يعتبرها التيار جدية ومفيدة للطرفين كعروض التحالف في مرجعيون وصور الزهراني وسواهما .

و بمثل ترشيح فادي سعد في البترون ، تابع جعجع حملته بعد الإنتخابات ونتائجها ليقدم صورة تقول أن القوات والتيار متعادلين في تمثيل المسيحيين ، مقارنا الكتلتين الحزبيتين المتقربتين ، للقول أن هناك ثنائي مسيحي كما هناك ثنائي شيعي ، مطالبا بحصة وزارية للقوات تبقي على معادلة الحكومة الحالية التي أعقبت إنتخاب رئيس الجمهورية بتفاهم على الحصص الوزارية ، تنال القوات على اساسه ، منصبا حكوميا سياديا أو نائب رئيس الحكومة ، وعدد من الوزراء يفوق حجم تمثيل القوات النيابي ، لكن مع الأخذ بالإعتبار أن حجم القوات النيابي الجديد ، وهو يعلم أن تمثيل القوات الوزاري الحالي سياسي لا نيابي ، وأن الحكومة الجديدة ستخضع لمعادلات التمثيل النيابي ، التي ربما تتيح للقوات تمثيلا يشبه تمثيلها الحالي في الحكومة لكن بقوة التمثيل النيابي هذه المرة بإستحقاق وجدارة .

في النقاش حول الحصة الوزارية ورفع السقوف تلتقي القوات مع أطراف سياسية كثيرة ، وهذا يشفع لها ويسمح بالقول أن الأمر ليس تحديا للتيار الوطني الحر ، لكن الذي جرى بخصوص الترشيح لمنصب نائب مجلس النواب يعيد وضع الأمور في نصاب التحدي ، فكل القوى النيابية المعنية باللعبة الجديدة بعد الإنتخابات صرحت علنا بأنها تترك تسمية المرشح لمنصب نائب لائيس مجلس النواب للتيار الوطني الحر بصفته الكتلة الأكبر بين المسيحيين ، وكان ملفتا أن يكون رئيس مجلس النواب نبيه بري ، ومعلوم كم شهدت الإنتخابات وما قبلها من مشاحنات وسجلات وصلت حد التحدي ، في العلاقة بين حركة أمل والتيار الوطني الحر دخل بعضها محرمات الكلام والأمن ، أو كاد لولا الإستدراك ، ومعلوم أنه في المواجهات الإنتخابية بقيت حال التنافس بين التيار والقوات تحت السيطرة ، في كسروان والبترون والشوف وعالية والمتن وبعبدا وبيروت الأولى ، وهي مناطق التشارك الهامة وذات القيمة المضافة مسيحيا ، حتى في زحلة تم إحتواء الكثير من التشنجات ولم يظهر للعلن أن هناك أزمة قوات تيار ، بينما على العكس بدت المواجهة الإنتخابية في جزين بين التيار وحركة أمل كأنها أم المعارك ، ولم تنج العلاقة بينهما من رذاذ ترشيح التيار لمانفسين للوائح ثنائي حركة أمل وحزب الله في بعلبك الهرمل وفي مرجعيون ، ورغم كل ذلك لماذا يقف الرئيس بري موقفا إيجابيا من إعتبار الترشيح لمنصب نائب رئيس المجلس النيابي حقا مكتسبا للتيار بحصيلة تشكيله الكتلة المسيحية الأكبر ، بينما تذهب القوات لترشيح التحدي .

الترشيح هذه المرة يختلف عن ترشيح فادي سعد بوجه الوزير جبران باسيل ، فهو ترشيح  لاأمل بالفوز فيه ، مهمته التأثير على الصورة التمثيلية مسيحيا للتيار ، والإنتقاص من الصفة التي قالها بري ، بل وظيفته الفعلية هي القول تصحيحا لمعادلة بري ، أن هناك قوتين مسيحيتين تتقاسمان التمثيل المسيحي وما لم تتفقا على مرشح إجماع كما إتفق حزب الله وحركة أمل على ترشيح الرئيس بري لرئاسة مجلس النواب ، بل قام بالإعلان عن ترشيحه الأمين العام لحزب الله وقادة آخرون في الحزب قبل أن تعلنه حركة أمل ، فإن لكل من القوتين الحق بالترشح لمنصب نائب الرئيس ، ورسالة جعجع هنا التي يقرأها التيار هي أنكم تنفردون بالترشيح دون تشاور معنا كشريك بنصف التمثيل وتتصرفون كقوة تحتكر صفة القوة الأولى ، فخوضوا معركتكم لكنكم لن تنتزعوا حقنا بالتصرف الموازي والمماثل .

يعرف القواتيون أن مرشحهم لا يملك فرص الفوز المؤكد أنه سيكون من نصيب من يرشحه التيارالوطني الحر ،حتى لو لم يحظى مرشح التيار بتصويت الرئيس سعد الحريري ونواب كتلته وبتصويت النائب تيمور جنبلاط ونواب كتلته ، لكنهم يحرصون على التوقف أمام كل خطوة وسانحة تتصل بالقول أن هناك كتلة تمثل القرار المسيحي يقودها التيار الوطني الحر لتأكيد الحضور والقول أن المسيحيين يتثملون بكتلتين كبيرتين هما كتلة التيار وكتلة القوات ، وان كل شأن يخص التمثيل المسيحي لا ينطلق من توافق هاتين الكتلتين ستكون فيه للقوات كلمتها المخالفة لكلمة التيار .

محطات كثيرة على الطريق وإتسحقاقات عديدة ستمر تحت هذا العنوان ، وقد تكون أهمها المشاروات الخاصة بتشكيل الحكومة الجديدة ، حيث يحشد رئيس القوات اللبنانية مبكرا الرعاية السعودية التي خصته بمعوناتها الرمضانية دون سواه في رسالة ذات مغزى ، أن تقوم قوة مسيحية بتوزيع الحصص الغذائية السعودية على المسلمين الصائمين ، ويتوخى جعجع ضغطا سعوديا على الرئيس الحريري يربط ولادة الحكومة الجديدة برضى قواتي ، لإقامة التوازن مع دور رئيس الجمهورية الداعم للتيار الوطني الحر، وويراهن جعجع على مرحلة يغيب فيها نارد الحريري عن الملف الذي تعهده في الحكومة الحالية ، ليكون الرئيس الحريري أكثر تحررا من قواعد صاغها إبن عمته نادر مع  الوزير جبران باسيل ، أملا بأن يفتتح مرحلة ما بعد الإنتخابات بإنجاز حكومي يؤكد التوازن المسيحي الذي يريده .

زر الذهاب إلى الأعلى