تصريحات تركية عن الباب والمناطق العازلة الروس يردّون… والجيش السوري على التخوم

معن حمية

بالغ المحللون والمتابعون حين تحدّثوا عن تبدّل نسبي في الموقف التركي تجاه سورية. فاستنتاجات هؤلاء استندت إلى اشتراك تركيا مع روسيا الاتحادية وإيران في رعاية مؤتمر أستانة لتثبيت وقف النار، الذي جرى الاتفاق عليه، بصفقة ضمنت إخراج العناصر الإرهابية المتعدّدة الجنسيات وضمناً الجنسية التركية من منطقة شرق حلب، بعدما أحكم الجيش السوري وحلفاؤه حصارها واضعاً الإرهابيين تحت مرمى نيرانه.

ما أشيعَ عن تبدّل أو انعطافة تركية، لم يكن سوى محاولة للتعمية على فشل تركيا في تثبيت المجموعات الإرهابية في شرق حلب. وهنا يتضح أنّ موافقة تركيا على أن تكون طرفاً ضامناً لاتفاق وقف النار ـ الذي هو من ضمن صفقة خروج العناصر الإرهابية من شرق حلب ـ هي موافقة لا تعبّر عن أيّ تبدّل في الموقف التركي، بل كانت محاولة ترمي إلى امتلاك أوراق أخرى تعوّض فيها عن خسارة ورقة حلب.

سواء اعترفت تركيا أم لم تعترف، فإنّ مؤتمر أستانة 23 و24 كانون الثاني 2017، تقرّر في لحظة تخليص مدينة حلب من الإرهاب، وقد حاولت تركيا أن تعطّل هذا المؤتمر، فأوعزت إلى المجموعات الإرهابية بالتصعيد، والتهديد بعدم الذهاب الى أستانة، تحت ذريعة مواصلة الجيش السوري عملياته العسكرية. لكن هذه المحاولات التركية لم تنجح في التأثير على قرار الجيش السوري بحسم الوضع في منطقة وادي بردى وإعادة المياه الى العاصمة دمشق.

لم تكن تركيا قادرة على أن تتنصّل من التزاماتها مع الروس والإيرانيين بتثبيت وقف إطلاق النار، فهي حصلت مقابل ذلك على الثمن بإنقاذ آلاف الإرهابيين من الموت المحتم، وبالتأكيد بينهم ضباط أتراك. لكنها رغم ذلك، لم توفر فرصة لإفشال مسار وقف النار، وإلى جانبها وقفت السعودية التي رفعت سقف الشروط لمشاركة المجموعات التي تتبع لها. علماً أنّ التنسيق بين أنقرة والرياض، لم ينقطع على الإطلاق، واللقاء الذي حصل أمس في أنقرة بين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، كشف عن عمق هذا التنسيق، إذ أعلن الأول عن «تطابق موقف البلدين حيال سورية والعراق وتدخل إيران في المنطقة»، وأنّ «حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية». في حين تحدّث الثاني عن «مصالح مشتركة» و»تنسيق أفضل»، وعن تقدّم لقواته في شمال سورية.

التنسيق والتعاون القائمان بين أنقرة والرياض ودول أخرى، تحت عنوان استمرار دعم المجموعات الإرهابية في سورية، يؤكد بأنّ الموقف التركي لم يتغيّر تجاه سورية، لا بل أنّ تركيا لا تزال تعلن عن المواقف نفسها، إنْ لجهة إقامة المناطق العازلة، أو لجهة تدمير الدولة السورية، وبدا هذا الاتجاه واضحاً، بتأكيد الناطق باسم الرئاسة التركية ابراهيم قالين، أمس بأنّ «أولوية أنقرة تكمن في إقامة منطقة آمنة بشمال سورية، تمتدّ بين بلدتي اعزاز وجرابلس!». وأعلن قالين في تصريحاته أنّ المجموعات التي تدعمها تركيا أصبحت داخل مدينة الباب، و»أنّ العملية العسكرية في الباب تقترب من الانتهاء». ولم يغفل الإشارة إلى تنسيق مع الروس لتفادي صدامات مع الجيش السوري! أما رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم فقد أعلن بدوره أمس أنّ المجموعات المدعومة من أنقرة سيطرت على الأحياء الخارجية لمدينة الباب. وقال إنّ المدينة محاصرة حالياً من الجهات كلها!

التصريحات التركية عن «تقدّم» في مدينة الباب وتنسيق مع الروس، والمناطق الآمنة، استدعت رداً من مدير القسم الرابع للشؤون الأوروبية في وزارة الخارجية الروسية ألكسندر بوتسان خارتشينكو، أشار فيه إلى وجود «نقاط اختلاف كثيرة في مواقف موسكو وأنقرة من الأزمة السورية … وأنّ الجانب الروسي ينطلق من أنّ الأتراك لا يقيمون منطقة عازلة … وأنّ موقف موسكو من عملية درع الفرات التي يقودها الجيش التركي في شمال سورية، لم يتغيّر، لجهة تأكيد ضرورة إجراء أيّ عمليات قتالية نشطة في أراضي دولة أخرى بموافقة حكومة هذه الدولة فقط».

أما مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين فقد أكد أنّ التطورات الأخيرة في سورية تجاوزت فكرة إنشاء ما يسمّى «المناطق الآمنة».

هنا يتبيّن من التصريحات التركية المتناقضة والمتسرّعة بين من يتحدّث عن تقدّم في مدينة الباب، وبين مَن يؤكد دخولها وبين إعلان السيطرة على أحيائها الخارجية، كلّ ذلك يؤكد أنّ تركيا تعيش حالة من الهلع والهستيريا نتيجة التقدّم الذي يُحرزه الجيش السوري باتجاه المدينة، حيث تشير التقارير الميدانية إلى أنّ المسافة التي تفصل الجيش السوري وحلفاءه عن الباب لا تتعدّى الكيلومترين.

وعليه، يبدو أنّ الهلع التركي هو بسبب إدراك حكومة أردوغان أنّ مفتاح مدينة الباب بات بيد الجيش السوري وحده.

عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى