نعرف أسماءكم واحداً واحداً

روزانا رمّال

بعض المطالعات والأحداث لا تحتاج للتحليلات السياسية دائماً او المقاربات العسكرية ولا تحتاج الى الإكثار من التفكير بتوقيتها او بالغوص في معانيها، مثل رحلة البحث بين اللاوعي الذي يسبق غالباً مواقف الانسان ظاهرياً. فهي تأتي مفتوحة ككتاب مخطوط بسطور مقروءة تنساب أحرفها كسيل أنهار من القرارات «المعلنة» والموجهة الى ذلك العدو المكسور إذ ينبغي عليه تلقيها… فقط «تلقيها».

ليس وارداً عند حزب الله الإكثار من الكلام، وهو لم يكن يوماً كذلك، وليس دائماً بالنسبة إليه مسرح العمليات العسكرية هو خيار ردع العدو وإيلامه. فبالإمكان إيلامه بطرائق أخرى، هكذا و«عالمشكوف» أمام أعين وسائل إعلام العالم، تعرية قدرات «إسرائيل» أمام منظمة «حزب الله». تلك المنظمة التي لا تترك وسيلة لتؤكد حقها بالوجود والقتال والمقاومة وصنع الحدث الشرق أوسطي.

يعرف حزب الله أن الوقت لا يتّسع دائماً لإرسال رسائل متقطعة. وهو يدرك أنه يعمل وفق منطق العدو «باثنين» الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل» فلم يعد يحيطه شك بعد حرب تموز 2006 عليه وعلى مؤسساته الرسمية التي كشف النقاب عن ظروفها بعد سنوات عليها، أنها كانت حرب بطلب أميركي مباشر، ولا يوجد لديه أدنى شك في أن الإدارة الأميركية نفسها هي مَن تطيل أمد الحرب على اليمن حتى اللحظة، وهي مَن تحركت منذ ايام لتحريك العملية التفاوضية لإيجاد حل بعد أن أثبت جيش «الحوثي»، شبيه تجربة حزب الله بمراحلها مع العدو «الإسرائيلي»، أنه لم يُهزَم حتى بعد سنتين من الحرب عليه.

جولة إعلامية نظّمها حزب الله على الحدود الجنوبية تكفّلت بقول كل شيء لواشنطن وتل أبيب، خصوصاً أن واشنطن تعِد بالمزيد من العقوبات على حزب الله هذه الأيام وعلى أن أجواء الحزب محيطة بموقف يرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه الرئيس الفاقد للمسؤولية في قيادة البلاد فكيف بالسياسة الخارجية؟ فإن رسالة من نوع الجهوزية التامة لدخول الجليل مثلاً تكاد توازي عملية عسكرية كاملة ينظّمها وينفذها رجال حزب الله في مزارع شبعا.

لم يعُد حزب الله يحتاج لتعريض لبنان الى الخطر، ذلك الخطر الذي يحذّر منه سمير جعجع الممتعض من الزيارة الإعلامية المنظمة من الإعلام الحربي الذي ذاع صيته في الحرب السورية. رسائل كثيرة لكنها مكشوفة لا تحتاج إلى الغوص في أعماقها التي قرر حزب الله تقديمها على مائدة العالم. وبالعودة لجعجع كان قد اعتاد اللبنانيون خصوم حزب الله على انتقادات من نوع حادّ في لحظات ارتجالية يخطط الحزب فيها للقيام بعملية انتقامية أو طبيعية مع العدو في مزارع شبعا او تلال كفرشوبا او ربما لحظة الأسر في تموز التي استجلبت حرباً كبرى، لكن أن يمتعض البعض من زيارة إعلامية للحزب فإن هذا دليل واضح على نجاح حزب الله في تقليص خسائره وتكبير رسائله بخطوات أبسط مما كانت تكلّفه سابقاً… فالصوت بات أعلى والهالة أكبر.

يخشى بعض اللبنانيين من استفزاز «إسرائيل» المستفزة سلفاً من سلوك حزب الله في كل من الجنوب السوري الملاصق معها، وفي العراق واليمن، وقد اجتازت مرحلة الاستفزاز أصلاً، وهي التي باتت مستنفرة لمعركة جدية في أي ثانية تنقلب فيها جبهات المنطقة رأساً على عقب في لحظة انهيار دراماتيكي للأحداث. المسألة لم تكن استفزازاً نهائياً فلا الحزب يحتاج لممارسة هوايات صبيانية ولا «إسرائيل» تتعاطى معه بهذا المنظار. كل ما في الامر ان حزب الله اراد القول لـ«الإسرائيليين» في لحظة مصيرية بالمنطقة «احترسوا» من أن تتدهور الجبهة السورية وأن تُمعنوا في التعدّي والتفكير في توسيع الحرب أكثر لأن جبهة جنوب لبنان ليست كما كانت عليه وجنود حزب الله يتوجّهون لكم بالمباشر، وبما خوّلتهم قيادة في حزب الله بمكاشفته فيه ليصل جيداً! ضابط في حزب الله يقول أمام إعلام العالم ويسمع للمعنيين في جيش الاحتلال «رسالة حزب الله: «نعرف أسماءكم واحداً واحداً… نعرف كل شبر عندكم». نعرف الكثير عن حياتكم. نتابعكم في يومياتكم، نراقبكم في أدق تفاصيل حياتكم. نعرف عنكم الكثير.. كيف حصل هذا؟

أراد الحزب القول «نحن أقرب مما تتخيّلون، وربما لا يفصلنا هذا الشريط الشائك عنكم، فمنا من بات «بينكم» يلاحقكم بين مواقعكم العسكرية، فلا تلعبوا بالنار في هذه المنطقة أكثر فحزب الله جاهز «جداً» وليس منهَكاً من الحرب السورية وجاهز لخلط الأوراق قبل التسويات الكبرى.

لا يزال خطاب أمين عام حزب الله الذي أكد فيه نية الحزب دخول الجليل حاضراً في أذهان القيادات الأمنية «الإسرائيلية» التي تدرك أنه موضع احتراز وتفعيل.

وفي وقت تبدو تل أبيب متسلّحة بقرارات أميركية مضطربة منذ تسلم ترامب وتحركه جدياً في سورية بقصف مطار الشعيرات تدرك أن كل ما ورد برسائل حزب الله منذ سنوات حتى الجولة الإعلامية امس مترابط، وقد يصبح واقعاً إذا قررت «إسرائيل» أخذ قرار مشترك مع ترامب كإجراء عسكري ضد حزب الله او لبنان للضغط عليه في سورية أو العكس استخدام سورية لقصف حزب الله والضغط عليه للخروج منها بعد مطالبات «إسرائيلية» الشهر الماضي بـ«حرية الحركة». وهو الأمر الذي رفضته روسيا بالمطلق.

حزب الله يهاجم، يخترق، ويربط تعاطي «إسرائيل» معه بملفات المنطقة بالتوازي بأي وقت أو صيغة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى