رندة بري: لمواجهة محاولات تهميش دورها وإقصائها عن مواقع القرار

نظمت كلية الإعلام في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا AUST ـ الأشرفية، لقاء حوارياً مع السيدة رندة عاصي بري حول مكانة المرأة في المجتمع اللبناني بعنوان «نساء مؤثرات: إنه وقتك»، في حرم الجامعة، بحضور رئيسة الجامعة الدكتورة هيام صقر، عميد كلية الإعلام الدكتور جورج فرحة، عدد من عمداء الكليات، وحشد من الأساتذة والطلاب وممثلي وسائل الإعلام.

بعد كلمة ترحيبية من الزميل الإعلامي طوني سلامة الذي أدار الحوار، تحدثت الدكتورة هيام صقر مرحبة بالسيدة بري في الجامعة، معربة عن سعادتها بمشاركة السيدة بري طلاب الجامعة تجربتها الرائدة في العمل العام وحضورها الدائم والمؤثر في مختلف المجالات، واصفة إياها «بالنموذج والمثال للسيدة اللبنانية التي تستحق أن يُسمع لها».

وألقى الدكتور جورج فرحة، بدوره، كلمة رحّب خلالها بالسيدة بري في حرم الجامعة، معتبراً «أنّ حصاد ما زرعته في مسيرتها الطويلة ذهب إلى الناس الطيبين والأيتام والمهجّرين والمعوقين والأسرى والمُحتاجين، فالصروح العلمية والثقافية والتربوية تجسّد الآية الكريمة التي تقول: «ومن ثمارهم تعرفونهم».

وتوجه فرحة إلى الطلاب قائلاً: «إذا بحثتم عن النموذج الإنساني ليُقتدى، فما عليكم إلا أن تقرأوا في سيرة هذه المرأة الجبّارة لتعتبروا».

ونوّه «بالمبادارت الغنية للسيدة بري في وطن تبدو فيه المبادرات الفردية هي المحرك الأساس، فكانت المرأة الوقورة والمهابة والسبّاقة، وواكبت رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري بحكمتها وبشاشتها وإرادتها الصلبة فاجتازت واجتزنا معهما أودية الدموع إلى تلال السلام والأمان».

وختم فرحة متسائلاً: «من يستطيع أن يُحصي قمحاً على بيدر عطاءاتها»؟

بعد ذلك، تمّ عرض فيلم وثائقي يَختصر مسيرة السيدة بري وعطاءاتها منذ العام 1982 إبّان الاجتياح «الإسرائيلي» حتى يومنا هذا، ويلقي الضوء على إنجازاتها على الصعيد الاجتماعي والإنساني والثقافي والتربوي والبيئي والرياضي والفني في مختلف المناطق اللبنانية.

واستهلت بري كلمتها بتوجيه «عميق الشكر والتقدير لرئيسة الجامعة الصديقة الدكتورة هيام صقر على منحها لي فرصة لقاء الطلاب الأعزاء، والشكر أيضاً موصول لكلية الإعلام في الجامعة عميداً وطلاباً على اختيارهم المرأة اللبنانية بين المكانة والدور والتأثير عنواناً للقاء حواري، وهو عنوان يأتي في المكان الصحيح من خلال ما يمثل هذا الصرح مع غيره من الصروح التربوية، من موقع مهم في صناعة ثقافة الرأي العام، ويأتي أيضاً في اللحظة التاريخية الصحيحة بما تمثله هذه المرحلة من حاجة ملحّة لمعرفة أهمية دور المرأة في صناعة حياة الدولة والمجتمع والإنسان في لبنان ومعرفة حجم هذا الدور»، متمنية «أن يُسهم هذا اللقاء في خلق وعي معرفي حول المرأة اللبنانية وما هو المطلوب لتعزيز دورها المحوري كشريكة في النهوض بلبنان الوطن والرسالة».

وإدراكاً منها لأهمية رعاية شؤون ذوي الاحتياجات الخاصة في مختلف نواحي الحياة، باعتبارها قضية اجتماعية وإنسانية حساسة، أكدت بري أنّ هذه القضية تأخذ حيزاً كبيراً من اهتماماتها، لافتة إلى الدور الذي يلعبه «مجمّع نبيه بري لرعاية المعوقين» في الصرفند بجنوب لبنان في رعايتهم وتقديم الخدمات الأساسية لهم، وإلى الدور الكبير الذي يلعبه الرئيس نبيه بري في دعمها ومساندتها في هذا المجال.

وقالت: «عندما افتتحنا المجمّع جاءت لجنة من فرنسا للكشف على مدى التزامنا معايير الجودة التي على أساسها تمّ توقيع الاتفاقية معها، وما كان مستغرباً أنّ أول سؤال طرحته اللجنة كان: لماذا وضعتم اسم نبيه بري على المجمع؟ فأجبناهم أليس لديكم في فرنسا مطار باسم شارل ديغول؟ ألا يحقّ لنا أن نكرّم الرجال الوطنيين الكبار الذين دعمونا ووقفوا إلى جانبنا»؟ وأكدت «أنّ الرئيس بري رفض في البداية أن يحمل المجمّع اسمه، لكننا في مجلس الإدارة أصرّينا بشدة، تكريماً له على دوره ومواكبته لنا. والتاريخ لا بدّ أن يذكر أمثال الرئيس نبيه بري من الرجال الكبار».

وأشارت إلى أنّ هناك إجحافاً كبيراً يلحق بالأشخاص المعوقين، معتبرة أنّ «من أخطر الأمور أننا لم نتعلم ولم نتواصل مع شرائح المجتمع». وقالت: «نحن نتكلم عن إجحاف كبير يلحق بهؤلاء الأشخاص، وقد ارتفع حجم الإعاقة بسبب الإهمال، حتى وصل عدد ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى في لبنان إلى 24 ألفاً. نحن اليوم لا نعمل على التأهيل فقط، بل أيضاً على تجنُّب حصول الإعاقة».

وتطرقت بري إلى القانون الرقم 220/2000 الذي حدّد الحقوق الخاصة بالأشخاص المعوقين بالحصول على الخدمات الصحية والاجتماعية، والعيش في بيئة مؤهلة، وحقوق التنقل والسكن والتعليم والرياضة والتوظيف والانتخاب وغيرها من الحقوق، لافتة إلى «أنّ المشكلة ليست في القوانين بل في التطبيق».

على صعيد آخر، تحدثت بري عن تجربتها مع أبناء الجنوب خلال فترات الاعتداءات «الإسرائيلية» المتكرّرة، واستذكرت مجزرة العصر ـ مجزرة قانا «التي تعكس وقاحة وهمجية العدو الذي استهدف مواطنين مدنيين عزلاً في خيمة تابعة للأمم المتحدة، معظمهم من النساء والأطفال».

وقالت: «إنها قانا التي حضر السيد المسيح عليه السلام عرس أحد أبنائها وشهدت أولى معجزاته عندما شفى المرأة الكنعانية. يجب أن تكون هذه المدينة مزاراً ليس فقط لنتذكر بحزن شهداء تلك المجزرة الرهيبة، بل لنفتش فيها عن مكامن القوة». وتوجّهت إلى الطلاب قائلة: «يجب أن تفتخروا وتتفاخروا بإرث لبنان التاريخي والحضاري».

وذكرت السيدة بري مريم وابراهيم الذين قضت عائلتهما في المجزرة وتمت معالجتهما في فرنسا، كما تبنّتهما عائلتان فرنسيتان تولتا رعايتهما صحياً ونفسياً واجتماعياً وتربوياً. وقالت: «طلبتُ من بعض الأصدقاء مساعدتي ليُعالجا في فرنسا، وأريد هنا ونحن في أجواء ذكرى المجزرة أن أوجّه التحية إلى دولة الرئيس عصام فارس الذي وضع طائرة خاصة مجهزة بالمعدات الطبية اللازمة لنقل الجرحى».

على الصعيد السياسي، انتقدت بري ما يتم تداوله في الآونة الأخيرة في ما يتعلق بموضوع الانتخاب، خصوصاً الاقتراحات التي تقوم على أساس طائفي. وسألت: «أي قانون يحضّرون لنا؟ وإذا كان هناك قانون انتخاب يفصل المسيحي عن المسلم، ماذا نقول عن المسيحيين الذين استشهدوا ودفنوا مع المسلمين في قانا؟ هل يجب أن نفصلهم عن بعضهم»؟

وعن موقع المرأة في المجتمع، تحدثت بري عن تجربتها الخاصة وكيف بدأت العمل عام 1982 في مطبعة والدها، لكنها وجدت نفسها في رعاية المحتاجين والمُهجّرين والمعوزين. وسألت: «لماذا يسمون لبنان سويسرا الشرق؟ الجمال والطبيعة الساحرة في لبنان عمل رباني وليس من صنع البشر؟ نحن دمرنا الكثير ولم نحافظ على هذه النعمة الربانية ولم نفعل أي شيء ليصبح لبنان شبيهاً بسويسرا، من حيث احترام القانون والنظام وحقوق الإنسان. لقد قمتُ بالعديد من المبادرات باتجاه تطوير وتحسين المجتمع اللبناني وخدمة شرائحه المختلفة. لقد ساهمتُ في إخراج قانون المعوقين من الأدراج، وانطلاقاً منه بدأت أعمل على تكريس حقّ المعوق في ممارسة النشاطات الرياضية، فوجدتُ أنّ في كلّ الدول العربية اتحاد لرياضة المعوقين إلا في لبنان، فأنشاتُ اتحاداً. وعلى المستوى الثقافي، ساهمتُ في وضع مدينة صور على لائحة التراث العالمي وأنشأتُ محمية برية وبحرية للمدينة».

وتعجّبت السيدة بري لعدم استرجاع الدولة اللبنانية ما سرق ونُهب من آثار صور إبّان الاحتلال «الإسرائيلي»، في حين أنّ مصر، على سبيل المثال، استرجعت عدداً كبيراً من القطع الأثرية التي سرقتها «إسرائيل» من مدينة سيناء.

وأشارة السيدة بري إلى الدور الذي لعبه زوجها الرئيس نبيه بري في نجاحها. وقالت: «كان يجلس مع أطفالنا ليغطي غيابي، وأنا أتجول على الحدود مع أهلنا في الجنوب. لا بد للإنسان أن يرتب أولوياته وأحب هذه الأولويات هي القضايا الإنسانية ومساعدة من هم بحاجة إلى المساعدة. وإذا سُئلت عن المكان الأحب إلى قلبي، سأجيب بأنه مجمّع نبيه بري لرعاية المعوقين في الصرفند، فهناك أتواصل مع ذوي الاحتياجات وأتابع شؤونهم وشجونهم وأستمد القوة والعزيمة منهم».

بعد ذلك، أجابت السيدة بري عن أسئلة الطلاب والتي تمحورت حول دور المرأة في والسياسة والإعلام، حيث شدّدت بري على «أنّ المرأة هي التي تصنع نفسها ولا يجب أن تنتظر من يطرق بابها… عليها أن تتقدم وتخترق الجدار».

وردّاً على سؤال طرحته طالبة تونسية حول دور المرأة في صنع القرار والتشريع والصعوبات التي تواجهها وحول من هم النساء المؤثرات، اعتبرت بري «أنّ المرأة التونسية مثال يحتذى لأنها مؤثرة في مجتمعها بثقافتها ودورها في الشأن العام».

ورداً على سؤال آخر حول «الكوتا» النسائية، كشفت السيدة بري عن وجود لوبي يحضر لتطويق المرأة ومنع الكوتا. وقالت: «على المرأة الضغط من خلال الأحزاب وأصحاب القرار باللوائح»، وطالبت النساء بالنزول إلى الساحات والاعتراض لأنّ استبعاد «الكوتا» هو ضدّ تطور المرأة، لافتة إلى أنها ناقشت هذه المسألة مع عدد من المسؤولين وسألتهم: هناك 70 في المئة من الإناث في الجامعات وهن متفوقات، فكيف ترسلون بناتكم إلى الخارج ليطلبوا العلم في أرقى الجامعات، وفي المقابل، تنسحبون وتتعصبون ضدّ المرأة وتحاولون تهميش دورها وإقصاءها كلياً عن مواقع القرار»؟

وفي الختام، قدمت رئيسة الجامعة الدكتورة هيام صقر درعاً تكريمية للسيدة رندة بري، ثم أُخذت الصور التذكارية مع الطلاب والأساتذة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى