الدخان الأبيض من بعبدا

ناصر قنديل

– وضع لبنان على سكة قانون جديد للانتخاب وبقيت صياغات تفصيلية تفاهم الرئيسان ميشال عون ونبيه بري على مقاربتها تقنياً، ضمن معادلة أنّ التوصل للقانون الجديد لا يقارن بالمخاطرة بالذهاب للتمديد أو الفراغ أو العودة لقانون الستين، وأن ينظر كلّ صاحب مطلب من هذه التفاصيل في كلّ لحظة تفاوض إلى عدم مقارنة حساباته بين حال الأخذ بها أو الفشل، بل بين عدم الأخذ بها والذهاب إلى أحد المحرّمات الثلاثة.

– المخاطرة بالهاوية بعد نهاية ولاية المجلس النيابي خلال أيام تعني شيئاً واحداً، أنّ هناك من يريد عمداً بلوغ الهاوية لبلوغ قانون الستين وهو يلعنه صبحاً ومساء، أو التمديد أو الفراغ، فكلّ عاقل صادق بعزمه على استيلاد قانون جديد يقوم على النسبية لا يمكن أن يفرّط بما أنجز حتى الآن، وارتضاء تحقيق نسبة عالية من الطموح لتفادي الأسوأ، فمهما كانت النقاط الباقية ذات أهمية بالنسبة لأصحابها عليهم أن يعترفوا إذا ذهبوا لقانون الستين بسبب عدم أخذ الآخرين بها، أنّ قانون الستين كان دائماً خيار الظلّ لديهم.

– المتفاوضون يعلمون أنهم لم يبدأوا البحث بقانون الانتخابات على قضايا تتصل بإعادة النظر بعدد النواب وتوزّعهم، وأنهم لدى طرح خيار النسبية لم يقل أحد منهم أنّ هناك خلافات على عناوين مثل عتبة الفوز للوائح وطريقة احتساب الفائزين، وكلها قضايا يحتمل الخلاف حولها نقاشاً هادئاً في المجلس المقبل، الذي ينتج عن القانون الجديد، ما دام هو التعاقد قائماً على جعل أولوية اهتمامات المجلس المقبل صياغة قانون يلتقي الجميع على كونه الأصلح والأمثل، وهو الذي يستوحي المادة 22 من الدستور وصيغة مجلسي النواب والشيوخ، ومن ضمنها يمكن البحث بكلّ القضايا التي ستبقى عالقة من مباحثات القانون اليوم. فوجود المجلسين سيفتح البحث بتخفيض عدد النواب، وتجربة الانتخابات القانون الجديد القائم على تطبيق النسبية لأول مرة في لبنان، ستظهر الكثير من القضايا التي يجب لحظها في أيّ قانون له صفة الديمومة.

– ينتظر اللبنانيون من قادتهم، وقد أظهروا مسؤولية وجدية بزراعة بارقة أمل جديدة، بعدم بلوغ الهاوية بهم، أن ينتبهوا أنّ ذكاء اللبنانيين كافٍ ليكتشفوا في حال الفشل بأنّ السبب ليست الخلافات ولا الاجتهادات ولا ما سيرد في الاتهامات، لأنّ اللبنانيين يعرفون أنّ أبسط الحسابات لدى السياسيين هي بالذهاب إلى الأفضل بالنسبة إليهم، وعندما يقع الأسوأ على اللبنانيين سيعرفون أنّ هذا الأسوأ كان دائماً هو الأفضل بالنسبة لأحد من الفرقاء القادرين على ممارسة الفيتو على أيّ اتفاق وسيعرفونه ويقولونه بالاسم، وستكون خسارته أكبر مما يتخيّل، ولن يتركه اللبنانيون يتسبّب بقذفهم إلى الهاوية وحدهم، فإن كان الستين هو البديل فسيعرفون من النتائج مَن كان يريده أصلاً، وإنْ كان التمديد فسيعرفون كيف يحوّلونه جحيماً نيابياً يفرض استيلاداً سريعاً لقانون جديد بضغط سيختلف هذه المرة عن كلّ حدث.

– حذار الاستخفاف بذكاء اللبنانيين، فالاصطفاف الطائفي الذي يبدو عميقاًً لم يعُد جاذباً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى