فلسطين.. الطريق والبوصلة

ياسر قشلق

تاه شعبنا في فلسطين في متاهات شتى بعد اغتصاب فلسطين.

ربما هول الضربة كان قاسياً، فشتّتت تركيزه.

ربما لم يكن مهيئاً في بنيته الفكرية وأهليته السياسية وترابطه الاجتماعي، وحضوره الفكري..

كان وما زال مشرّداً وهو مقيم في فلسطين، بين جواذب لا تتوقف عن تجاذبه إلى أقطابها، لتفسّخ روحه، وتفرّق بنيته، وتملّع جسده التاريخي المشرقي..

حيناً يتمّ تصوير أنّ الضوء في نهاية نفق الاحتلال آتٍ من القاهرة، أو هكذا يُصوَّر، وحيناً آخر يلمع ضوء في عينيه من الرياض، وحيناً ثالثاً يلمح ضوءاً مماثلاً من الدوحة أو غيرها من عواصم العرب أو العالم..

وقليلون الذين يفطنون أن لا ضوء من خارج روح فلسطين، من خارج بيئة فلسطين، من خارج أهل فلسطين، من خارج حقيقة فلسطين، من خارج شام فلسطين، ومن خارج محور المقاومة الواعد بزمن الانتصارات التي ابتدأت بالتحرير في لبنان..

كلّ ضوء آخر ما هو إلا انعكاس باهت، لضوئنا نحن، الذي كاد يتلاشى بكثرة الركام على حقيقتنا التاريخية القومية الساطعة، والتي إن لم نستعدها فتستعيدنا، فلن تصبح فلسطين طريقنا، ولن تصبح كل حبة تراب منها، وكل نسمة هواء من سمائها، وكل نقطة عرق من مقاوميها، وكل نقطة دم من شهدائها بوصلتنا والاتجاه.

فبعد ثلاثة وستين عاماً من النضال المضني في حنايا القضية الفلسطينية اكتشفنا أنّ قضيتنا لم تكن فلسطين.

ناضلنا في قضايا اليمين وهموم اليسار إلى حدّ الإنهاك والملل من دون أن ندري أنّ سيف اليمين قد تثلّم وبندقية اليسار قد صدأت.

دافعنا عن أيديولوجيا لا تعنينا بحميّة كأنها الأقصى.

وانتصرنا لماركس كأنه المخلّص الجديد..

رأينا في كلّ فكر آتٍ من خارجنا أنه المرساة وروح الخلاص، فاندفعنا نتقاتل في التكتيكات والاستراتيجيات، في الماهيات والكيفيات، في الخطط والأهداف..

ولما انقشع غبار الميدان وجدنا أننا دمرنا الكثير من نسيجنا ومن القوى والإمكانات. أننا تهنا في أنحاء شتى، وقلوبنا شتى.. و«المطلوب واحد يا مرتا».. هو فلسطين.. التي لم نحملها بعزم. التي لم نرَها بوضوح. التي لم نعتنقها دنيا وديناً ليكون الانتصار.

والنتيجة :

شارفنا على تضييع فلسطين إلى الأبد تحت أصوات التكبير، ونحن نردّد بحناجر مشلولة وأيادٍ مبتورة ترفع أحزمة الموت «يا ثوار العالم انتحروا».

كان على جدِّي ألا يعذِّب نفسه عشرات السنين أمام المذياع لسماع خبر العودة. كان يدرك أكثر من الجميع أنه لن يعود، فهو الذي روى كيف أن أول جنود جاؤوا لتحرير فلسطين بصيحات «الله أكبر» عادوا منها بهمسات «إنا لله وإنا اليه راجعون».

اليوم وبعد هذه التضحيات كلها خارج فلسطين لم ننجز أي مكسب.

يجب أن ننسى لساعة أن فلسطين محتلة لنصلح الداخل الفلسطيني، يجب أن ننبذ الفتنة ونبدأ محاكمة من أخذونا إلى الخلاف الداخلي إلى التخلّي عن المسلمات إلى من تسلّلوا في ظلمات الليل الى أحلامنا ليسرقوا الأمل…

هكذا.. عندما نعتنق فلسطين، دِيناً ودنيا، وشام فلسطين اتجاهاً وطريق تحرّر وإرادة تحرير، نعرف أن المسافة بيننا وبين فلسطين هي قيد قرار، وخطة عبور بهيّ.. بات قريباً.

رئيس حركة فلسطين حرة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى