في «إعادة الإعمار»- 9 – خُماسيّة الأقانيمْ البٌنيويّة والبُنيانيّة …

من بينِ العديدِ من إشكاليّاتْ المُقارَبةِ الرّاهِنة والمُتداولة لموضوعِ «إعادة الإعمارْ»، لربّما كان أكثرها إشكاليّة أنّها حتّى الآن تضعُ العَرَبة أمامَ الحِصان، إذ تَقفِزُ مَنهجيّاً فَوقَ مجموعةٍ كبيرةٍ من الاستحقاقاتِ التمهيديّة والتأسيسيّة الحاسِمة.

الإشارةُ هُنا ليست فقط للمُتعلِّقات الهامّةِ خارجَ إطارِ المِعمار كتوافُرِ الظُّروفِ الأمنيّة المُناسبة، والإمكاناتِ الاقتصاديّة الّلازِمة، وتهيئةِ، وتأهيلِ البيئةِ ما تحت وفوق العُمرانيّة، الإنسانيّة منها بالذات، وتلك الاجتماعيّة الّلازمةِ لإعادةِ الإعمارِ في البَشَر قبلَ الحَجَرِ والشَجر، علاوة على التأسيس الفكريّ والتنظيريّ المتعلّق بمراجعة مفاهيميّة حصيفة لثلاثيّة «الهُويّة»، «الحداثة» و»التراث»..

إنّما الإشارةُ لما يَصبُّ في الصُلبِ والصميم من استحقاقاتٍ واجِبةٍ قبلَ الشُّروعِ بالتصميم وبِفعلِ البِناء الفِعليّ، وحتّى قبلَ الحَديثِ عَنه..

في الواقعِ، إنَّ أوَلَّ ما يَتوجَّب إعادةُ بِنائِهِ وإعمارِهِ هو، وللمُفارَقة، قِطاعُ البِناءِ والإعمار بحدِّ ذاتِه، ليسَ لأنَّه قد تهدَّمَ بِفعلِ الحَرب وإنَّما لأنّه، أولاً وأصلاً، أولى من غيره بالإصلاحِ والتحديثِ والتطوير، وكذلك لأنّهُ لم يسبِق لهُ أصلاً أن تمَّ بِناؤهُ على أُسُسٍ رؤيويةٍ سليمة، وعَليه، لعلَّ مَخاضَ هذه الحَرب يُثمِرُ وِلادةً تأسيسيّةٍ ونهضويّةّ لعمليَّةٍ شامِلة تشملُ أقانيمَ ومحاوِرَ خَمسةٍ مُتلازِمة، ولازِمة لكلّ مُتعلِّقاتِ ومُندرجاتِ المِعمار، دِراسةً، ممارسةً، سياسةً وسواها، وهي:

1 – قِطاعُ التعليمْ:

إعادةُ النَّظرِ جَذريّاً في كُلِّ جوانبِ، وأوجُهِ، ومُندرجاتِ، وأدواتِ العمليّة التعليميّة المِعماريّة المُتراجعة محليّاً بشكلٍ غير متناسب وهو ما يستحِقُّ أن يأخذ مبحثاً مستقلّاً مُستَفيضاً حيث لا يتَّسع له المقام ..

2 -قِطاعُ الثَّقافةِ والإعلام:

العَملُ على رفعِ سوية الثقافةِ والذائِقةِ العامّة غير المُساعدة، وذلك من خِلال أداءِ وسائِلِ الإعلامِ لواجباتها في هذا الإطار، ومِن خِلالِ استعادةِ وِزارةِ الثّقافة لدورها في فنِّ المِعمار بعدما تخلّت عنهُ لصالحِ المَرجعيّات الحكوميّة الخِدميّة والتِقنيّة، والنِقابيّة والعِمارة ليست فقط صِنوُ الحَضَارةْ، بل لطالما اعتبرتها الأُمَمُ المُتحضِّرة أمُّ الفُنونِ والثَّقافات ..

3 – قِطاعُ التَّشريع، والإدارة، والتنظيمْ:

إعادةُ النّظر جَذريّاً في الشقِّ المُؤسّسيّ للعمليّة المِعماريّة على الصعيدين الحُكوميّ والنِقابيّ حيثُ تُصادَرُ استقلاليّتها النقابيّة ويتمُّ إلحاقها بالحُقول الهندسيّة، وهو أحدُ أسبابِ تراجعِ وتخلّفِ المِهنة محليّا ، بما يشملُ إعادةَ النَّظرِ بالتّشريعات والآليّات الإجرائيّة الحاكِمة والناظمة للمُمارسة المِهنيّة نظام المُزاولة.. أسُسِ التخطيط.. ضابِطة البِناء.. مُصادرة واحتكار العمل المِعماريّ العام، وسواها ..

4 – قٍطاع الدِراسات والتَّصميم:

النَّجاحُ هنا مرتبطٌ بالضّرورة بنجاحِ الإصلاحِ في البُنودِ أعلاه، إذ سترتقي المعايير النوعيّة الحاكِمة لهذا القِطاع فنيّاَ ومِهنيّاً، عِلميّاً وعَمليّاً، لا لِعَوَزٍ أو نقصٍ في المواهب والاستعداداتِ الفِطريّة بقدر ما هو لنقصُ حادّ في سواها من الجوانب بدءا بالتعليم وليس انتهاء به ..

5 – قِطاع التنفيذ:

العملُ على إحداثِ تطويرٍ جذريٍّ وجوهريٍّ في كافّة جوانبِ تَقانةِ وأدواتِ وآليّاتِ ومواد وطرائِقِ التَشييد والإنشاء، والإشرافِ عليه وإدارته، بما يرتقي بسويّة التنفيذ البدائيّة والمُتدنيّة محليّاً رغم تقدّم الحِرفة اليدويّة بشكل كبير عن أقرانها على مستوى الإقليم ، وبما يتناولُ الفَسادَ وسوءُ الإدارة في هذا القِطاع الهامّ ..

سنان حسن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى