رياضة

هولندا ـ ألمانيا: الاختلاف الجوهري بين الأداء والإنجاز (2)

 

 ما بين ألمانيا وجارتها هولندا حرب كروية لن تخمد نيرانها منذ عقود، وغالباً ما تشهد ساحات «المونديالات» المتنقّلة بين القارات عمليات إبراز نقاط القوّة والتألق بين الجارين، وخصوصاً على الصعيد الفني والبدني وأحياناً الاستعراضيعن الاداء والانجازات واختلاف الرؤى وكيفية التعاطي مع اللعبة الشعبية الأولى في العالم، كتب الناقد الكروي ميشال نصرالله، وخصّنا بهذه المقاربة المستندة إلى الخبرة والحيادية، اليكم الحلقة الثانية من الدراسة التي أعدّها.

ميشال فريد نصرالله

غالباً ما تحدد مجموعة اللاعبين المتاحين الطريقة والتشكيلة الفضلى التي سيستخدمها المدربون في المباريات.

وهذا الأمر ينسحب على المدربين الهولنديين والألمان مع بعض الاختلاف في المقاربة، ويؤمن الألمان بهذه «القاعدة» ويلتزمون بهافالتشكيلة الألمانية التي فازت بيورو 96 مختلفة عن التشكيلة التي فازت بكأس العالم 2014.

أما في هولندا فالوضع مختلف، يكاد يكون من المستحيل تغيير تشكيلة الـ 4-3-3 الشهيرة، حيث أنهم يعتبرون أنها التشكيلة التي تغطي مساحات كبيرة مع خط دفاع متقدّم عندما تكون الكرة خارج الحيازة، وتؤمّن عدد كبير من المثلثات في حالة الاستحواذ.

ومن الصعب تصديق مقولة أن الهولنديين قدموا تنازلات كبيرة عند اعتمادهم خطة 4-3-3 لأنهم لعبوا لسنوات طوال وفق خطّة 3-4-3.

خطة هولندية جريئة!

في كأس العالم 1994، ومن دون غوليت وفان باستن، لعب الهولنديون بتوزيع 3-4-3 حتى  في ربع النهائي ضد منتخب البرازيل الذي أحرز اللقب.

وفي كرة القدم اليوم، لا يمكن توصيف هذه الخطة بأنها جريئة أو هجومية فحسب، بل انتحارية. لكن الهولنديين استمروا بها بالرغم من تغيّر المدربين، فتمسكوا بها في ظل قيادة أدفوكات ومن ثمّ مع المدرب هيدينك، ليتمّ سحقهم بنتيجة 4-1 من قبل إنكلترا في بطولة يورو 96، وكانت تلك المباراة الأخيرة في بطولة عالمية التي يلعبونها بـ 3 مدافعين.

فان باستن والتغيير

بعد هذه الفترة، كان هناك استثناء وحيد مع فان باستن، الذي كان من محبي يوهان كرويف والمتأثرين بفكره الكروي، فقرر المغامر اللعب مجدداً بـ 3 مدافعين، وذلك في افتتاح تصفيات كأس العالم 2006 أمام تشيكيا. فاز بالمباراة لكنه لم يستخدم الـ 3-4-3 بعد ذلك.

وما يجب أن يدركه المدرب الحالي للمنتخب الهولندي رونالد كومان أن البرتقالي فاز بقلوب الكثيرين بتشكيلات 3-4-3 و4-3-3 لكن اللقب الوحيد في يورو 88 جاء بتشكيلة 4-4-2. ومن الغريب أن هذا «التشكيل» لم يعتمد ثانية!

روح الفريقالأساس في المانشافت

تعدّ إحدى السمات الرئيسية للمنتخب الألماني هي العقلية وروح الفريق، وغالباً ما تميز بهذا الجانب.

يملك المنتخب دائماً الموظفين المناسبين لتقليل احتمالية حدوث اضطرابات داخل المعسكرات.

وكان هذا الأمر سبباً رئيسياً لتحقيق ألقابهم، فكلما كانت عقلية المجموعة أفضل، كلما كانت الفرصة أفضل أمام المدرب في المجال التكتيكي، وهذا بالطبع، سيؤدي إلى تزايد فرص النجاح.

بالمقابل، عانى «البرتقاليون» دائماً في هذا الشق، وتحمّلوا العواقب الوخيمة في البطولات الكبرى. كان لديهم دائماً عدد أكبر من «النجوم» وبالتالي المزيد من «الممالك» الصغيرة، كما أحب رينوس ميشيلز تسميتها.

وكانت مهمة المدرب الأصعب تتمثل بقدرته على إقناع اللاعبين ذوي «الممالك» بأن مصلحتهم الشخصية لا يجب أن تتقدّم على مصلحة الفريق.

وكلما زاد عدد النجوم ضمن الفريقزادت الممالكوبالتالي زادت المهمة صعوبة على المدرب.

ما حدث في معسكر المنتخب الألماني خلال كأس العالم 1994 ، يعتبر واحداً من الاستثناءات القليلة في الكرة الألمانية. يومها كان «المانشافت» من المرشّحين للفوز باللقب، وكان مساره أسهل  من المتوقع بحسب القرعة، حيث كان سيواجه بلغاريا في ربع النهائي. قبل المباراة، وبشكل غير متوقع، إدعت إحدى زوجات اللاعبين أنه لم يتم الاعتناء بها وبزميلاتها بشكل مناسب.

ظهر الأمر وكأنه من دون قيمة في البداية، لكن وسائل الإعلام استثمرت هذه التصريحات وخلقت آراء منقسمة داخل المعسكر الألماني.

فاعتبر البعض أنها صحيحة فيما اعتبرها آخرون مبالغة، وهو ما أثّر سلباً على روح الفريق وتركيزه، ليدفع «المانشافت» الثمن ضد فريق أقل منه جودة.

وبعدها بعامين، اتخذ المدرب بيرتي فوغتس إجراءات صارمة حين أبعد أسماء رئيسية من القائمة، وحدّ من التدخّل الإعلامي وفاز في النهاية بـ يورو 96 مع مجموعة لاعبين نوعيتهم أقل من الذين خسروا في مونديال 94.

هولندا والتخبّط!

إذا كان ما حدث مع ألمانيا هو استثناء، فهولندا تملك نماذج لا تعدّ ولا تحصى عن تخبط روح الفريق في كل بطولة تقريباًلاعب يخالف القواعد الأساسية بالخروج إلى الحانة في كأس العالم 1974، نجوم يثورون ضد المدرب من دون مبرر قبل كأس العالم 1990، خلاف بين غوس هيدينك وإدغار دافيدز في يورو 96، مناكفات كلويفرت وفان نيستلروي قبل وأثناء يورو 2004، وصولاً إلى يورو 2012 عندما رفض هونتيلار وفان ديرفارت البقاء على مقاعد البدلاء، هذه كلها أمثلة بسيطة عن المشاكل الذي اشتهر بها الهولنديون.

ويهتم اللاعبون الهولنديون أكثر بتقييمات الصحفيين بعد المباراة وليس بآراء المدربين، مع سرعتهم في التعبير عن آرائهم علناً. فالإعلام المواكب يبقى في حالة تأهب لمثل هذه «الهدايا».

ولذلك عمد المدرب ميشيلز إلى منع لاعبيه من انتقاد تكتيكاته أو زملائهم، سامحاً لهم بانتقاد أنفسهم فقط. لينجح في إقناع مجموعته بأن الإعلام هو عدوّهم الأول.

الألمانانضباط وسعي للتطوير

ستبقى ألمانيا منضبطة للغاية في كرة القدم، وسيبقى الألمان متابعون يوميون للمتغيّرات الدائمة في اللعبة، كما أن مدربيهم يظهرون استعدادهم للسفر بحثاً عن برامج تدريبية متطورة ساعين إلى الكمال في تطوير لاعبيهم وفرقهم. وهذا سيؤدي حتماً لمحافظة ألمانيا على تواضعها واستمرار نهجها التعليمي وبالمحصلة، ستحصد المزيد من الألقاب.

أسباب التراجع الهولندي

من ناحية أخرى ، الغطرسة والإكتفاء الذاتي يسيطران على عقول المدربين ومسؤولي الاتحاد الهولندي. وهناك الكثير من الأسئلة التي يُمكن طرحها حولهم، هل يشعرون بالإحباط بسبب خسارة نهائي كأس العالم للمرة الثالثة في 2010 أم أنهم سعداء فقط بنتائجهم الإجمالية في البطولة؟ هل يشعر مشجعو اياكس أمستردام  بالإحباط لأنهم كانوا على بعد ثانية واحدة من الوصول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا 2019.

لتستمر فكرة الرضا عن النفس بالسيطرة في هولندا حتى مع أكثر لاعبيهم احترافاً وأكثر فرقهم قوة وفي أكثر لحظات الكرة الهولندية مصيرية.

هناك حدود لحركة القدمين والسرعة، لكن لا حدود للعقل ومجال التحسن شاسع هنا بالنسبة للهولنديين.

وتعدّ عقلية الفوز أصعب ما يمكن تعليمه لأي كان في أي رياضة . يحتاج الهولنديون إلى إتقان التفاصيل الصغيرة التي يجيدها جيرانهم.

يناقش كثيرون بأن الحافز هو أمر فطري فإما أن تمتلكه أو لا، لكن هذا غير صحيح. يعتبر الألمان من أفضل من إستطاع دمج الدافع الداخلي والخارجي بالطريقة الأكثر فاعلية لإنتاج لاعبين يتمتعون بعقلية لتحقيق الفوز، ليس هذا فحسب بل بدأوا بإنتاج لاعبين بعقلية معتادة على الفوز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى