أخيرة

النقطة الحرجة

في مقابلة قديمة مع إحدى القنوات التلفزيونية، ولم يكن قد اشتعل رأسه شيباً بعد، كان لا يزال يافعاً وملامح الشباب تكتسي محيّاه، ولكنه كان يتمتّع بألمعية فائقة، أخذ يتحدث سماحته، وكان ذلك بعد الاجتياح فيما أعتقد، عن التحدي المريع الذي تواجهه المقاومة، ثلّة من الشباب المتحمّس، وقليل مما تيسّر من السلاح، وجلّ القدرة آنذاك هي الروحية كما يسمّيها الحاج رضوان، ولكن السرّ كان في القرار، لقد كان قرار التحدّي والمواجهة، هذا كان منذ حوالي الأربعين عاماً، عدو يصول ويجول، وتسبق فعلته فكرته من شدة الاقتدار، ما أن يستشعر الرغبة في العدوان، حتى تندفع آلته الموغلة في التوحّش نحو الفتك.

هكذا كان الموقف آنذاك، فما هو الموقف بعد أربعين عاماً؟ قوة عسكرية مدجّجة، تعيش على إنجازات الماضي، يقابلها قوةً تنامت مما يعادل الصفر، الى تكدّس عسكري غير قابل للهزيمة، عدة وعدداً وروحية، وقبل هذا وذاك، جيش ضارب متمرّس مقاتل أذكت التجربة إمكانياته إلى حدّ الكمال، وهو يربو على المئة ألف مقاتل تحت السلاح، واحتياطي في حالة التعبئة العامة قد يتجاوز الربع مليون، أما مصيبة دولة الاحتلال المصطنعة الهشة، فهي انّ الموقف مثير للكثير من اليأس والإحباط والانكسار، حينما يدرك الباحث بأنّ هذه القوة الصاعدة آخذة في التعاظم مادياً ومعنوياً وتعبوياً، بينما الطرف الآخر فهو قوة آخذة في الاضمحلال، أقلّه في الإرادة والروح المعنوية والرغبة في الاستمرار في الصراع، قوة آخذة في المراكمة والتكديس الإيجابي، تقابلها قوة تنظر الى ذلك التصاعد في الناحية الأخرى من التلّ وهي لا تملك من أمرها شيئاً، فلا تجد في محاولة للتعويض سوى ابتداع توجه تطبيعي في المنطقة تراهن به على حثالة العرب كيما تبدو وكأنها تقوم بإنجازات خالية من أيّ مضمون سوى افتعال انتصارات وهمية دون كيشوتية…

واقع الحال يؤشر الى محتوىً آخر، دولة مصنوعة لأهداف معينة، استنفذت مقوّمات الوجود، وحان وقت الحصاد المرّ، تستشعر الهزيمة والانكفاء في صميم أعماقها، ويسير الزمن في غير صالحها حتى لحظة الحقيقة. وعمق استراتيجي مضمحلّ، ودولة مسخ يحيط بها بحر من النقيض، يتحيّن ساعة الحقيقة.

كشف حساب لمجريات ما حدث في العقود الأربعة الفائتة، المشهد يتجه نحو النقطة الحرجة التي ستطرأ نتيجة لأيّ خطأ في الحساب، أو سوء تقدير، او تداعٍ غير محسوب نحو صدام كلي، لقد حيّدت المقدرة على التدمير الشامل، وأصبح التدمير المتبادل ممكناً، مما سيترتب عليه تحييد هذه المقدرة، ونحن على وشك ان يحسم المعركة قتال الرجال رجل لرجل، حيث الإرادة والقيَم المعنوية هي عناصر الحسم، وحيث أنّ يدنا هي العليا في هذه المنطقة، لا يخامرني أدنى شكّ في ذلك.

سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى