المقاومة وأبطالها حاضرون والغائب سلطة رام الله…!
} سعادة مصطفى أرشيد*
سبق تشكيل الحكومة (الإسرائيلية) الحالية نشاط متزايد لأعمال المقاومة في الضفة الغربية وخاصة شمالها، اتهم نتنياهو في حملته الانتخابية خصومه الذين يقلون عنه تطرفاً ببضع ملمترات بأنهم عاجزون عن السيطرة وفاشلون في القضاء عليها، لكنه بعد تسلّمه مقاليد الحكم لم يستطع بأدائه وأداء وزير الأمن الداخلي بن غفير بصوته العالي ووزير المالية سموتريتش بمخططاته الخطيرة إلا أن يزيد من نشاطها وفاعليتها ومن الالتفاف العاطفي أولاً والشعبي ثانياً من حولها.
هكذا تمرّ الضفة الغربية منذ شهور في حالة حرب، فالمقاومة نشطة وتزداد قدرة وكفاءة وتراكماً من خبراتها في شمال الضفة، حيث تتمركز تنظيمات وخلايا وفصائل جديدة صغيرة الحجم حديثة النشأة، ولكنها حتى الآن عصيّة على الكسر بعيدة عن الاختراق ولا تتبع في عملها الميداني تنظيمات راعية لها، ليست لديها قيادات مركزية معروفة من الممكن تهديدها أو ترغيبها أو حتى التفاوض معها فكلّ منها قائد في منطقته وجواره.
أصبح اجتياح جنين ونابلس وطولكرم وطوباس والقرى المحيطة بهم برنامجاً روتينياً يومياً وليلياً، تدور فيه الاشتباكات وقد ينجح (الإسرائيلي) أحياناً في تنفيذ اعتقالات واغتيالات، ولكنه غير قادر على إنهاء ظاهرة المقاومة لا بل كلما تلاحقت اجتياحاته وقمعه ازدادت المقاومة.
سبق معركة الاثنين الماضي في مخيم جينين ارتفاع منسوب تصريحات على ألسنة قادة في الجيش والأمن ردّدها صحافيون مقرّبون من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تحرّض على القيام بعملية واسعة (لجزّ العشب) الذي ينمو على شكل المقاومة، وكان منها تصريح لرئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) يقول فيه إنّ المقاومة في شمال الضفة قد أصبحت على قدر من الجهوزية لتصنيع صواريخ محلياً.
فجر الاثنين الماضي كانت نتيجة التحريض والتعبئة قد أصبحت جاهزة وداهمت قوات كبيرة من الجيش والمستعربين مخيم جنين، لكن تلك المجموعات الشابة استطاعت إدارة المعركة والاشتباك باقتدار برغم رجحان ميزان القوى لغير صالحها، وترافقت المهارة مع الشجاعة والمعرفة التي اكتسبوها بتراكم التجربة، فاستدرجت العدو المستخفّ بها إلى حيث تريد وإلى حيث تنتظرها العبوات المعدّة بإحكام، فأعطبت آلياتها المعززة بدروع إضافية وتلك الجديدة من نوع (يوفال) التي تحاول الصناعات العسكرية الإسرائيلية تسويقها باعتبارها من أفضل الآليات في الاقتحام ولا تخترقها الرصاصات او القذائف المتوسطة القوة، وأصبح الجيش (الإسرائيلي) يبذل جهده للخروج وسحب جنوده المصابين وآلياته، الأمر الذي استغرق منه ثماني ساعات مع غطاء من مروحيات أباتشي التي استطاعت المقاومة إعطاب إحداها حسب اعتراف الناطق العسكري (الاسرائيلي).
أثناء تشييع أهالي جنين شهداء المجزرة من أطفال ومدنيين ومقاومين، كانت الأوساط (الإسرائيلية) منشغلة بتحليل ما جرى وسط صيحات الوزراء من أمثال بن غفير بالويل والثبور وعظائم الأمور، فكان أن ضربت المقاومة ضربة لا تقلّ إيلاماً ولكن في مكان آخر أوقع القتلى والجرحى وجميع إصاباتهم بالرأس مما يدلّ على كفاءة الفدائيين اللذين نفذا العملية.
الحاضر في الساحة هو المقاومة ومن ورائها جمهور فلسطيني عريض في جانب، وفي الجانب الآخر الجيش والأمن الإسرائيلي، أما الغائب فهو رام الله والسلطة الفلسطينية، أثناء العدوان الأخير على غزة صرّح أحد قادة الصف الأول في رام الله: نحن لسنا طرفاً في القتال الدائر في غزة، أما ما يقوم به (الإسرائيلي) ويبرّر به عدوانه على الضفة الغربية وخاصة شمالها فتعزوه الأوساط الحكومية (الاسرائيلية) إلى التقاعس الذي تبديه السلطة الفلسطينية وعدم قيامها بدورها المنصوص عليه في اتفاقيات اوسلو، كذلك بسبب عدم تنفيذها وعودها والتزاماتها التي وعدت بها في قمتي العقبة وشرم الشيخ قبل أكثر من شهر، وبأنها قادرة على إنهاء ظاهرة المقاومة، ولهذا لم يجد الجيش والأمن في (إسرائيل) من بدّ في القيام بما ليس منه بدّ لتحقيق الأمن، لا بل يذهب بعضهم للقول إنّ الأمور قلبت رأساً على عقب، إذ بدلاً من أن تقوم السلطة بالدفاع عن نفسها وتنفذ التزاماتها أصبح الجيش (الإسرائيلي) من يقاتل دفاعاً عن السلطة وبقائها الذي تتهدّده المقاومة. أما ما ظهر للعلن من دور للسطة فلا يتعدّى أن رفض بعضهم العدوان واستنكره آخر وطالب المجتمع الدولي أن يضع للعدوان حداً، أما بيان مجلس الوزراء الفلسطيني الذي كان في حالة انعقاد فقد تحدّث عن موعد بدء إجازة عيد الأضحى ومدّتها، وعن امتحانات الثانوية العامة وتنظيمها، ولكنه أيضاً لم ينسَ أن يعبّر عن «إدانته للسلوك الاسرائيلي»!
*سياسيّ فلسطينيّ مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.