أولى

هكذا تنفست روسيا الصعداء

‭}‬ حسن حردان
تنفست روسيا الصعداء، بعد ان فشلت محاولة ضرب استقرار روسيا وإشعال حرب داخلية، ونجح الرئيس فلاديمير بوتين في إنهاء تمرّد شركة فاغنر من دون إراقة الدماء الروسية، وتجنيب البلاد هذه الكأس المرة، وتلاشت بالتالي نشوة الغرب والنظام الأوكراني، التي دامت لساعات، لتعود مناخات الخيبة تخيّم في دوائر صنع القرار الغربية والأوكرانية، التي طالما كانت ولا تزال تحلم بتقويض استقرار روسيا لإلحاق الهزيمة بها.. ونجح بوتين في إعادة ضبط شركة فاغنر في إطار قرار القوات المسلحة الروسية…
لكن ما هي العوامل التي أدّت الى إنهاء تمرّد قائد فاغنر…
أولا، عندما حصل التمرّد العسكري لشركة فاغنر، وقيامها بالسيطرة على مدينة روستوف ومركز القيادة العسكرية الروسية الجنوبية فيها، وتوجه جزء من قواتها الى موسكو بغية تحقيق هدفها بإقالة وزير الدفاع وقائد الأركان، لجأ الرئيس بوتين الى اتهامها بارتكاب فعل الخيانة للوطن وطعن روسيا بالظهر، وهي تخوض حرب مصيرية ضدّ إعدائها الغربيين في أوكرانيا.. وأرفق ذلك بتحويل كلّ من شارك في هذه الجريمة الى القضاء، لكن الرئيس بوتين عمد في الوقت نفسه الى ترك الباب موارباً لتراجع قائد فاغنر بريغوجين وبالتالي تجنّب حصول المواجهة بين فاغنر والقوات الروسية..
ثانياً، على عكس ما حاول بعض الإعلام والمحللين والخبراء، تصوير وكأنّ الرئيس بوتين فاقد السيطرة والقدرة على مواجهة تمرّد فاغنر، وإنهاء تمرّدها بالقوة، وانّ الدولة الروسية لم يعد لديها قوة في الداخل قادرة على وضع حدّ لهذا التمرّد ومنع تقدّم قوات فاغنر باتجاه العاصمة، على عكس ذلك، فإنّ الرئيس بوتين الذي يملك من الخبرة والقدرة على التعامل مع مثل هذا الوضع الشاذ، لم يردّ قصف قوات فاغنر والقضاء عليها وهي تتقدّم باتجاه موسكو، وكان بإمكانه القيام بذلك عبر استخدام سلاح الجو، إلا أنه فضّل عدم القيام بذلك واللجوء الى حلّ الأزمة من دون إراقة الدماء، لا سيما أنّ قوات فاغنر لعبت دوراً هاماً في المعارك في أوكرانيا وقدّمت التضحيات وحققت الإنجازات، ولهذا أراد حلّ الأزمة بما يؤدي إلى إعادة ضبط فاغنر، مقابل تقديم بعض الضمانات الأمنية التي تجنّب عناصرها الملاحقة القانونية وتسقط أيضاً الملاحقة الجنائية بحق قائدها بريغوجين، واستعان الرئيس بوتين بالرئيس البيلاروسي لوكاشينكو للقيام بدور التواصل مع بريغوجين، الذي تجاوب مع شروط بوتين لحلّ الأزمة، مقابل حصوله على ضمانات أمنية له ولعناصره، وهي شروط تضمّنت عودة قوات فاغنر الى معسكراتها في أوكرانيا، وتوقيع، لمن يريد من عناصرها، عقود مع الجيش الروسي، أما بريغوجين فسوف يغادر الى بيلاروسيا، ما يعني عملياً إعادة ضبط فاغنر بشروط القوات المسلحة وإنهاء استقلاليتها.. وبالتالي عدم الاستجابة لشروط بريغوجين بإقالة وزير الدفاع وقائد أركان الجيش..
ثالثاً، أما لماذا وافق بريغوجين على شروط بوتين، فإنّ بريغوجين نفسه أوضح ذلك بطريقة غير مباشرة بقوله، عندما وصلنا إلى لحظة ستراق فيها الدماء من الطرفين قرّرنا تجنّب ذلك والعودة بعد أن وصلت القوات على بعد 200 كلم من موسكو.. وهذا يعني ضمناً أنّ بريغوجين أدرك أنّ استمراره في تمرّده ورفض شروط بوتين التي تتضمّن إسقاط الملاحقات الأمنية ضدّه وضدّ عناصره، سوف يقود إلى تدمير قواته وانتهاء الأمر بانتحاره أو مقتله أو إلقاء القبض عليه، إلى جانب تلويث تاريخه بالخيانة.. وكان الرئيس بوتين قد أرسل له رسائل قوية بهذا الاتجاه في حال رفض وأصرّ على مواصلة مغامرته، من خلال إرسال القوات الشيشانية الخاصة الى محيط روستوف، وقصف جزء من قافلة فاغنر في فورونيج للقول له انّ خيار استخدام القوة لإنهاء تمرّده جاهز، في حال رفض شروط بوتين..
رابعاً، أسهمت فاغنر شركة عسكرية التي عملت تحت راية الجيش الروسي، في خوض معارك هامة، وأرادت من خلال التمرّد العسكري الحصول على ردّ اعتبار لما قامت به من إنجازات في ميدان القتال في أوكرانيا، وآخرها تحرير مدينتي سوليدار وباخموت، ووضع حدّ لاستمرار تجاهل دورها من قبل قيادة الجيش.. لكن حنكة الرئيس بوتين وتعامله مع الحدث بروية وذكاء لإنهاء تمرّد فاغنر من دون حصول معركة، لعبت دوراً أساسياً في احتواء ما حصل وإعادة ضبط فاغنر.. ووضع حدّ لطموحات بريغوجين وما تسبّب به من خروج على النظام العام ومحاولة فرض شروطه لتغيير قيادة الجيش…
هكذا يمكن القول انّ أزمة فاغنر التي بدأت منذ سنوات بينها وبين قيادة الجيش، وكادت تفجر قتالاً داخل روسيا كان من المحتمل ان يؤدّي الى تداعيات سلبية على استقرار وتماسك روسيا الداخلي، وعلى العملية العسكرية في أوكرانيا، حتى ولو أدّى ذلك إلى إنهاء التمرّد بالقوة.. الأمر الذي يسجل للرئيس بوتين قدرته على التعامل مع الأزمة وإنهاء التمرّد بأقلّ الخسائر، وبالتالي تفويت الفرصة على أعداء روسيا الذين كانوا ينتظرون ويتمنّون أن يندلع القتال داخل روسيا ويقود الى شلّ قدرتها على مواصلة الحرب في أوكرانيا، أو التأثير سلباً على موقف قواتها على جبهات القتال في مواجهة الجيش الأوكراني…
على انّ ما حصل سيشكل درساً يجعل الرئيس بوتين يتدارك في المستقبل السماح بحصول مثل هذه الثغرة على مستوى القيادة والسيطرة والتحكم، والتي سمحت بنشوء ونمو قوة عسكرية لشركة خاصة تنازع القيادة العسكرية على القرار…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى