أولى

ديمومة الحرب «ضمانة» بايدن ونتنياهو للاحتفاظ بالسلطة؟

‬ د. عصام نعمان*

ثمّة تخمينات وترجيحات متعدّدة حول ما إذا كانت “إسرائيل” ستردّ على قيام إيران في 14 نيسان/ إبريل الحالي بالردّ على هجمة الكيان الصهيوني على القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيالها مجموعة من كبار القادة العسكريين الإيرانيين فيها. مصادر سياسية وإعلامية نافذة في أميركا وأوروبا اعتبرت بعض تصريحات الرئيس جو بايدن وغيره من كبار المسؤولين في دول أوروبا الغربية أدلةً واضحة على استبعاد قيام “إسرائيل” بالردّ على الردّ الانتقامي الإيراني، فيما أشار آخرون الى تصريحات لبنيامين نتنياهو أكّد فيها اعتزام حكومته الردّ على الردّ الإيراني.
في غمرة هذه التخمينات والترجيحات بدا لافتاً استطلاع للرأي العام أجراه فريق من الباحثين في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة نُشر بتاريخ 2024/4/16 وأظهر أنّ أغلبية الجمهور في “إسرائيل” تعارض القيام بشنّ هجوم على إيران ردّاً على الهجوم الذي قامت به الجمهورية الإسلامية ضدّ الكيان الصهيوني ليلةَ 14 نيسان/ أبريل الحالي.
وفقاً للاستطلاع، قال 74 في المئة من الإسرائيليين إنّهم يعارضون هجوماً إسرائيلياً على إيران لأنه سيتسبّب بتقويض الحلف الأمنيّ القائم بين “إسرائيل” ودول حليفة لها كانت شاركت في اعتراض الصواريخ البالستية والمُسيّرات الإيرانية التي أطلقتها طهران على الكيان الصهيونيّ، فيما رأى 52 في المئة منهم أنه من غير المجدي الردّ على الهجوم الإيراني بهدف إنهاء الجولة القتالية الحاليّة، بينما أكد 48 في المئة منهم أنه يتوجّب على “إسرائيل” الردّ حتى ولو بثمن إطالة الجولة القتالية الحاليّة بين الجانبين. وأعرب أكثر من نصف المستطلَعين عن تأييدهم لضرورة استجابة “إسرائيل” لمطالب أمنية تطرحها دول حليفة لها، بينما عارض 12 في المئة ذلك، وشدّد نحو 60 في المئة على أنّ المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة من أجل صدّ الهجوم الإيراني يُلزم “إسرائيل” بإجراء تنسيق أمنيّ معها (أي الولايات المتحدة).
على صعيد آخر، ذكر تقرير بثته قناة التلفزة الإسرائيلية 12 في 2024/4/16 أن “إسرائيل” تتحسّب لإمكان تعزيز التعاون العسكري بين إيران وروسيا في حال باعت طهران آلاف الطائرات المُسيّرة الى موسكو، لا سيما أن تلك المُسيّرات شبيهة بالتي استخدمتها إيران خلال هجومها على “إسرائيل” ليلةَ 14 نيسان/ أبريل الحالي. أخيراً، أشار تقرير قناة التلفزة الإسرائيلية إلى أنّ روسيا أطلقت ما اعتبرته “إسرائيل” تطوّراً كبيراً بقدرات الأقمار الاصطناعية الإيرانية، بالإضافة الى الدعم الديبلوماسي الروسي لإيران في المجال النووي ولحقِّها في تخصيب اليورانيوم.
كلّ الحقائق والوقائع آنفة الذكر تكشف تطوّراً وازناً في مشهد الصراع الدائر حاليّاً، لا سيّما بشأن التعاون السياسي والأمني المتزايد بين روسيا وإيران وانعكاسه إيجاباً لمصلحة موازين القوى لدى أطراف محور المقاومة وروسيا من جهة، مقابل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة من جهة أخرى. غير أنّ ثمة حقيقة لم يشر إليها لا الاستطلاع الذي أجرته الجامعة العبرية في القدس المحتلة، ولا التقرير الذي بثته قناة التلفزة الإسرائيلية 12. إنّها الحقيقة التي تتضمّن السبب الكامن وراء دعم إدارة الرئيس بايدن لحكومة نتنياهو في استمرار حربها الإباديّة ضدّ فصائل المقاومة الفلسطينيّة خصوصاً. فقد أكدت مصادر سياسية وإعلامية رصينة في أميركا وأوروبا أنّ حرص بايدن ونتنياهو على ديمومة الحرب مردّها إلى اقتناعهما بأنّ من شأنها تعزيز جهودهما الرامية إلى الاحتفاظ بالسلطة. ذلك أنّ الضغط على نتنياهو لوقف الحرب سيؤدّي إلى سقوط حكومته نتيجةَ معارضة الوزراء اليمينيّين المتطرفين لوقفها وتهديدهم بالاستقالة من الحكومة إذا ما أذعن نتنياهو لمطلب الداعين لوقفها بغية إطلاق الأسرى الإسرائيليين لدى “حماس” وسائر فصائل المقاومة الفلسطينية، ولتفادي خسارة بايدن أصوات مؤيدي “إسرائيل” في جولة الانتخابات الرئاسية مطلعَ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
في غمرة تكهّنات متعدّدة ومتناقضة حول موعد الردّ الانتقامي الإسرائيلي على الردّ الإيراني بتاريخ 14 نيسان/ أبريل الماضي، وقع حدث غامض في مدينة أصفهان الإيرانية لم يعترف أيّ من العدوين اللدودين بالمسؤولية عنه. ففي فجر يوم الجمعة الماضي تردّدت أصداء انفجارات في المدينة الإيرانيّة وصفتها مصادر متعددة بأنها هجوم إسرائيليّ، لكن طهران شككت في ذلك وأشارت الى أنها لا تعتزم الانتقام تفادياً لنشوب حرب على مستوى المنطقة برمّتها. وسائل إعلام إيرانية أفادت أنّ الانفجارات نجمت عن إسقاط الدفاعات الجوية الإيرانية ثلاث طائرات مُسيّرة فوق أصفهان في سياق هجوم نفّذه “متسللون”، وليس “إسرائيل”، ما ينفي الحاجة الى ردّ انتقاميّ.
“إسرائيل” التزمت الصمت، ومثلها فعلت الولايات المتحدة، إذ أنكرت أيّ دور لها في الحدث الغامض. وعندما سُئل وزير خارجيتها انطوني بلينكن عن الأمر في مؤتمر صحافي في إيطاليا، قال إنه لن يعلّق باستثناء القول إنّ الولايات المتحدة ملتزمة أمن “إسرائيل”، لكنها لم تشارك في أيّ عمليات هجومية. وحده وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير كشف علاقة كيان الاحتلال بالانفجارات بقوله على منصة إكس كلمة واحدة: “ضعيفة”!
لماذا التقت جميع الأطراف ذات الصلة بالصراع المتصاعد بين إيران و”إسرائيل” على موقف “عدم مسؤولية” أيّ منهما عمّا حدث في سماء أصفهان؟ الجواب: لأنّ أياً من الأطراف المعنية ليس لها مصلحة في تطوير الصراع الى حرب واسعة تشمل كلّ أرجاء المنطقة في هذه الآونة. صحيح انّ نتنياهو يريد استمرار حرب الإبادة التي يشنّها على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، لكنه يتفادى إغضاب حليفه بايدن الحريص على عدم خسارة أصوات مئات آلاف الأميركيين المعارضين لسياسة نتنياهو المتوحشة ضدّ الشعب الفلسطيني. أما إيران فيبدو أنها حريصة على عدم إحراج أغلبية الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أدانت سياسة “إسرائيل” العدوانيّة من جهة، ودعت من جهة أخرى الى وقف تصعيد الصراع في المنطقة تفادياً للانزلاق الى حرب شاملة أكثر ضراوة.
في ضوء هذه الواقعات والتطورات، ينتصب سؤال: كيف سيكون وضع المنطقة والتناقضات المتزايدة بين مختلف الأطراف المتصارعة فيها؟
بحذرٍ وتحفظٍ شديدين يمكن الخروج بالاستنتاجات الآتية:
ـ ستثابر إدارة بايدن على تزويد حكومة نتنياهو بالأسلحة الثقيلة لمتابعة حربها في قطاع غزة والضفة الغربية شريطة عدم التسبّب بمزيد من تهجير الفلسطينيين إلى خارج وطنهم السليب، مع مراعاة التزام أميركا بما تسمّيه “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها”.
ـ قيام الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب الأطلسي بمحاصرة الجهود الرامية إلى توسيع نصرة الشعب الفلسطينيّ ودعمه في عالم العرب وعالم الإسلام.
ـ التحضير لحملة أمميّة واسعة من أجل تسوية قضية فلسطين على أساس إقامة دولة للفلسطينيين في سياق مصالحة شاملة بين العرب و”إسرائيل”.
ـ توسّع مشاركة أطراف محور المقاومة في الصراع ضدّ الكيان الصهيوني وحلفائه الإقليميين والدوليين.
ـ انخراط أوسع لكلّ من الصين وروسيا في الصراع الى جانب قوى المقاومة العربية والإسلامية المناهضة للكيان الصهيوني وحلفائه في الغرب الأطلسي.
الى ذلك كله، تتوجّب الإحاطة بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وبتداعيات الصراعات الداخلية المتفاقمة داخل كيان العدو الصهيوني كي يُصار في ضوئها إلى وضع سياساتٍ وممارسات كفيلة بمواجهة تحدّيات الغرب الأطلسي لقوى المقاومة العربية المناهضة للاحتلال “الإسرائيلي” والهيمنة الأميركية.

*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى