أولى

هذه هي المعركة التي تُخاض وللنصر والكرامة ثمن وضريبة

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
لليوم السابع من حرب تشرين الثانية، يقصف العدو غزة بكلّ ما أوتي من سلاح وقوة تدميرية غير مسبوقة، هادماً الأبراج والبنايات السكنية على رؤوس ساكنيها من المدنيين نساء وأطفالاً وشيوخاً، بطريقة بالغة السفالة والوحشية وغير عابئ بشاشات الفضائيات التي تنقل الحدث بالصوت والصورة ويشاهدها العالم أجمع، فكيان الاحتلال يتسلّح بغطاء قوي من خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن ودعم غير محدود من الولايات المتحدة، التي سبق لها ان استباحت أفغانستان والعراق وسطت وتسطو على الشعوب بعسكرها ودولارها ومؤسّساتها من بنك الدولي وصندوق نقد!
ثم من فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون وارث الثورة الفرنسية وقيَم الحرية والاخاء والمساواة، القيَم التي تمارس داخلياً وفي عالم الرجل الأبيض فقط، هذا الرئيس الذي نهبت بلاده أفريقيا وسرقت ثرواتها وملأتها بأوبئة بالملاريا والايدز وحمى الضنك، وقامت بتجاربها النووية على البشر من الجزائريين والأفارقة السود في الصحراء الكبرى، لترى مدى فاعلية وفتك قنابلها، وهي الآن تتبرّم من المهاجرين الذين هي السبب في هجرتهم وفقرهم ومرضهم!
وانجلترا التي رعت الحركة الصهيونية أو أنها من خلَقها، منذ قرن وربع وعملت على تحويل فلسطين الى دولة لليهود، وهي من خلق الأزمة وزرع بذورها الى أن سلمتها للولايات المتحدة الأميركية .
فلا غرابة في ان نرى هذا الغرب الأبيض ينهض للدفاع عن مشروعه في أرض فلسطين التي يزعم أنها (أرض إسرائيل البيضاء الشقراء) ويستبيح الدم الفلسطيني من خلال جرائم متمادية ضد الانسانية.
كيان الاحتلال مشروع غربي بامتياز، وقد جاوزت وظيفته الدفاع عن مصالح هذا الغرب الاستعماري الامبريالي لتصبح جزءاً لا يتجزأ منه، ومعبّراً عن ثقافته في استعباد الشعوب ونهب ثرواتها وإثارة القلاقل، كما فعلت الولايات المتحدة التي قامت على أرض غيرها وذبحت أصحاب الارض ثم وضعت من بقيَ منهم في معازل تمكن زيارتها باعتبارها متاحف إنسانية، كما فعلت فرنسا في مناجم ذهب النيجر التي استولت على 2400 طن منها فيما لا تملك خزينة النيجر كيلوغراماً واحداً، وكما فعلت إنجلترا في الهند وهولندا في أندونيسيا وبلجيكا في غرب أفريقيا.
الاحتلال «الاسرائيلي» اقتلع الفلسطيني من أرضه وهجّر معظمه خارج فلسطين، ثم وضع من بقيَ منه في سجن كبير يضمّ في غزة مليونين ونصف مليون فلسطيني، وفي الضفة ثلاثة ملايين آخرين ويسيطر على المياه والأجواء ويمنع الوقود والكهرباء ويصادر الأرض ويقيم عليها المستوطنات وساكنيها من المستوطنين البيض العدوانيين كما كان يحدث في جنوب أفريقيا وروديسا (زمبابوي) كيف ما أراد وحيث ما أراد ومتى أراد.
الاستعمار الذي قام منذ نهاية الحرب العالمية الأولى لا يزال موجوداً فقد حرص قبل مغادرته الشكلية أولاً على تقسيم الأمة وعلى إقامة الأنظمة التي ستحافظ على التجزئة وتحول دون الوحدة القومية، وثانياً على قيام هذا الكيان المعادي الغاصب الذي يمثل عامل عدم استقرار دائم وقد أصبح هذا الاستعمار ووريثته الولايات المتحدة يعملون على استدخال الكيان المعادي ضمن النظام الإقليمي وجعله قائداً من خلال التطبيع وهو ما ينسجم مع دور بعض الحكام العرب الموظفين وانْ كانوا برتبه رئيس أو ملك أو أمير أو جنرال أو حتى ماريشال…
ماذا يفعل هؤلاء لنصرة الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لمجازر الإبادة والقتل والتهجير في غزة؟ هؤلاء ليس لديهم إلا بيانات الشجب والاستنكار والإدانة وإعلان عدم ادّخار الجهد دون بذل الجهد وهي اجترار بيانات نمطية مملة قد يكون من صاغها للإعلام ليس أكثر من موظف استقبال في وزاره إعلام او وزارة خارجية.
هذا ولا يزال بيننا من يرى خسائر الدمار في غزة ولا يرى ربح ما فعلته المقاومة من اجتياح للمعسكرات والمستوطنات المحصّنة، او من يفكر في ضرورة إقناع الرأي العام الغربي بعدالة قضيتنا ويحرص على ان يظهر بالمظهر الذي يريده الغربي، مظهر المسالم الخانع الذي يتقبّل الطلبات ولا يعترض عليها، وأرى انّ المطلوب والمعركة مستعرة ان على هؤلاء التوقف عن بذل الجهد لإقناع الرأي العام الغربي وانما إقناع أنفسهم بان لا جدوى من ذلك وانّ للنصر والكرامة ثمناً وضريبة، وانّ القوة فقط هي القول الفصل في إثبات الحق وان لا يفلّ الحديد إلا الحديد.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطيم المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى